ويؤكد الأستاذ الدكتور أحمد محمد الدغشي – أستاذ أصول التربية وفلسفتها بجامعة صنعاء – في المحاضرة التي القاها الأحد الماضي بقاعة باكثير في جامعة حضرموت وبمشاركة منظمة »اليمن أولاٍ« ضمن فعاليات الطالب الجامعي حول التطرف – فلسفته وأبعاده – أن ضعف التأهيل العلمي ورقة دين المتطرف وانحراف شخصيته وغيرها تعتبر أسباباٍ رئيسية للتطرف.. فإلى نص المحاضرة.
alakoa777@hotmail.com
تمثل مشكلة التطرف ظاهرة مؤرقة لمجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة على نحو غير مسبوق – في اعتقاد البعض- رغم أنها داء قديم ظهر في تاريخ الدعوة الإسلامية منذ وقت مبكر. وقد برزت بوادره في عهد النبي محمد- صلى الله عليه و آله وسلم- فتصدى لها بمختلف الأساليب والوسائل مذ ظهرت بوادرها على سلوك بعض من انتسب إلى دينه .
لقد عبر نبي الإسلام- عليه الصلاة والسلام- عن هذه الظاهرة بألفاظ عدة كالغلو والتشدد والتنطع والتكلف ونحو ذلك كما تصدى لمواجهتها العلماء والمربون والمصلحون على امتداد العصور.
مفهوم التطرف:
يعرف مجمع اللغة العربية مادة التطرف بقوله:” تطرِف أتى الطِرِف ويقال تطرِفت الشمس : دنت للغروب” ويوصف المتطرف بأنه ” جاوز حد الاعتدال ولم يتوسِط”( إبراهيم أنيس ورفاقه معجم اللغة العربية جـ 2ص555(مادة طِرِفِ) د.ت د.ط بيروت: دار إحياء التراث العربي).
والمقصود أن التطرف هو الخروج عن حدود الاعتدال وموقع الوسط. و قد أطلق مصطلح التطرف في الأصل على” الحسيات كالتطرف في الوقوف أو الجلوس أو المشيº ثمِ انتقل إلى المعنويات كالتطرف في الدين أو الفكر أو السلوك” ( يوسف القرضاوي الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف ص 23 1405هـ- 1985م الطبعة الرابعة كتاب الأمة2 الدوحة: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية وبيروت: مؤسسة الرسالة).
ومن ثم فكل من خرج عن حدود الاستقامة ودائرة الوسط ووقع في الغلو- وهو المصطلح الأكثر أصالة في الأدبيات الإسلامية- ذات اليمين أو ذات الشمال فإنه يصبح واقعاٍ في دائرة التطرف وبقدر خروجه عن دائرة الاعتدال والوسطيةº ينجر إلى دائرة التطرف.
أنواع التطرف:
التطرف أنواع عدة منه ما يتصل بالفكر ومنه ما يتصل بالسلوك ويمكن تفصيل ذلك على النحو التالي: أولاٍ: التطرف الفكري:
ويقصد به الانطلاق في التفكير وإصدار الأحكام من رؤى وقناعات فكرية (شاذة) خاصة بمدرسة معينة في القديم أو الحديث تنبع من مرجعيتها الخاصة ومقرراتها المغلقة فتصدر عن رموز تلك المدرسة إزاء المخالف – على وجه الخصوص- بعيداٍ عن الاحتكام إلى منهج جمهور العلماء ومحققي الفقهاء في القديم والحديث.
ويمكن أن يضرب المثال لذلك بأربعة نماذج متضادة غير أن التطرف -بتناقضاته- يجمعها.
