حافظ مصطفى علي
(نزل من أمام عجلة القيادة واتجه ناحية الجعبة الخلفية للسيارة فاتحا اياها امام الجندي البريطاني المضرج بالعرق والوحل وبحركة عصبية طلب منه اغلاقها قادفا ببعض الكلمات السوقية وسامحا له بمواصلة السير متجها نحو سيارة اخرى. تنفس الجميع الصعداء وهم يرون نقطة التفتيش خلفنا – حينها كنت ابن الخامسة- ظللت صامتا طيلة مدة مكوثنا في نقطة التفتيش. (ربنا قادر على تخليصنا منهم ) قالها والدي بتمن ورجاء وبصوت واحد همست جدتي ووالدتي من المقعد الخلفي للسيارة ) :آمين). لم ازل اتفرس في وجوههم وسؤال لم استطع صياغته وطرحه عليهم باد على ملامحي هذا ما دفع والدي الى إيقاف السيارة وليحضنني بحزن وعطف. تذكرت كل ذلك – وقد بلغت اليوم الخمسين – والتوتر باد على وجهي ونجلي الاكبر بجانبي ننتظر دورنا امام نقطة التفتيش وفي المقعد الخلفي زوجتي ووالدتي وحفيدي ابن الخامسة اقتربنا من نقطة التفتيش واذا بأبني يعدل من مرآة السيارة مناديا صغيره الذي اختفى خلف المقعد متكورا على الفور نزلت من السيارة مستغلا توقفها هنيهة وقبل أن أفتح باب السيارة الخلفي لأكسر حدة خوف عهدتها من قبل اسرع نحوي أحد الجنود شاهرا بندقيته مزمجرا: (ارجع حيث كنت.. يا..!) امتثلت لأمره الأهوج وعند ارتطام ظهريبوسادة مقعد السيارة نظرت الى السماء والبحر ونحن نقترب من نقطة التفتيش في جولة كالتكس متنهدا ومتذكرا والدي – رحمة الله عليه- ودعوته على المستعمر الذي رحل وانتبهت على صوت (آمين) حينها أيقنت انني دعوت عليهم كدعوة والدي عندما كنت سارحا في الماضي بينما عدة دفعات آتية من الخلف على مقعدي يرسلها حفيدي المتكور تزداد قوة كلما اقتربنا من نقطة التفتيش. ) نشرت هذه القصة في احدى الصحف المحلية وكنت قد كتبتها فبل الوحدة ونشرتها بعدها وصلت القصة الى الاخ محافظ محافظة عدن أحمد محمد الكحلاني الذي كان تصرفه ديمقراطيا بعد ان ساد اعتقاد لدى بعض المحيطين به ان المغزى والمقصود من القصة هم حكام بعد الوحدة ! بادر احدهم مشكورا بمقابلتي يلومني على تصوير الجندي النصراني افضل في تعامله من الجندي اليمني المسلم وخاصة بعد الوحدة شكرته على اهتمامه واهتمام المحافظ بالقصة واوضحت له تاريخ كتابتها فبادرني بالقول لما لا توضح ذلك في العدد القادم¿ رفضت رايه واقنعته ان ظلم ذوي القربة اشذ وان السلاح الذي نال من اجسادنا بعد خروج المستعمر اكثر بغض النظر عن اليمني الجندي قبل الوحده او بعدها فقد كنا ومازلنا وسنظل يمنيين. ومع هذا فقد وصلت رسالتك ايها المحافظ المحترم وهذا الموقف أقنعني بمكسب الديمقراطية قولا وعملا وبهذا المنطق تعيش الاوطان وتتجاوز منطق التفتيش والتخوين..