قرأت مرة مقالة لكاتب من الهند يشكو فيها من أن الهنود تركوا الضحك منذ ألف عام وأن لعنة الهند في رأيه هي عدم فكاهتها ويشير إلى أن أحد رسامي الكاريكاتير الهنود الشهيرين ويدعى شنكار بلاي وكان صديقاٍ حميماٍ لجواهر لال نهرو تنبه في حينه إلى هذه الحالة من الجدية أو الحزن لدى شعبه فأصدر مجلة أسبوعية فكاهية بغرض إشاعة حالة من الفكاهة لدى بني قومه وتنمية روح النكتة لديهم غير أن هذه المجلة لسبب ما لم تصمد طويلاٍ وسرعان ما توقفت.
وقد يكون الكثير منا قد قرأ في الصحف منذ فترة ليست طويلة أن أحد الشعوب الأوروبية هو الشعب المجري شعب حزين بطبعه كما يقول الدارسون.
وتذكرت أني قرأت منذ سنوات الشيء نفسه عن أحد شعوب جمهوريات البلطيق هو شعب استونيا وجاء ذلك على لسان أحد الأدباء من تلك الجمهورية الصغيرة الجميلة.
الكاتب الهندي عزا سبب غياب الفكاهة لدى الهنود إلى بعض الاعتبارات التاريخية ومنها أن الديانة البوذية تحث على التطهر في هذا المجال وأورد قولاٍ يتساءل فيه: كيف يضحك إنسان يدري بشيخوخته وموته¿
أما الأديب الاستوني فقد عزا تلك الحالة من الحزن التي تلف شعبه الصغير إلى ضغط التوتاليتارية يوم كانت استونيا لاتزال في عداد الاتحاد السوفييتي المنحل.
بصرف النظر عن الأسباب والتأويلات فإن ذلك يدعونا للتساؤل هل هناك شعوب حزينة وأخرى مرحة قد يبدو السؤال مستهجنا بعض الشيء فالاعتقاد السائد هو أن الفرح والمرح أو الحزن والكآبة هما من الحالات الفردية الخاصة بكل إنسان بصرف النظر عن أصله أو جنسيته أو البلاد التي إليها ينتسب بيد أن الأمثلة المشار إليها أعلاه تثبت أو تلفت النظر على الأقل أن هذه الحالة النفسية قد تصبح جماعية.
هل العرب أمة حزينة أم مرحة¿
لن يوافق العاملون في حقل الانثروبولوجيا العرب منهم بخاصة على الحديث عن العرب هكذا بصفة إطلاقية سيقولون ادرسوا الحالات الخاصة لكل شعب ولكل منطقة وتعرفوا على الأسباب المختلفة والخصائص المختلفة لتعرفوا من من الشعوب العربية حزين ومن هو المرح ذو روح الدعابة والفكاهة.
يقال إن حس الفكاهة يعمل لإرضاء الرغبات المحرمة لإرضاء المكبوت والفكاهة ما هي إلا حيلة للتغلب على الموانع والعوائق والمحظورات ولو بصورة مؤقتة ولو لهنيهة حين يتاح للأفكار المكبوتة أن تعبر نفسها بشكل واع عن طريق الضحك أو السخرية أو النكتة.
ويقال أيضا إنه لدى الأطفال لايوجد حس الفكاهة لأن البراءة التي تغمر عالمهم وتصرفاتهم هي من الصفاء والنقاء بحيث أنهم لا يحتاجون للنكتة لتعويض أمر ما مفقود كما هو الحال بالنسبة للكبار وإن الأطفال ينمون حس الفكاهة كلما ابتعدوا بالتدريج عن براءتهم الأولى.
ولكننا مع ذلك لا نستطيع أن نغفل مثلا أن المصريين على سبيل المثال هم من بين أكثر الشعوب العربية ميلا للنكتة ولا نستطيع أن نغفل على سبيل المثال أيضا مقدار الحزن العميق والشعور الحاد بالألم في الأدب أو في الفن في العراق وقد عبر حيدر حيدر في روايته »وليمة لأعشاب البحر« من خلال حوارية ثنائية بين بطل الرواية العراقي الهارب إلى الجزائر وبين فتاته الجزائرية عن هذا الأمر بأبلغ ما يكون.
تقول الفتاة تاريخ العراق هو تاريخ الفقدان ويرد البطل مضيفا: مختلطا بالدم تقول الفتاة: تشعر وكأن الطبيعة تبكي مع الإنسان ويقول البطل مستطردا: لكأن الإنسان في مسرح اغريقي.
د. حسن مدن