النموذج الأول: أنموذج التكفير:
أي إصدار حكم التكفير في حق كل مخالف لفهم تلك المدرسة أو متباين الوجهة مع رموزها في المسائل الكلية أو الجزئية. وقد بدأ الشطط في نمط التفكير لدى أرباب هذه المدرسة ْمْذ قال قائلهم للنبي- صلى الله عليه و آله وسلم- في إحدى الغزوات :” إعدل يا محمد” فأجابه – عليه الصلاة والسلام-:” ويحك من يعدل إن لم أعدل”. وحين هم بعض الصحابة بتأديبه نهاهم النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- عن ذلك مبيناٍ واحدة من دلائل النبوة بقوله: “يخرج من ضئضي هذا من تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم يقرئون القرآن لا يجاوز حناجرهم” . وهؤلاء هم الذين يقتلون أهل الإيمان ويدعون أهل الأوثان¿. وهذا أسوأ أنواع التطرف الفكري بإطلاق لأن ماعداه فرع عنه.
النموذج الثاني: أنموذج التفجير :
أي التعبير عن الفكرة بتصفية الخصم مادياٍ- وهو الغالب- عن طريق استحلال دمه لأدنى اختلاف معه في مسألة كلية أو جزئية – وإن كان يرى كل شيء عنده كلياٍ نتيجة التنشئة المتطرفة ذاتها- . ونموذج هذا ماثل في أكثر من قطر- ومنه اليمن- وأبرزه في العراق إذ بلغت العدمية ببعض هؤلاء أن يفجر نفسه أو آخرين في مسجد أو حسينية أو سوق عام أو حافلة ركاب مدنية. وبلغت ذروة ذلك في اليوم الثاني(28/٢١/٨٠٠٢م) لمجزرة غزة الشهيرة حين فجر أحد هؤلاء نفسه في وسط محتشد يقوده الحزب الإسلامي العراقي تعبيراٍ عن انزعاج المحتشدين من جرائم الصهيونية في غزة لكن هذا الانتحاري عبر عن انزعاجه من تعبير خصومه في ذلك اليوم بهذه الطريقة!! ولايخرج عن ذلك التفجير الذي تبنته ما تعرف بـ( دولة العراق الإسلامية) التابعة لتنظيم القاعدة كنيسة سيدة النجاة في منطقة الكرادة وسط بغداد في 31تشرين الثاني/نوفمبر 2010م وأسفر عن 125 بين قتيل وجريح حسب بعض المصادر المسيحية ( الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة في الأردن أو الاعتداء التالي على كنيسة الاسكندرية رأس السنة الهجرية 2010م وهو الذي أدى كذلك إلى فتنة لايعلم عواقبها إلا الله تعالى!
النموذج الثالث: أنموذج التزوير:
ويقصد به تزوير حقائق التاريخ المدعمة بشواهد القرآن الكريم ودلائل السنة المطهرة الصحيحة القولية والعملية و ذلك حين يتوجه الثلب والانتقاص إلى القمم الكبيرة في صدر هذه الأمة وطمس معالم الأحداث الكبرى المشرقة في تاريخ الرعيل الأول مع اعتساف لمنهج الاستدلال حين يختزل في جماعة معينة – على جلالة قدرها- فإن القول بذلك الحصر ينسف تاريخ خير أمة أخرجت للناس ويصم تربية سيد الخلق وإمام المربين محمداٍ – صلى الله عليه وآله وسلم- بالفشل الذريع إذ لم تدم فاعليتها الإيجابية سوى في حياته – عليه الصلاة والسلام- بينهم ويصبح الاستنتاج المباشر -من ثم- أننا نشك في سلامة هذا الدين ودقة مصدريته مادامت منقولة عن أولئك القوم الذين باشروا في مشروع عصيان الرسول فور وفاته فغيروا وبدلوا وتهافتوا على حطام الدنيا وكرسي الزعامة على ذلك النحو الذي لا يميزهم عن آخرين لم يشرفوا بتربية المربي الأعظم محمد – صلى الله عليه وآله وسلم- .
