علي الريمي
منذ أكثر من شهرين أظهر الموقع الإلكتروني الاستخباراتي المسمى »ويكيليكس« ومقره في العاصمة البريطانية لندن الكثير من الوثائق المْصنفة بأنها »سرية« للغاية حول الحرب الأميركية »الأطلسية« على أفغانستان وما تقوم به قوات الحلف الأطلسي في مناطق الحدود الباكستانية مع أفغانستان واحتوت تلك الوثائق على الكثير من التفاصيل (الدامية) لما ارتكبته القوات الأميركية وحلفاؤها في البلدين الجارين أفغانستان وباكستان منذ الغزو الأميركي لأفغانستان العام 2001م على أن الجانب الأميركي لم ينف ما تضمنته الوثائق (المسربة) عبر موقع (ويكيليكس) على الشبكة العنكبوتية أي أنه يْقر بصحة كل تلك الفظائع التي أوردتها الوثائق وبدلاٍ من القيام بواجبها في معالجة ما قام به جيشها من فضائح وصفت بجرائم الحرب إلا أن الإدارة الأميركية وعلى مختلف مستوياتها اكتفت بتحذير صاحب الموقع جوليان أسانج من الاستمرار في نشر المزيد من تلك الوثائق الدامغة التي تدين التصرفات الوحشية التي ارتكبها أفراد الجيش الأميركي خلال سنوات الاحتلال لذلك البلد (أفغانستان) وامتداد العنجهية الأميركية بممارساتها الدموية إلى باكستان المجاورة وعلل الأمريكيون تحذيرهم وتهديدهم للموقع وصاحبه بأن ما يقوم به (ويكيليكس) يعرض حياة الجنود الأميركيين وجنود الحلفاء للخطر!! في تجاهل حقير لقيمة وحياة أولئك الذين قتلوا جراء آلة الحرب الجهنمية وما صبته من حمم أودت بحياة مئات الآلاف في أفغانستان وبضع الآلاف في باكستان!! مضت زوبعة التسريبات الخطيرة التي نشرها ويكيليكس عما قامت به القوات الأميركية وحلفاؤها خصوصاٍ داخل الأراضي الباكستانية وربما كان لتعرض باكستان لكارثة الفيضانات دور في مرور ردود الأفعال التي كان متوقعاٍ حدوثها إزاء ما ورد من معلومات عن طبيعة الممارسات البشعة للقوات الأميركية والحلفاء في ذلك البلد المنكوب – حالياٍ – جراء ما ألحقته الكارثة الطبيعية التي تعرضت لها أجزاء واسعة من المدن الباكستانية والمنكوبة قبل ذلك بتداعيات ما يسمى (الحرب على الإرهاب)! وما إن هدأت عاصفة (ويكيليكس) التسريبة (غير البريئة) عن بعض خبايا تلك الحرب في باكستان وأفغانستان! فجِر الموقع – المذكور – الجمعة الماضية قنبلة مدوية عندما وضع قرابة الـ»400« ألف وثيقة »سرية« تحكي عن تفاصيل مرعبة قام بها الجيش الأميركي في العراق منذ غزوه عام 2003م! على أن أهم ما جاء في تلك الوثائق تضمن معلومات رهيبة لبعض ما قام به الجنود الأميركيون في بلاد الرافدين ضد أبناء العراق مثل »التعذيب البشع القتل المتعمد للمدنيين« بل أن الموقع وصف تلك الممارسات بأنها تتدرج ضمن الإبادة الجماعية وحتى هذا الوصف لم يثر الإدارة الأميركية التي اكتفت بالتعليق أن الوثائق »المْسربة« لم تأت بجديد¿! كل ما ورد فيها »الوثائق« صحيح 100٪ والدليل أن أميركا تصنف تلك الوثائق بأنها سرية للغاية وتريد أن تبقى كذلك¿ إلى الوقت الذي تراه الإدارة الأميركية مناسباٍ!!
