ها هي أفواج حجاج بيت الله الحرام تنطلق فوجا بعد فوج ملبية نداء الله تعالى وأذان إبراهيم بالحج.. وهو الركن الخامس من أركان الإسلام 23 . 000 حاج يمني تقريبا بذلوا الكثير من أجل تلك الرحلة إلا أن أضعافا مضاعفة من أبناء اليمن لم يبلغوا حد الاستطاعة لأداء هذا الركن العظيم ويكفي أن نعلم أن تكلفة هذه المرحلة للحاج الواحد ضمن المستوى الثالث »وهو أدنى مستوى« لحجاج البر يتجاوز 430 . 000 ريال يمني دون مصاريف الطعام والشراب والمصاريف الشخصية هناك.. ترى ما سر ارتفاع هذه الرسوم الإجبارية ومن المسؤول عنها¿!
حج أم سياحة¿
تصدر وزارة الأوقاف- كل عام- منشورا يحدد المبالغ المطلوبة من كل حاج مع بيان تفاصيل المبالغ المطلوبة..
وتتوزع الخيارات ضمن ثلاث مستويات »الأول والثاني والثالث«.. اخترنا تكاليف أدنى مستوى لحجاج البر وهو المستوى الثالث فوجدنا أن تكاليف السكن في مكة تتجاوز مبلغ 3800 ريال سعودي أي 217 . 000 ريال يمني.. علما بأن هذا المبلغ يدفع مقابل سرير واحد فقط في غرفة يسكن فيها مجموعة من الحجاج بنسبة 4 أمتار مربعة لكل حاج أي 2*2 متر…
أما سكن المدينة لمدة أربعة أيام فيبلغ380 ريالا سعوديا.. إلى ما يزيد على 21 . 000ريال يمني..
هناك بند أيضا تحت مسمى فارق أجور النقل بين المشاعر ومحدد بـ511 ريالاٍ سعودياٍ ويتجاوز 29 . 000 ريال يمني تقريبا.. أما أجور خدمات مكتب الوكلاء الموحد فيبلغ 594 ريالا سعوديا والذي يتجاوز الـ34 . 000 ريال يمني تقريبا..
القطاع الخاص
المسؤول الإعلامي في سفارة المملكة العربية السعودية بصنعاء الأخ عبدالله السلمي أكد لنا في اتصال هاتفي أن المملكة لا تتقاضى أي مقابل مادي لقاء الحج وجميع التأشيرات للحج مجانية إضافة إلى تكاليف اللجان الميدانية وغير الميدانية والتي تتولى الإشراف على الحج وإدارة خدماته جميعها لا تأخذ أي مقابل أو تفرض رسوما على الحجاج مقابل تلك الخدمات وجميع حقوق المشاركين في تلك اللجان تقدمها حكومة المملكة من الميزانية الخاصة بذلك..
أما بالنسبة لأجور السكن والنقل فهذه الرسوم لا علاقة لنا بها فهي تابعة للقطاع الخاص ووزارة الأوقاف في اليمن هي التي تتولى مسألة اختيار السكن وتوقيع العقود مع مالكي العمارات السكنية وشركات النقل..
الوزارة بريئة
الأخ نجيب النجار مدير عام الحج والعمرة بوزارة الأوقاف أكد لنا أن عمل الوزارة في الحج والعمرة لا يتجاوز الإشراف على الخدمات المقدمة من وكالات الحج ابتداء من الاستقبال والتوعية النسكية والمسلكية إلى خدمات المساكن بمكة والمدينة إضافة إلى خدمات المشاعر المقدسة من التصعيد والتسكين بالمخيمات والخدمات الصحية ورعاية الحجاج والاهتمام بتحقيق المقاصد الشرعية للحج »عبر التوعية« حتى عودة الحاج إلى أهله وإخوانه..
أما بالنسبة للرسوم فالوزارة تأخذ من كل حاج مبلغ مائتي ريال سعودي تقريبا وهو مبلغ لا يتجاوز 1٪ من كل ما هو مطلوب من كل حاج لأداء المناسك..
ويستخدم إجمالي هذا المبلغ في خدمة الحجاج سواء للمطبوعات المختلفة ومنها التوعوية والإرشادية أو المصاريف الإدارية وبدل السفر للجان المختلفة الضرورية لمتابعة وصول الخدمات للحجاج..
وحين تساءلنا عن ميزانية قطاع الحج والعمرة الذي يفترض أن تستخدم لإنجاح موسم الحج دون الحاجة إلى فرض الرسوم على الحجاج..أكد »النجار« أنه لا توجد ميزانية نهائيا لقطاع الحج والعمرة ما عدا مصاريف البعثة الرسمية وعن طريق المالية مباشرة والتي لا تغطي 1٪ من المصروفات الضرورية لسير أعمال القطاع سواء داخل البلاد أو في الأراضي المقدسة..
أما بالنسبة لتكاليف الحج فيؤكد »النجار« أن تلك التكاليف تختلف من عام لآخر بحسب العرض والطلب للسكن في مكة والمدينة وهي التي تأخذ النسبة الأكبر من التكاليف الإجمالية للحج..
ويضاف إلى ذلك تكاليف النقل ذهابا وعودة وحسب العرض والطلب كذلك.. أما بالنسبة لوزارة الأوقاف فلا تحصل سوى على المبالغ التي تستخدم في الإشراف على تنفيذ الخدمات والمتابعة والمراقبة والإعداد وغير ذلك من المصاريف الإدارية..