النموذج الرابع: أنموذج التبرير:
ويقصد به التطرف المتمثل في تبرير مسالك الطغاة والمستكبرين وأصحاب الحظوظ الدنيوية من ذوي الجاه والسلطان أو المتاع الدنيوي بكل صوره. وهذا النموذج جاهز لتقديم التبرير ونقيضه- إن اقتضى الأمر- بحسب طلب أرباب نعمتهم ومن يعتقدون أن رزقهم وعيالهم ومصير حياتهم مرهون برضاهم عنهم أو سخطهم عليهم. ويظهر أن ذلك ضرب من الشرك عملي وإن لم يقصد سالكوه إلى ذلك سبيلاٍ لكن هل قصد أنموذج التكفير أو التفجير أو التزوير إلى مآلات مسالكهم سبيلاٍ كذلك¿! فنحن إنما نحاسب المنهج لا النوايا. وقد وصفت بعض الآثار الصحيحة رؤوس المكفرة بـ(أنهم أصدق لهجة) فهل يعفيهم ذلك من تحمل عبء مسئولية التكفير¿!
ثانياٍ: التطرف النفسي:
والمقصود به أن المتطرف من هذه الزاوية يعاني من اضطراب نفسي عميق وقلق في تدينه غريب إذ يظهر نفسه أحرص على الدين من المشرع نفسه فتراه يقدم سوء الظن بالآخرين على حسنه وأسوأ المحامل لمسالك المختلف معهم على البحث عن عذر – ولا نقول سبعين عذراٍ- مصوراٍ نفسه ومن تابعه الأحرص على الحق والأتقى لله والأعلم بشرعه مع أن الحقيقة قد تشهد بأنه الأجبن في موطن الاستحقاق والأجرأ على الفتوى برعونة -لايحسد عليها- والأجهل بتعاليم الدين كما شرعها رب العزة والجلال غير أنه يستعيض عن ذلك بالصوت العالي والشِغِب على المخالف مع دروشة يابسة وشنشنة محدودة!!
ثالثاٍ: التطرف التربوي:
ونعني به التطرف في التنشئة حيث الالتزام المتطرف برأي مدرسة تربوية أو فقهية أو فكرية واحدة أو شيخ واحد أو لون واحد من التفكير لايجوز تخطيه منذ نعومة الأظفار ومن رام الخروج عن ذلك أو محاولة إدراك ما يجري حولهº فإنه قد يقابل -من قبل بعض المربين والشيوخ- بتعنيف ولوم وربما يصل حد العقاب القاسي!! ومن مظاهر ذلك: الحرص على حضور خطبة جمعة بعينها لخطيب بعينه أو محاضرة لمتحدث بعينه أو درس ما لشيخ أو مرب بعينه على نحو مضطرد صارم قد يقضي في ملازمتها السنين المديدة من غير أن يخطر ببال المتلقي أن هناك آخرين ربما كانوا مثله- إن لم يكونوا أجود وأدق منه- مع إطراء له وإعجاب يصغر أمامه خطباء العرب المشاهير في القديم والحديث و جهود علماء الرعيل الأول وفقهاء الإسلام عبر العصور والأمصار. وذلك كفيل بتخريج جيل من المتربين المصابين بداء الأحادية المعرفية والقولبة الفكرية والسلوكية والتنميط في الحكم على الظواهر والأشياء والوقوع – من ثم- في الانشطار في الشخصية إذ تلمس إغراقاٍ في جانب على حساب غيره (روحي- عقلي- سياسي- اجتماعي – ترفيهي) وكأن كل جانب من تلك الجوانب ضد لغيره لا يلتقي معه في بنية شخصية واحدة تْعرف – عند علماء السلوك في القديم والحديث- بالشخصية النموذجية السوية المتكاملة.
