حين يبلغ الجد مداه والسأم غايته يلجأ المرء إلى الفكاهة شعراٍ ونثراٍ ليجد فيها راحة قلبه وتسرية همه حيث تنقله إلى عالم آخر غير الذي كان فيه عالم يسوده المرح والدعابة فترتاح فيه نفسه ويسر به خاطره.
والفكاهة فن يجيده قليل من الناس يمتازون بروح مرحة وقدرة ذهنية عالية على اكتشاف تناقضات الواقع وتنويع مفارقاته وإظهارها في أشكال تعبيرية متعددة تأسر القلوب وتثير الضحك لدى القراء والمشاهدين.
هدفها التسلية والاستمتاع والنقد الإيجابي الذي يتناول جوانب اجتماعية متنوعة ويكشف هموم الناس ومعاناتهم.
عرف العرب الفكاهة كما عرفتها الأمم الأخرى وظهرت في تراثنا العربي كثير من الشخصيات الفكاهية »أشعب أبو أو دلامة هبنقة جحا أبو علقمة أو نواس« وألفت فيها كتب خاصة »البخلاء للجاحظ الموشى للوشاء لطائف اللطف للثعالبي أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي…« وحفلت بعض الكتب بكثير من الفكاهة »الحيوان للجاحظ الامتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي الأغاني للأصفهاني ثمرات الأوراق لابن حجة الحموي..« وتظهر الفكاهة نتيجة لما يمر به المجتمع من تحولات وما يوجد فيه من ممارسات تثير القلق والتوتر وعدم الرضا فتكون هي الوسيلة المثلى للتعبير باللمح والتلميح والسخرية واللذع والتهكم والدعابة والمزاح والنكتة والتورية والتصوير الساخر »الكاريكاتير« عن عمق التفكير وضحالته ورجاحة العقل وخفته وحكمة المرء وحماقته وخلل المجتمع ومشكلاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
جاء رجل إلى الشعبي رحمه الله فقال:إذا أردت أن استحم في نهر فهل أجعل وجهي تجاه القبلة أم عكسها¿ قال: بل باتجاه ثيابك حتى لا تسرق!
وقال له آخر: إني تزوجت امرأة ووجدتها عرجاء فهل لي أن أردها¿ قال: إن كنت تريد أن تسابق بها فردها!
وكان أعرابي قائماٍ يصلي فأخذ قوم يمدحونه ويصفونه بالصلاح وهو يسمع فقطع الصلاة وقال: وأنا مع هذا صائم!
د. علي الكبيسي