منذ سنوات وأنا أرغب بالكتابة عن العلاقة بين القصة القصيرة والرواية تحديداٍ عن التفاوت في تقدير هذين الإبداعين وأحب بدايةٍ أن أعطي بعض الأمثلة:
أولاٍ: هناك عدد كبير من الناشرين لا يتحمسون أو يرفضون صراحةٍ طباعة مجموعة قصصية ويفضلون عليها الرواية ويكون قرارهم نهائياٍ وقطعياٍ ودون أن يكلفوا انفسهم قراءة الرواية أو المجموعة القصصية ولا يخطر ببالهم أن القصص القصيرة قد تكون ممتازة وعملاٍ إبداعياٍ بينما الرواية قد تكون هابطة ولا تتمتع بأية صفة إبداعية وبما أنني أكتب الرواية والقصة القصيرة كان لي – وككثيرين من الكتاب غيري – صدامات وإحباطات مع هؤلاء الناشرين الذين يفضلون الرواية على القصص القصيرة.
ثانياٍ: العديد من الكتاب خصوصاٍ الكتاب الشباب حديثي النشر يعتقدون بضرورة كتابتهم للرواية أيضاٍ وأن يوجهوا بوصلة إبداعهم قسراٍ لكتابة رواية وهم غالباٍ يمتثلون لنصائح الناشرين وبعض الكتاب والنقاد بألا يضيعوا وقتهم بكتابة نوع أدبي أدنى مستوى بكثير من الرواية وهو القصة القصيرة.
لذا نجد الكثير من الكتاب يْزورون ميلهم لكتابة القصة القصيرة أو يشوهونه وغالباٍ ما يسحقونه تماماٍ ويزجون بأنفسهم في كتابة رواية.
ثالثا: هناك اهتمام إعلامي وثقافي بالرواية أكثر بكثير من القصص القصيرة حتى الجوائز التي تعطى للروايات هي أهم وأكثر قيمة مادية ومعنوية من تلك التي تعطى للقصص القصيرة في الواقع هذا التفاوت في التقدير والقيمة بين الرواية والقصة القصيرة يؤلمني كثيراٍ لأنني أعتبر أن لا مراتب في الإبداع فالإبداع الحقيقي يأسر القارئ ويضيء عقله ويرتقي بأحاسيسه ومشاعره وليس مهماٍ شكل هذا الإبداع سواء كان قصة قصيرة أم رواية.
وبرأي الكثير من المبدعين فإن كتابة القصة القصيرة أصعب من كتابة الرواية لأنها تحتاج لتكثيف الحدث وكما يقول غابريل ماركيز بأن القصة القصيرة إما أن توجد أو لا توجد إما أن ينجح الكاتب في التقاط موقف ما وتجسيده بقصة تكون أشبه بومضة برق في ليل أو يفشل بينما الرواية تتحمل الكثير من التفاوت في المستوى الإبداعي لكاتبها فثمة صفحات تتألق فيها الرواية وصفحات تكون أقل تألقاٍ.. بمعنى آخر إن كتابة القصة القصيرة تتطلب مهارة عالية ومستوى إبداعياٍ عالياٍ أكثر من الرواية ويكفي أن نذكر أسماء مبدعين تركوا بصماتهم في كتابة القصة القصيرة مثل يوسف ادريس وإدغار آلان بو وكوليت الفرنسية وزكريا تامر كما أن عباقرة الرواية كتبوا قصصاٍ قصيرة مثل نجيب محفوظ وغابريل ماركيز وغيرهم.
د. هيفاء بيطار