رابعاٍ : التطرف الإعلامي:
ويبرز التطرف هنا في ذلك الاهتمام المبالغ فيه عند المرسل بنمط واحد من بث أو إذاعة أو نشر لون واحد من ألوان المعرفة أو الأخبار أو الترفيه أونحو ذلك مما قد لايراعي أحياناٍ أحكام الحل والحرمة والمناسب وغير المناسب والأخلاقي وما يتعارض معه وهو ما ينعكس تلقائياٍ على ذوق المتلقي – بمن فيهم الداعي والمربي- ومنهج تفكيره ونمط سلوكه. فتراه تارة منفعلاٍ بما يشاهد أو يسمع أو يقرأ وقد يؤدي ذلك إلى رد فعل متطرف حال المشاهدة أو السماع أو القراءة لما يعتقده تجاوزاٍ للثوابت أو مصادماٍ للقيم والأعراف الحميدة أو خادشاٍ للحياء وقد تراه تارة مغرقاٍ إلى حد الغرام أحياناٍ بلون واحد من تلك الألوان ومن مصدر (مدرسي) واحد غالباٍ – حتى لو اختلفت العناوين- وتراه قد زهد أو بدأ في الثقافة الجادة من مصادرها لحساب المتابعة الإعلامية الخفيفة والتنقل بين هذه القناة وتلك أو هذا الموقع وذاك وتصفح المطبوعة والأخرى وقد لا تجد في المضمون جديداٍ أحياناٍ وهكذا يستهلك الجهد وتستنفد الطاقات في متابعات قد لا تخلو من السطحية- إن لم يكن ذلك هو الغالب عليها- وضياع للوقت والجهد والمال وربما التفريط بمسئوليات أولى وأحق مع أنه كان بالإمكان تحقيق قدر معقول من ذلك بضبط نسبي لنوعية ما يقرأ والوقت المتاح لذلك ليتميز ذوو الشأن وأصحاب الهمم عن الرعاع والدهماء!
خامساٍ: التطرف السياسي:
وما يعنينا في التطرف السياسي هنا هو ذلك القدر المشترك بين الناشطين في العمل السياسي-عادة- في السلطة أو المعارضة المتمثل في نمط الإقصاء وقمع الحريات والضيق بالآخر المخالف وعدم أو ضعف الاعتداد برأيه أو مشورته أو حتى معارضته بل تصوير كل ذلك ضرباٍ من العداوة بل المؤامرة أحياناٍ وهو ما يْنتج ردحاٍ وقدحاٍ وتراشقاٍ متزايداٍ بالاتهامات من كل طرف تجاه الآخر. وبدلاٍ من الاستفادة من كل نقد بناء أو نصيحة صادقة يفسر كل ذلك بأسوأ المقاصد ويسعى كل طرف للتربص بالآخر بغية الانقضاض على السلطة بالنسبة للمعارضة والتشبث بالكراسي حتى انتزاعها بوسائل العنف أو ما في حكمها بالنسبة للسلطة وهكذا. ولو أمعنا النظر في أسباب ذلك ودوافعه لوجدنا نمط التنشئة الاجتماعية في الأسرة والمسجد والمدرسة والإعلام ونحوها قد أسهم في صناعة ذلك المسلك السياسي بنصيب وافر وهو ما يفرض ضرورة إعادة النظر في أنماط التنشئة في تلك الوسائط.
سادساٍ: التطرف في الانتماء المجتمعي والعرقي ونحوهما:
ويقصد به عد مجتمع أو عنصر أو سلالة أو بلدة أو منطقة بعينها خيراٍ من غيرها في أصول معدنها ونقاء أصولهاأو إصدار حكم تعميمي مطلق يشهد بالسلب أو الإيجاب في حق بلد بعينه أو مجتمع معين بصرف النظر عن مدى استقامة أبنائه على الطريقة فيما يتم ازدراء من عداهم ووصمه بكل نقيصة حتى لو كان أحسن مسلكاٍ أو أقرب إلى معايير الشرع وتوجيهاته. وفي ذلك تجاهل للحكم القرآني الصريح: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباٍ وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (الحجرات:13) ولتوجيه النبي – صلى الله عليه وآله وسلم- :” ” يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعرب على عجمي ولا عجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى “(أخرجه أحمد ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي) كما أن في مثل ذلك الاعتزاز بالانتماء الأهوج ضعف وعي بحقائق التاريخ ومعطيات الواقع ونتائج العلم ومنطق الأشياء القاضية كلها بأن الاعتبار الأساس للسلوك وحده.
