خاص بـ»الوحدة« من القاهرة
تحقـــيق/ علي العــطا
بعد القمة الاقتصادية العربية – التي انعقدت في الكويت أوائل العام الماضي – والتي دشنِت القمم العربية المتخصصة يتم التحضير حالياٍ لعقد القمة الثقافية العربية المزمع عقدها قريباٍ في بلد لم يْسِمِ حتى الآن!
وإسهاماٍ من »ثقافة الوحدة« في تسليط الضوء على هذا الحدث الثقافي الهام تنشر عدداٍ من الآراء المتباينة والمواقف المتضادة حول الموضوع لا سيما أن الحوار الجاد أو النقاش الرصين هو أنجع الوسائل لمعالجة قضايا الثقافة بالذات.. وفي هذا العدد ننشر آراء عدد من المثقفين..قد لا يتفق الزعماء العرب على أن النظر في أحوالنا الثقافية يتطلب عقد قمة ثقافية في ظل انشغالهم بالقمم السياسية ومن منطلق أنه ليست هناك حاجة ملحة إلى تلك القمة التي ستكون الأولى من نوعها في تاريخ العمل العربي المشترك إذا قدر لها أن تنعقد خلال عام 2011 كما يأمل الساعون إليها. وعلى أية حال فإن الزعيم الليبي معمر القذافي هو الوحيد بين الزعماء العرب حتى الآن الذي أعلن تحمسه لتلك القمة الثقافية وأبدى استعداد بلاده لاستضافتها تجاوباٍ مع جهود الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب برئاسة الكاتب محمد سلماوي وكذلك جهود مؤسسة الفكر العربي التي يترأسها الأمير خالد الفيصل. وإلى جانب هذين الكيانين المدنيين تحمس للفكرة اتحاد الفنانين العرب واتحاد الناشرين العرب والأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى.
إلى أن تتفق الأطراف المعنية على جدول أعمال تلك القمة المرتقبة وموعدها الدقيق والبلد الذي سيستضيفها فإننا نستعرض هنا آراء مثقفين ومبدعين من أجيال واتجاهات مختلفة حول الفكرة وأهميتها في هذا التوقيت.
سؤال وجواب
الدكتور إسماعيل سراج الدين (المرشح السابق لمنصب مدير عام اليونسكو والمدير الحالي لمكتبة الإسكندرية) يتساءل: هل تعد القمة الثقافية ذات فائدة¿ ثم يجيب قائلاٍ : أرى أن هناك حاجة ماسة لقمة ثقافية عربية إذú أن مثل هذه القمم ستفتح علاقات أوسع وأشمل بين المثقفين العرب أولاٍ والمؤسسات الثقافية العربية ثانياٍ إذú أنه من المتوقع أن عدداٍ من المؤسسات العربية تعمل في برامج متشابهة دون تنسيق بينها هذا التنسيق سوف يوفر ملايين الدولارات فضلا عن أنه سيعزز العطاء الثقافي في الوطن العربي.
كما أن المواجهات الفكرية تكون أكثر فاعلية في حالة تفاعل المثقفين من الخليج إلى المحيط من حيث تفاعل الأفكار وتلاحقها فضلا عن أنه يؤدي إلى إبداع وتفجر للطاقات وبالتالي سيؤدي إلى مواجهات أكثر قوة مع تيارات العنف والإرهاب. كما أن القمم الثقافية ستجعل من تضارب عالم السياسة أقل حدة ومن تقارب الشعوب أقرب من ذي قبل بل ستجسر الهوة بين عالم السياسة والاقتصاد الذي يعد الآن متعثراٍ بسبب تضارب المصالح والسياسات في وقت تعد الثقافة أساسا مهما للتقارب وعلينا أن نراعي في مثل هذه القمم التنوع الثقافي الخلاق من المحيط إلى الخليج الذي إن رعيناه سيكون إضافة وليس خصماٍ من الثقافة العربية المعاصرة
أزمة عابرة¿
من جانبه استبعد الأمين العام للاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب رئيس اتحاد الكتاب المصريين الكاتب محمد سلماوي أن تؤثر الأزمة المترتبة على منع عدد من الكتب المصرية – مؤخراٍ – من المشاركة في معرض الكويت الدولي للكتاب على جهود عقد القمة الثقافية العربية مؤكداٍ أن هذه الأزمة من شأنها أن تكون حافزاٍ على الإسراع بعقد القمة الثقافية.. ويضيف سلماوي أن القمم تهتم بوضع استراتيجيات ومناقشة المشكلات المتعلقة بالحريات ونحن خصصنا بالفعل في الملف الذي أعددناه حول القمة وسلمناه إلى الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى جزءاٍ كبيراٍ يتعلق بالحريات وصعوبات تداول الكتاب حول العالم العربي. ويرى سلماوي أن مشكلات المنع والمصادرة التي يتعرض لها الكتاب العربي من حين لآخر ليست موجهة بالضرورة نحو ثقافة محددة فهي تأتي في إطار روتيني تعرفه المعارض العربية كافة ولا يمكن التعامل معه على أنه يهدد إقامة القمة الثقافية العربية.