قدرات محدودة
زيارة بيت الله الحرام وأداء فريضة الحج أمنية يتمناها كل مسلم سواء كان مستطيعا أو غير مستطيع.. وغالبية الناس خارج حدود الاستطاعة فهل هناك أمل في تخفيض تكاليف الحج وإلغاء بعض الرسوم.. هل تستطيع وزارة الأوقاف القيام بذلك¿
يؤكد الأخ نجيب النجار أن ذلك بالنسبة لوزارة الأوقاف خارج الاستطاعة فيقول: تلتزم الدول بتوقيع محاضر مع السلطات السعودية بتوفير جميع الخدمات الأساسية للحجاج والمعتمرين ولا تملك الوزارة أن تخفض هذه التكاليف..
والحج لمن استطاع إليه سبيلا والاستطاعة الآن هي وجود المبالغ التي تغطي هذه النفقات إضافة إلى المصاريف الشخصية..
الرفق والرحمة
أما مشروعية هذه النفقات وارتفاع إيجار السكن والرؤية الدينية لها فيجيبنا عن ذلك الشيخ الدكتور عقيل بن زيد المقطري قائلا: أما السكن في مكة فأمر ضروري وليس صحيحا أن يبقى الحاج مفترشا للشوارع فهذا منظر غير مرضُ أبدا لكن ينبغي أن تستأجر الفنادق التي تناسب وضع الحجاج من الناحية المالية والله تعالى قد جعل مناط التكليف بالحج الاستطاعة قال تعالى »ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا« ومن جملة الاستطاعة توفر المال المطلوب لأداء الحج وهكذا أجور السكن والمواصلات والخيام في كل من منى وعرفات.. فهذه قضايا ألزمت الجهات الرسمية بها في المملكة كافة الحجاج لكن ما يحدث أحيانا أن الحجاج يدفعون أجور المواصلات ثم لا تأتيهم الباصات فمثل هذا الأمر يجب على الوكالات والوزارة أن تعمل على معالجته وأن تعاد المبالغ لأصحابها..
أما ارتفاع أجور السكن أثناء موسم الحج فهذا من جملة المنافع التي أباحها الله تعالى لعباده لكن ينبغي أن تظهر الرحمة بين المسلمين خاصة في تلك الأيام الفاضلات وإن من أفضل ما يتقرب به العبد إكرام ضيوف الرحمن ومن إكرامهم الرفق بهم في الإيجارات وغيرها.. لكن كثيرا من الناس أعماهم حب الدنيا عن الباقيات الصالحات فآثروا الفاني على الباقي والله المستعان ولاشك أنه كلما شحِت الفنادق ارتفعت الإيجارات وكلما كثرت انخفضت كذلك عندما يتم تحديد الفنادق من الدرجات العالية فإن ذلك يلزم الناس بدفع إيجارات مرتفعة..
أما بالنسبة لاستثمار القطاع الخاص في مجال النقل والمواصلات والسكن فإن ذلك من حيث الجواز جائز والله تعالى قال :»ليشهدوا منافع لهم« ومن جملة المنافع »المنافع المالية« لكن ينبغي الرفق والرحمة وعلى حكومة المملكة ووزارة الأوقاف أن تسن القوانين التي تنظم ذلك بحيث تكون الأجور معقولة..
واجب الحكومات
ويضيف المقطري: ولا شك أن وزارة الأوقاف في بلادنا معنية بتذليل كافة العقبات التي تعترض الحجاج وتشرف إشرافا كاملا على الوكالات وينبغي أن تجعل نسبة لأرباح هذه الوكالات وذلك من خلال المتابعة والاطلاع على كل الوثائق المتعلقة بالحج حتى لا يحصل ابتزاز على الحجاج.. فعلى حد علمي أن السكن الجماعي يكون أرخص من العرض المقدم خاصة والسكن في الغالب يكون بعيدا عن الحرم..
كما يجب أيضا على حكومة المملكة أن تعمل الضوابط التي تكفل للمستثمرين حقوقهم بالمعروف وتكفل الراحة للحجيج وعدم الإجحاف عليهم من قبل المستثمرين سواءٍ المطوفين أو أصحاب الفنادق لأن حكومة المملكة – في ما أعلم- لا تحصل على أي مردود من الحجيج فلا تستلم منهم أي رسوم..
جهود… ولكن
مما لاشك فيه أن الأشقاء في المملكة العربية السعودية يبذلون جهودا كبيرة لسير أداء الحج على أفضل ما يكون والحق يقال في ذلك ومن حصل له التوفيق بزيارة إلى مكة فإنه لا شك سيتعرف عن قرب على تلك الخدمات ولكن حال أكثر المسلمين يؤكد على أهمية العمل على تيسير الحج سواء في الخدمات أو النفقات المالية فأسعار السكن في مكة باهظة جدا ولا حرج في أن كل مستثمر يبحث عن أفضل الأرباح ولكن لابد أن نفرق بين السياحة »الكمالية« وحج البيت الذي هو ركن من أركان الإسلام.. فلماذا لا تعمل الحكومات الإسلامية عبر وزاراتها المختصة على التفاوض مع حكومة المملكة العربية السعودية للعمل على تخفيض أجور السكن والمواصلات إلى أقصى حد ممكن دون إجحاف بالمستثمرين أو الحجاج عملا بواجبها كجهات معنية بتسهيل السبل إلى بيت الله الحرام.. ولا يعني أن الحج لمن استطاع إليه سبيلا أن نعمل على رفع الرسوم ونقول للناس الحج لمن استطاع إليه سبيلا.. ولماذا لا تعمل حكومة المملكة – كبلد مضيف- على تعويض أصحاب العمارات وشركات نقل الحجاج وتتولى هي الإشراف على تلك المرافق وهي خير من سيقوم بخدمة الحجاج..
أخيرا
نتمنى لكل حاج حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا والعاقبة لنا جميعا في أن نحج إلى بيت الله الحرام وأن تكون السبل والنفقات ميسورة لكل مسلم وعلى من كان سببا في ذلك السلام..