حافظ مصطفى علي
كرة القدم واحدة من الميادين التي تخضع قوانينها للتجاذب بين العقل الإنساني الذي يدير ويحكم وبين قدرة التقنية على حسم القضايا الخلافية ولا يريد العقل الإنساني أن يتنازل عن قدرته في التحكيم كأن يتم اللجوء إلى (الكاميرا )في حالة الشك في (لمسة) يد أو مرور الكرة خط المرمى (بسنتيمترات) قليلة أم لا وغيرها من الالتباسات الإنسانيةفالآنية وقت الحدث ناهيك عن سرعة الحْكم لهذا يكثر الحديث عن أخطاء التحكيم الكروي وسط إصرار(فقهي وضعي) غريب من عدم الاستفادة من دقة التقنية !وهذا الأمر لا تنفرد به كرة القدم بل أيضا في ميدان القضاء ذي العلاقة بالفقه الشرعي في مسألة تحديد نسب الابن بدقة في حالة ادعاء الرجل على المرأة الزنا أو إرادة المرأة أن تثبت صحة بنوة ولدها لرجل ما إذ لا يسمح القاضي الشرعي في ديننا الإسلامي استخدام الفحص الطبي الذي يثبت أو ينفي بما لايدع مجالا للشك في فحص ال dna ومطابقتها مع صفات المولود الوراثية لا يقبل القاضي الشرعي الإسلامي اللجوء إلى مثل هكذا تأكيد – مثلما حدث في قضية أحمد الفيشاوي في القضاء المصري – ليقطع الشك باليقين شأنه في ذلك شان التحكيم في كرة القدم الذي لا يقطع الشك باليقين بواسطة التقنية في حالة الالتباس !قد نرى الحزن بل (الهيستيريا) في وجه الأنثى أو الرجل أو كابتن الفريق أو مدربه ولكنهم لا يستطيعون الطعن في القرارات التحكيمية أو القضائية من حيث الأخذ بأسباب التقنية الدامغة . ترى ما السبب في هذا المنطق اللامنطقي -إن جاز لنا التعبير- ¿ ربما يعود السبب إلى رفض العقل الإنساني أن يفقد البصيرة وكذا إلى الخوف من فضح أعراض الناس فقد تردد أن دولة أوروبية أرادت أن تبدأ علاج مواطنيها عن طريق الوقاية وذلك بفتح ملف لكل طفل يحتوي الملف على شريطه الجيني الوراثي إلا أن هذه المحاولة فشلت في مهدها بسبب عدم تطابق المادة الوراثية للطفل مع الأب في حالات متعددة الأمر الذي من شأنه إصابة الأسرة بمزيد من التفكك. ليس هذا فحسب فقد أخبرني صديق سرا بأن أحد العرب المقيمين في أميركا أراد أن يستضيف ولده الشاب فطْلب منه- بسبب تداعيات 11 سبتمبر- إرسال الdna الخاص بالولد فجاءت غير مطابقة فرْفض الطلب لأسباب أمنية ! لتشتعل في الأسرة نيران اجتماعية !أما بالنسبة لكرة القدم فقد زْود الحكام بجهاز محادثة مع مساعدي الخط للتأكد من صحة القرار قبل إطلاق الصافرة بشكل سريع ومباشرº حتى لايفقد الجمهور المتعة إذا ما انتظروا المحكمين على شاشة (الكاميرا) ليأتوا بالخبر اليقين بمعنى أن السبب الأساسي في حذر الإنسان من إقحام التقنية في حياته بشكل فج هو رغبته في حفاظه على نسيجه الاجتماعي المتفاعل وعلى اجتماعيته وعلاقاته الإنسانية ولو جاء ذلك على حساب الحقيقة كمفهوم مطلق كونها – أي الحقيقة- لها وظيفة أخلاقية في الحفاظ على التوازن القيمي والمصلحي بين الناس وأي (حقيقة ) فاقدة لوظيفتها تصبح كفرا!..