غياب العقل النقدي
ومن أبرز المتحمسين لعقد هذه القمة المفكر والفيلسوف المعروف السيد ياسين الذي يرى أن من العلامات الإيجابية في الراهن العربي أن النخب السياسية والفكرية أدركت من واقع عديد من الممارسات السياسية والاجتماعية السلبية وأبرزها شيوع الفكر الديني المتطرف أن هناك أزمة ثقافية عربية من الضروري مواجهتها بجسارة. ويرى السيد ياسين الذي أعد لائحة بست محاور لتدور حولها مناقشات القمة الثقافية المرتقبة أن أبرز ملامح الأزمة الثقافية العربية يتمثل في غياب العقل النقدي العربي. ويضيف: سبقتنا أوروبا منذ قرون في صياغة هذا العقل منذ أن رفعت شعار الحداثة وأهمها أن العقل وليس تأويل النص الديني هو محك الحكم على الأشياء منذ أن أعلنت الثقافة الأوروبية ثورتها المعرفية ضد قيود التفكير وأرست مبادئ الشك الفلسفي الذي من تقاليده مساءلة كل الأفكار المسبقة وحتى المعتقدات الميتافيزيقية ثم إرساء قواعد التفكير النقدي. وتبدو أهمية العقل النقدي على وجه الخصوص في سياق ثورة المعلومات التي أدت إلى تدفقها في كل المجالات المعرفية مما يستدعي ضرورة وجود عقل نقدي قادر على تصنيف وتحليل هذه المعلومات وهو الوسيلة الوحيدة لتحويل المعلومات إلى معرفة لأن المعلومات بذاتها ليست معرفة.
شكوك وهواجس
في سياق الاستعداد للقمة الثقافية العربية المرتقبة تلقى رئيس اتحاد الناشرين العرب الدكتور محمد عبد اللطيف بياناٍ من رئيس اتحاد الناشرين السوريين محمد عدنان سالم يطالب تلك القمة بأن تتبنى قراراٍ توضع بمقتضاه اتفاقية تيسير انتقال الإنتاج الثقافي العربي موضع التطبيق بعد مرور أكثر من عشرين عاماٍ على إقرارها.
وفي مقابل الحماس المطلق هناك شكوك وهواجس.. وقد جاء على لسان الروائي إبراهيم أصلان: لم أطلع بعد على جدول أعمال هذه القمة المقترحة والرؤساء عادة يعقدون قمماٍ كثيرة يسبقها الاتفاق على جدول أعمال يحدد ما ستتم مناقشته. وأنا أود أن أتساءل هل ستعقد القمة المرتقبة للتباحث في ازدهار الرواية وتراجع القصة القصيرة أم انحسار النقد بمفهومه القديم حتى بات مهنة قاربت على الأفول أم ما هو متاح من حرية أمام الكْتِاب للتعبير عن رؤاهم والعمل من أجل ترسيخ الديموقراطية أولا حتى يمكن الوصول إلى هذا ا الهدف. هل سيتباحثون في أمر الحواجز الموضوعة أمام حركة الكتاب العربي واتخاذ قرار بإلغاء الجمارك التي تفرض على الأدوات الثقافية… هل سيتم النظر في مسألة المنع الذي يتعرض له الكتاب في كل بلد عربي وتحويل ساحة العرض في كل معرض للكتاب إلى ساحة للحرية فيتاح للمواطن أن يقتني أي كتاب بصرف النظر عن توافقه مع السلطة من عدمه. ليت يكون لنا دور في اقتراح جدول أعمال القمة المرتقبة لنتمنى على الرؤساء والملوك العرب بعض الأمنيات التي نثق في أنها لن تتحقق أبداٍ. أما الشاعر عبد المنعم رمضان فيقول : أنا لا أثق في القمم ثقافية كانت أو سياسية أو طارئة أو من أي نوع فهذه القمم لا تعني شيئاٍ فنحن مجموعة من الدويلات الصغيرة المهددة بالانقراض لذلك يسعى أفراد هذه الدويلات لعمل محاولات مستكينة تأتي في شكل قمم أو ما شابه ولكن فى النهاية لا فائدة منها.