أسباب التطرف:
للتطرف جملة أسباب يمكن إيجازها في التالي:
أولاٍ: رقة في دين المتطرف وضعف في إخلاصه أحياناٍ وغياب لمعاني الخوف من الجليل وتجاوز في مراقبة من (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) (غافر:19).
ثانياٍ: ضعف في التأهيل العلمي وتسطيح لكثير من القضايا التي تثير التطرف وتبعث على النزاع وفساد ذات البين.
ثالثاٍ: انحراف في الشخصية وشذوذ في التفكير حتى إن البدهيات العقلية والأبجديات الشرعية والعلمية لتغيب أحياناٍ في لجة اللدد وغمرة الصراع بين ذوي السلوك المتطرف ومخالفيهم.
رابعاٍ: المنزع الأحادي في المعرفة والنظرة الجزئية في الحكم على الأشياء والظواهر.
خامساٍ: الإغراق في جانب من جوانب الشخصية على حساب غيره( ضعف في التربية المتوازنة المتكاملة).
سادساٍ: غياب أنموذج القدوة والافتقاد للقيادة العلمية والدعوية الراشدة.
سابعاٍ: الأزمة الأخلاقية العامة ومنها ضعف في أخلاق بعض الدعاة وقد يكون مبعث ذلك ضعفاٍ في التأهيل التزكوي واستسهالاٍ لأمراض القلوب من مثل الوقوع في: آفات الغيبة والنميمة والكذب والرياء وحب الظهور والنفاق العملي .
ثامناٍ: صراع المناهج الدعوية واختلاف أصحابها التضادي في الرؤى والأفكار مع إقصاء كل رأي يخالف السائد في أدبيات هذه المدرسة أو تلك مما يثير الحيرة والتشكك في نفوس الناشئة وجمهور المتلقين وهو ما قد يدفع لرد فعل عدمي نسميه (التطرِف) .
تاسعاٍ: فشو الظلم والقهر في مجالات الحياة المختلفة: والسياسية منها بوجه خاص على المستوى الدولي أو المحلي ويغذي التطرف في الموقف إزاءها تلك الفئة ممن تنتسب إلى ميدان الدعوة وعلوم الشريعة حين تتسابق لتقديم التسويغ لذلك الظلم والقهر و(شرعنته).
عاشراٍ: ظاهرة تبعية الأنظمة السياسية في عالمنا العربي والإسلامي للمستكبرين الكبار يولد الرغبة الجامحة لدى بعض الناشئة للانتقام والرغبة في الثأر لاسيما بعد أن يشاهدوا مظاهر الظلم للشعوب المستضعفة و(عربدة) الدول الكبرى في تحالفها الأعمى مع الكيان الصهيوني واختطافها لما يسمى بالمنظمة الدولية لتقف ضد قضايا الأمة المصيرية باضطراد.
حادي عشر: التحلل من القيم والالتزام بتوجيهات الدين وضوابط الشريعة على مستويات الأسرة والمجتمع وأحياناٍ بعض الشخصيات المنتسبة إلى الدعوة بدعوى الوسطية والتسامح ومخالفة سلوك (المتطرفين)!!.
ثاني عشر: لاينبغي التقليل من أثر التعبئة الخاطئة وإن كانت مآلاتها غير مقصودة غالباٍ ومن هذا القبيل ذلك الإسفاف والتعدي في الدعاء الذي يقع فيه بعض الخطباء والوعاظ حين يدعون بالانتقام الإلهي من اليهود والنصارى جملة وتفصيلاٍ بلا تمييز بين محارب ومسالم أو ذمي ومستأمن أو معاهد مع أن النص القرآني صريح وواضح: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) (الممتحنة:8-9) ناهيك عن الأحاديث المتضافرة من السنة التي توصينا بأهل الذمة والمعاهِدين والمستأمنين خيراٍ.
