أحلام مستغانمي
خبر صغير أيقظ أوجاعي… لا شيء عدا أن الهند تخطط لزيادة علمائها وأعدِت خطة طموحاٍ لبناء قاعدة من العلماء والباحثين لمواكبة دول مثل الصين وكوريا الجنوبية في مجال الأبحاث الحديثة.
لم أفهم كيف أن بلداٍ يعيش أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر الúمْدúقع يتسنى له رصد مبالغ كبيرة ووضع آلية جديدة للتمويل بهدف جمع أكبر عدد من العلماء الموهوبين من خلال منح دراسية رْصدِت لها اعتمادات إضافية من وزارة العلوم والتكنولوجيا بينما لا نملك نحن برغم ثرواتنا المادية والبشرية وزارة عربية تعمل لهذه الغاية (عِدِا تلك التي تْوظف التكنولوجيا لرصد أنفاسنا) أو على الأقل مؤسسة ناشطة داخل الجامعة العربية تتولى متابعة شؤون العلماء العرب ومساندتهم لمقاومة إغراءات الهجرة وحمايتهم في محنة إبادتهم الجديدة على يد صْنِاع الخراب الكبير.
أي أوطان هذه التي لا تتبارى سوى في الإنفاق على المهرجانات ولا تعرف الإغداق إلا على المطربات فتسخو عليهن في ليلة واحدة بما لا يمكن لعالم عربي أن يكسبه لو قضى عمره في البحث والاجتهاد¿
ما عادت المأساة في كون مؤخرة روبي تعني العرب وتشغلهم أكثر من مْقدمة ابن خلدون بل في كون اللحم الرخيص المعروض للفرجة على الفضائيات أي قطعة فيه من “السيليكون” أغلى من أي عقل من العقول العربية المهددة اليوم بالإبادة.
إن كانت الفضائيات قادرة على صناعة “النجوم” بين ليلة وضحاها وتحويل حلم ملايين الشباب العربي إلى أن يصبحوا مغنين ليس أكثر فكم يلزم الأوطان من زمن ومن قْدرات لصناعة عالم¿
وكم علينا أن نعيش لنرى حلمنا بالتفوق العلمي يتحقق¿
ذلك أن إهمالنا البحث العلمي واحتقارنا علماءنا وتفريطنا فيهم هي من بعض أسباب احتقار العالم لنا.
وكم كان صادقاٍ عمر بن عبدالعزيز (رضي الله عنه) حين قال: “إنú استطعت فكن عالماٍ. فإنú لم تستطع فكن مْتعلماٍ. فإنú لم تستطع فأحبهم فإنú لم تستطع فلا تبغضهم”. فما توقِع أن يأتي يوم نْنكل فيه بعلمائنا ونْسلمهم فريسة سهلة إلى أعدائنا ولا أن تْحرق مكتبات علمية بأكملها في العراق أثناء انهماكنا في متابعة “تلفزيون الواقع” ولا أن يغادر مئات العلماء العراقيين الحياة في تصفيات جسدية مْنظِمة في غفلِة منا لتصادف ذلك مع انشغال الأمة بالتصويت على التصفيات النهائية لمطربي الغد.
تريدون أرقاماٍ تفسد مزاجكم وتمنعكم من النوم¿
في حملة مقايضة النفوس والرؤوس قررت واشنطن رصد ميزانية مبدئية تبلغ 160 مليون دولار لتشغيل علماء برامج التسلْح العراقية السابقين خوفاٍ من هربهم للعمل في دول أْخرى وكدفعة أْولى غادر أكثر من ألف خبير وأستاذ نحو أوروبا وكندا والولايات المتحدة.
كثير من العلماء فضلوا الهجرة بعد أن وجدوا أنفسهم عزلاٍ في مواجهة “الموساد” التي راحت تصطادهم حسب الأغنية العراقية “صيد الحمِام”. فقد جاء في التقارير أن قوات “كوماندوز” إسرائيلية تضم أكثر من مئة وخمسين عنصراٍ دخلت أراضي العراق بهدف اغتيال الكفاءات المتميزة هناك.
وليس الأمر سراٍ مادامت مجلة “بروسبكت” الأميركية هي التي تطوِعت بنشره في مقالُ يؤكد وجود مخطط واسع ترعاه أجهزة داخل البنتاغون وداخل( سي آي إي) بالتعاون مع أجهزة مخابرات إقليمية لاستهداف علماء العراق.
وقد حددت المخابرات الأميركية قائمة تضم 800 اسم لعلماء عراقيين وعرب من العاملين في المجال النووي والهندسة والإنتاج الحربي. وقد بلغ عدد العلماء الذين تمت تصفيتهم وفق هذه الخطة أكثر من 251 عالماٍ. أما مجلة “نيوزويك” فقد أشارت إلى البدء باستهداف الأطباء عبر الاغتيالات والخطف والترويع والترهيب. فقد قْتل في سنة 2005 وحدها سبعون طبيباٍ.
العمليات مْرشِحة حتماٍ للتصاعْد خصوصاٍ بعد نجاح عالم الصواريخ العراقي مظهر صادق التميمي في الإفلات من كمين مْسلح نْصبِ له في بغداد وتمكنه من اللجوء إلى إيران. غير أن سبعة من العلماء المتخصصين في “قسم إسرائيل” والشؤون التكنولوجية العسكرية الإسرائيلية تم اغتيالهم ليْضافوا إلى قائمة طويلة من العلماء ذوي الكفاءات العلمية النادرة أمثال الدكتورة عبير أحمد عباس التي اكتشفت علاجاٍ لوباء الالتهاب الرئوي ” سارس” والدكتور العلامة أحمد عبدالجواد أستاذ الهندسة وصاحب أكثر من خمسمئة اختراع والدكتور جمال حمدان الذي كان على وشك إنجاز موسوعته الضخمة عن الصهيونية وبني إسرائيل.
أجل خسرنا كلِ هذه العقول… ولكن البركة بـ”بالسيليكون”!..