ليتهم يعقدونها
ويقول القاص سعيد الكفراوي: أتصور أنه في ظل واقع ثقافي مأزوم على نحو يثير الأسى ويزدحم بالمعارك الصغيرة للمثقفين وتغيب فيه قيم الديموقراطية وحرية التعبير وكذلك وعبر كل السنوات لم نستطع من خلال هذا الواقع تحقيق ما يسمى أو ما يطلق عليه الدولة المدنية التي تقوم على الاختلاف وسيادة القانون والابتعاد عن التمسح بالدين وتكفير المختلفين. في هذا الواقع الذي تغيب فيه قيم الثقافة والفكر ويعيش المثقف بين مطرقة الارهاب وسلطة الدولة. في هذا الواقع القائم على الاحتمالات وغياب المستقبل علينا أن نأمل ونتمنى عقد قمة ثقافية للإجابة على العديد من الأسئلة ولعلنا نستطيع من خلالها أن نفعل شيئا فشلت في الأغلب الأعم عن تحقيقه السياسة. إن الدعوة لقمة ثقافية هي في حقيقة الأمر دعوة واعية وحكيمة ومدركة لعمق ما نعيشه في ذلك الواقع الذي يقوم على الكثير من القيم السلبية. لقد عقدت الكثير من القمم السياسية ومازال الواقع العربي العام يتسم بقلة القيمة. دعونا نعطي الفرصة لقمة ثقافية تعقد في أي عاصمة عربية وتكون اهتمامات هذه القمة مناقشة السياسات الثقافية العربية وتناول كافة نشاطات المؤسسات الثقافية من جمعيات واتحادات كتاب وبيوت للشعر وما تقدمه وهل هي جديرة بالأدوار التي تقوم بها من عدمه. أيضاٍ مناقشة ومعرفة وتقدير قيمة العلم والاحتفاء بأن نستخدم عقولنا في ما يجري حولنا ثم نناقش عبر وعي حقيقي حقوق المثقف في القيم المحروم منها والتي دفعته إلى الهامش قيم الحق والحرية وإشاعة الضمير. ليتهم يعقدونها ثقافية بعيداٍ عن ما هو سياسي فنحن لم نر من القمم السياسية طوال السنوات الفائتة إلا التخلف والخلافات بين الأنظمة ومن ثم رؤسائها.
إلغاء وزارات الثقافة
يقول الشاعر والروائي صبحي موسى: علينا أن نعترف بأن هذه فكرة جديدة ومبتكرة وأن العقل الذي فكر فيها عقل أديب جامح الخيال لأنه من الصعوبة بمكان الحديث عن وحدة ثقافية ونحن شعوب تفرقها كرة قدم أو زلة لسان وليس مدهشاٍ بالمرة أن نجد معارض الكتب العربية وقد تحولت إلى محاكم تفتيش أو مناطق فرض نفوذ وأن يحدث هذا في نفس العام الذي تمت فيه الدعوة لعقد قمة ثقافية عربية على غرار القمة السياسية التي تعقد دورياٍ واستثنائياٍ بلا جدوى تذكر لكن كي لا نكون ممن ينظرون إلى النصف الممتلئ من الكوب فإن هذه القمة يجب أن تتجه إلى قرارات عملية في مقدمتها إنهاء سرية المعلومات الخاصة بالشأن الثقافي فيكفي أن نقول أن بلدا بحجم وحضارة مصر لا يمكننا أن نعرف عدد الكتب التي تصدر فيها سنوياٍ ولا عدد الكتاب والشعراء والفنانين التشكيليين فيها ولا نستطيع أن نعرف كم عملاٍ مسرحياٍ نفذ خلال العام ولا كم مخرجاٍ وكاتباٍ مسرحياٍ لدينا رغم وجود جهات معنية بمثل هذه الأمور كهيئة الكتاب والمركز القومي للمسرح وغيرهما فما بالك بميزانيات الهيئات وكيفية إنفاقها وخططها المستقبلية وما يتحقق منها وإذا كان هذا في ما يخص مصر فما هو الحال في الصومال أو السودان أو موريتانيا ولذا فلو أن هذه القمة خرجت علينا بقرار ملزم يقضي بإلغاء وزارات الثقافة وتوجيه ميزانياتها لدعم الجمعيات الأهلية العاملة في الشأن الثقافي فإننا سننهي احتكار الدولة للثقافة والفكر وسنحرم أنصاف المواهب من التنطع على حساب دافعي الضرائب.
ويضيف صبحي موسى: أرى أيضاٍ ضرورة إنشاء مركز لتحقيق شتى المخطوطات وكتب التراث العربي ونشرها في ظرف خمس سنوات وأن يتم إصدار قرار بإتاحة حركة المبدعين العرب بين مختلف البلدان العربية وأن تتبنى جامعة الدول العربية خطة تعليم اللغات الأخرى لألف مبدع من المبدعين العرب سنوياٍ وأن يتم منح الحاصلين على هذه الدورة منحة دراسية لمدة عام كامل في أي من البلدان التي تعلموا لغتها ولا أعتقد أن بلداناٍ مثل ليبيا والجزائر والسعودية والكويت والبحرين والإمارات وقطر يعجزها توفير ميزانية لدعم هذه الخطة التي لا تستغرق سوى خمس سنوات كي يتوافر لدينا مبدعون قادرون على التواصل مع العالم.
(الصور من: أ.ش.أ)