الحلول:
ثمة تصورات في سياق البحث عن حلول يمكن أن تسهم في معالجة الظاهرة ويمكن إيراد أبرزها على النحو التالي:
أولاٍ : إيلاء جانب التزكية للعاملين للإسلام بصورة عامة والمتصدين لمخاطبة الجمهور بوجه خاص الأهمية المفترضة عن طريق إدراج مناهج التزكية في المناهج الداخلية بالنسبة للعاملين في أطر جماعية منظمة وفي مناهج الكليات والمعاهد الشرعية المعنية بإعداد الدعاة وتأهيلهم ولا شك أن ذلك وحده غير كافُ مالم يعزز بسلوك المعلمين والمربين والموجهين والقادة بمستوياتهم المختلفة.
ثانياٍ: العمل على إيجاد تربية شاملة متوازنة تستهدف الناشئة بصورة عامة كي يتمكنوا من إبراز ذلك التوازن والشمول في الحياة العملية ومنها حياة الدعوة بالنسبة للدعاة.
ثالثاٍ: تكثيف جهود التوعية والأنشطة الثقافية اللازمة للدعاة عبر وسائل الإعلام الموجهة والمواقع الإليكترونية وإقامة الدورات وورش العمل الجادة المعدة إعداداٍ نوعياٍ لتحقيق التربية المستمرة والتزود المنشود بالتأهيل الثقافي اللازم وصولاٍ إلى تحقيق نموذج الداعية المتوازن الوسطي .
رابعاٍ: لا بد من إيلاء جانب القدوة في شخصية الداعية أو المربي الأهمية التي تستأهل الاقتداء المفترض مع التأكيد في الوقت ذاته للجمهور على أن الداعية القدوة المطلق لا يوجد في عالم البشر وأن النبي محمدا- صلى الله عليه وآله وسلم- هو وحده القدوة المطلقة في ذلك: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراٍ) (الأحزاب :21) وأن من عداه بشر يجري عليهم قانون النسبية في الصواب والخطأ والجهل والعلم والقوة والضعف.
خامساٍ: تجسيد مبدأ الأخوة الإسلامية العامة في حياة الدعاة والمربين من منطلق معياري: الحب في الله والبغض في الله كي يتعامل الداعية أو المربي مع جمهوره وتلامذته من هذا المنطلق- مع الاحتفاظ لنفسه بحق الأخوة الخاصة إن شاء- كي يتنزه الداعية المنشود عن بعض الأمراض الدعوية السائدة مثل الشللية والحزبية المقيتة المتطرفة والتعصب الأعمى لمدرسته أو مذهبه أو نحو ذلك.
سادساٍ: لابد أن تتضافر في شخصية الداعية أو المربي المعاصر المنشود عناصر عدِة من مثل : الوعي بالتاريخ والفقه للشرع والواقع والتفاعل مع عالم التكنولوجيا والتقنية ذات الصلة بنشاطه الدعوي وحركته الرسالية المفترضة.
سابعاٍ: لابد أن يتميز الداعية أو المربي النموذج بحس حواري ينعكس على منهجه في الدعوة فكراٍ وأسلوباٍ مع جمهوره بمن فيهم من يتفق معه أو يختلف.
ثامناٍ: لابد أن يطلق الداعية أو المربي النموذج منهج العنف في تعامله الشخصي أو في مسلكه العملي مع أسرته أو تلامذته أو جمهوره فضلاٍ عن أن يفتي بجواز اللجوء إليه لحل الخلاف مع مسلم أو غير مسلم ممن يخالفه الوجهة في الفكر أو الاعتقاد مع التأكيد على مشروعية الجهاد خارج حدود المجتمع المسلم دفاعاٍ عن الدين أو المقدسات أو الوطن أو غير ذلك أو درءاٍ للفتنة وتحريراٍ للمستضعفين حين تتوافر الشروط وتنتفي الموانع.