وفي المقابل رد الناطق باسم الخارجية العراقية كامل الأمين على ما نشره موقع ويكيليكس الجمعة الماضية: لم يأت بأي مفاجأة وهو ما يعني أن الحكومة العراقية ورئيسها المنتهية ولايته نوري المالكي كانوا على علم بكل الممارسات اللا إنسانية ضد مواطنيهم بل أن الوثائق أوردت ما يؤكد تورط المالكي شخصياٍ في بعض الانتهاكات ضد الأسرى والمعتقلين كما أن إيران كانت متواجدة في ذلك المسلسل الدموي التدميري من خلال فرق الموت والعمل على إذكاء العوامل الطائفية المريعة وكل تلك الأدوار التي تناوب على القيام بها ضد الإنسان العراقي المغلوب على أمره.. إضافة إلى أن تدمير البنية التحتية للبلد تم على مرأى ومسمع جيش الاحتلال الأميركي وهو ما أكده المتحدث الرسمي باسم الجيش الأميريكي الجنرال ديف بان الذي رفض كْلياٍ الإفصاح عن وجود أي نية لدى قيادة الجيش أو غيره لفتح أي تحقيق في الانتهاكات التي وردت في الوثائق »المصنفة« أميركياٍ بـ»السرية للغاية« وأكد ديف بان أن دور قواته كان يتمثل في المراقبة فقط للدور الذي تولت قوات الأمن العراقية القيام به »من تعذيب وقتل.. إلخ«.
ويضيف المتحدث باسم الجيش الأميركي: أن دورنا بعد المراقبة كان القيام برفع التقارير عما نشاهده إلى المسؤولين!.
من غير المعقول أن تكون الوثائق السرية الخطيرة التي نشرها موقع ويكيليكس على الانترنت قد وصلت إلى إدارة الموقع دون علم البنتاجون »وزارة الدفاع«! ومن المستحيل أن تقبل الوزارة.. أو الإدارة الأميركية بأي شيء يْنشر بأي طريقة إذا لم يكن الطرفان – فعلاٍ – راضيين عن النشر ولو بطريقة »التسريب المريب« للحصول على مقابل! وفي السيناريو العراقي في اعتقادي – أن الإدارة الأميركية سعت ومن خلال ويكيليكس لايصال رسالة عاجلة للفرقاء العراقيين بأن عليهم سرعة حسم موضوع تشكيل الحكومة الجديدة والتوافق على رأيها.. مالم فإن المسلسل التسريبي سيستمر خصوصاٍ بعد مضي سبعة أشهر على إجراء الانتخابات العراقية لكن أطراف اللعبة السياسية هناك ذهبوا في اتجاهات مختلفة ومتباعدة. ولأن أميركا تريد سحب قواتها المقاتلة فلا بد أن يتم ذلك الانسحاب في ظل وجود حكومة عراقية مقبولة شعبياٍ تؤدي مهامها في خدمة كل العراقيين وتوفر لهم كل احتياجاتهم وعلى رأسها الحاجة المْلحة جداٍ وهي بسط الأمن والأستقرار في ربوع العراق ووقف نزيف الدم المتواصل منذ الغزو الأميركي للبلد في عام 2003م¿
آخر السطور
أمام كل ذلك العدد الرهيب من الوثائق المْسربة عن خبايا وخفايا الحرب على العراق وما حملته من تفاصيل مروعة يندى لها جبين الإنسانية!!
ما رأي محكمة جرائم الحرب الدولية والمدعي العام فيها »لويس أوكلومبو«¿¿
ثم ما موقف المحكمة والمجتمع الدولي مما ورد في مضمون تلك الوثائق الصحيحة خصوصاٍ إذا ما علمنا بأن أميركا ليست من الدول الموقعة على قانون إنشاء هذه المحكمة وبالتالي فلن يكون بوسعها »المحكمة« القيام بأي إجراء ضد أميركا – هذا في حال العراق – أيضاٍ ليس موقعاٍ هو الآخر مما يعني استحالة ملاحقة أي مسؤول عراقي مهما كان موقعه بتهمة ارتكاب جرائم حرب أو إبادة جماعية.