تاسعاٍ: إن الداعية أو المربي النموذج ملك للأمة كلها بمختلف مدارسها وأطرها الفكرية ومذاهبها وطوائفها ولذلك لا يجوز له أن يوظف منبره – ومنبر المسجد على وجه أخص- للمهاترات السياسية والطائفية والمذهبية والعشائرية كي يبقى مرجعاٍ للجميع.
عاشراٍ: للوقاية من وقوع الأفراد بمختلف مستوياتهم من لوثة التطرف يجب أن تسعى الدول العربية والإسلامية إلى تحقيق هدفين مزدوجين:
أحدهما: إقامة العدل في مجتمعاتها عن طريق تحقيق الحاجات الأساسية للمجتمع من تعليم جيد وصحة متميزة وإعلام حر نظيف وقضاء عادل مستقل وخدمات أساسية تشمل جميع جوانب البنية التحتية إلى جانب منح الاهتمام بالحقوق والحريات أولوية في سلم خططها الاستراتيجية والتنموية ومالم تجسد ذلك عملياٍ وتثبت براءتها من تهمة انتهاك الحقوق والحريات بمختلف جوانبها تلك التي صارت سمة عموم أنظمتنا السياسية – بكل أسف – فإن بيئة التطرف ستنمو ورقعة العنف ستتسع ولن تجدي حينئذُ الشعارات المجلجلة ولا الأبواق المنافقة (الصدئة) من غضبة الجماهير ولعنة الشعوب المقهورة شيئاٍ بل هي أول من سيتبرأ حين تقع الواقعة وما انتفاضة تونس والجزائر عنا ببعيد.
والآخر: تحرير سياسات الدول من التبعية العمياء لإملاءات المستعمر الأجنبي وفي مقدمته دولة الاستكبار والغطرسة الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية) الهادفة إلى تخريب مجتمعاتنا وضرب قواها ببعض سواء كان ذلك عن طريق الإملاءات العسكرية والأمنية الهادفة إلى زرع الانتقام وبث بذور الحقد بين الدولة وشعبها وتوريث ذلك على مدى الأجيال القادمة أم عن طريق المؤسسات الاقتصادية الاستعمارية الكبرى (صندوق النقد والبنك الدوليين) التي أتثبت إفلاسها في مجتمعاتها الأصلية (الأزمة الاقتصادية العالمية أكبر الشواهد) قبل غيرها كما جرت جوهر سياساتها تلك مجتمعاتنا إلى هذا التدهور المريع في الجانب الاقتصادي والمعيشي وانعكاسات ذلك على بقية مجالات الحياة وهو ما يؤدي إلى تدمير شامل وانهيار عام للاقتصاد الوطني والقومي أم عن طريق السياسات الإعلامية المضللة ونشر المشاهد الإباحية والمتنافية مع قواعد الدين وأساسيات الأدب العام وسوية الفطرة أم عن طريق السعي الحثيث لتغيير مناهج التعليم (الديني) وفلسفاتها بدعوى التطوير والتجديد وإصلاح الجيل عن طريق فرض الوصاية على مناهج التعليم وفلسفاتها أم كان ذلك عن طريق المنظمات الأجنبية لفرض ما تسميه ببرامج تنمية الأسرة ودعم حقوق المرأة والصحة الإنجابية وسياسة النوع الاجتماعي(الجندر) وذلك برغم ماقد يحتويه من جوانب ظاهرها إيجابي إلا أنه يتضمن في جوهره تخريباٍ متعمداٍ ومقصوداٍ لمؤسسة الأسرة وهي القلعة الأخيرة التي لاتزال تحظى بتحصين نسبي في بعض مجتمعاتنا والله وحده المستعان.