عرض/ نيزان توفيق
كتاب »الأدباء في بيوتهم« لمؤلفته فرانسيسكا بريمولي – دروليدز تصوير إريكالينارد وترجمة رجاء ملاح هو أشبه بالخيال أو الفنتازيا الأدبية التي يكتبها أحياناٍ بعض كتابنا العرب لتلك القصور والبيوت التي بلغ عدد حجرات بعضها بعدد أيام السنة. والكتاب فضلاٍ عن أهميته الأدبية التي يسرد فيها جانباٍ من حياة الكتاب العالميين ويسرد مؤلفاتهم هو تاريخ أدبي لتلك الكتابات.
وها هو صاحب رواية »الجوع« الشهيرة والحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1920 الكاتب الدنماركي كينيت هامسون يعود إلى المنزل الذي شيده بعد أن أمضى ردحاٍ من الزمن في السجن والمصح ودار العجزة ليكتب فيه آخر رواياته وهو في التسعين من عمره وليلفظ أنفاسه الأخيرة وهو يلقي نظراته الأخيرة على الأشجار التي زرعها في حديقة منزله وهو ينظر في عيني زوجته ليودع الطبيعة التي عشقها.
كان يحلم بأرض في منطقة ما قرب البمر بيت كبير محاط بالماء ومضاء بالكهرباء وفي أشجار كثيرة وحقول واسعة. فكان له ما تمنى حيث وجد حلمه سنة 1918 في منطقة شمال أوسلو قرب ليلساند فقال »سيكون هذا بيتنا للحياة أنا وزوجتي وأطفالي«. هنا كان يكتب في جو هادئ وكأنه في صلاة. كان مكتبه عبارة عن طاولة بسيطة يجلس إليها وينظر من النافذة يتأمل الغاب. يقول: »لا أعرف من أين يأتيني الإلهام لا أعمل شيئاٍ محدداٍ كي أوقد إلهامي ربما بحلم أو بجملة في جريدة أو نوتة موسيقى بيانو أو ضحكة طفل«.
إرنست همنغواي
أما أشهر كْتاب الأرض قاطبة الروائي الأميركي الشهير »إرنست همنغواي« فقد اختار منطقة »كي ويست« لإقامته. وبدأت قصة هذا المنزل في أبريل 1928 عندما وقع نظر إرنست على هذه المنطقة من باخرة تعبر عباب البحر آتية من هافانا بعد جولة طويلة أقلِته من أوروبا. العثور على مكان يستوحي منه الكتابة ويكرس فيه حياته للكتابة فوجد ذلك في قرية »كي ويست« في الولايات المتحدة.
كان هيمنغواي يستيقظ في الساعة السادسة صباحاٍ ويلجأ إلى غرفة عمله ليكتب قائلاٍ: »عندما تتوقف عن الكتابة تشعر بأنك مفرغ ومرتاح في الوقت ذاته كأنك مع امرأة تحبها«.
وفي مكتبه كان هيمنغواي يفضل الكتابة واقفاٍ كان يقول: »الكتابة وأنا واقف تساعدني على فقدان السمنة. إضافة إلى ذلك فالكتابة في هذه الوضعية تمنحني الحيوية.
جان كوكتو
»إنني أسكن هذا البيت وكل شيء هنا مسكون بروحي« هكذا قال الشاعر الفرنسي الشهير جان كوكتو عن منزله الذي يقع بجوار كنيسة »سان بلازليسامبل« والذي يطلق عليه اسم »ميلي لا فوريه«.
فهناك استقر منذ عام 1947م
حين زار جان كوكتو هذا المنزل لأول مرة في ربيع سنة 1947 أعجب به كثيراٍ وانجذب إليه: »مثل كل المتسكعين كان لدي هوس الاستقرار والملكية وأنا أحب أن أسكن بمنزل في القرية«. هكذا كتب في كتابه »صعوبة الوجود«.. لكن الشاعر لم يكن يستطيع المكوث في المكان نفسه طويلاٍ كان يحب السفر بنفس القدر الذي يحب به الكتابة.. هكذا ومنذ سنة 1950 ها هو بيته الجديد يؤويه.
في مذكراته الشخصية التي كتبها سنة 1943 كان قد تحدث عن الموت وقال: »إن فكرة الموت لا تزعجني فهي بالنسبة إليِ كما لو أنني أذهب إلى المدينة لتلبية دعوة عشاء تروق لي«.
وفي ذلك اليوم من أكتوبر 1963 وسط هدوء منزل ميللي أبى إلاِ أن يلبي دعوة عشاء أخير في المدينة ويرحل عنا.
عندليب التجوال
لم يكن لورانس دوريل ينتمي إلى مكان معين لأنه كان عندليب التجوال والترحال في الهند الذي ولد بها عام 1912م من عائلة انكليزية استقرت هناك منذ أجيال عديدة راح يتجول عابراٍ القارات والمحيطات من أجل الالتحاق ببلد أجداده فمن الهند إلى بريطانيا إلى اليونان وجنوب فرنسا فالقاهرة فالاسكندرية ثم إلى أميركا.
يقول لورنس: »قطعت حياتي هائماٍ مثل شخصيات كتبي« إلى أن اختار منزله الذي استقر به منذ عام 1965م وحتى وفاته في نوفمبر 1990م.. ففي جنوب فرنسا بدأ يبحث عن ضالته المنشودة لأول مرة أي البيت الذي يستقر فيه وذات يوم من أيام 1965م اكتشفت زوجته كلودفانسدان ذات الجذور الاسكندرانية منزلاٍ كبيراٍ غرب مدينة »ينم« التي أحبها وهو بيت بديع يحيط به جدار حجري وتتخلله حديقة كبيرة بأشجار كثيفة ومتنوعة ويحتوي على حجرات كبيرة بالدور الأرضي وله شرفة مريحة تؤدي إلى حديقة كثيفة الزرع جعل منها الكاتب مكتباٍ ومرسماٍ له. وظل يحب منطقته ومنزله ومسبحه الذي شيده في عمق الحديقة بعيداٍ عن الأعين وانعمس الكاتب في الكتابة وممارسة اليوغا باحثاٍ عن الحكمة المتوخاة من تجارب حياته وتأملاته في فكرة الموت في الشرق والغرب. وقد تعلم من معلم صيني التأملات في اللذة الجسدية والفكرية.
وليم فولكنر
ولد الكاتب الأميركي الشهير وليم فولكنر عام 1897م بمنطقة نيو ألباني التابعة لأوكسفورد وكان يقول عنها: »إنها بلدي مسقط رأسي التي أحبها على الرغم من كل سيئاتها«. وبرغم مغادرة فولكنر في عشرينيات القرن العشرين 1920م لاكتشاف أورليون الجديدة إلا أنه سرعان ما عاد لبلده يقول: »كنت أفضل أن أبقى في منزلي في مطبخي مع عائلتي من حولي ويداي تداعب أوراق اللعب«.
لمع اسم فولكنر بعد فوزه بجائزة نوبل للآداب عام 1949م. وفي عام 1950م كتب إلى أحد الأصدقاء يقول: »لدي من المال ما يكفي الآن لكي أنهي ترتيبات المنزل سوف أضيف إليه مرافق أخرى مثل حمام آخر غرفة نوم أخرى وأضع فيها أجهزة التدفئة وأعيد طلاءه بالكامل«. وهناك انطفأت شمعة حياته في عام 1962م في مستشفى بجوار أوكسفورد ليترك منزله صامتاٍ بكل ظلاله وأسراره.
جان جيونو
أما الكاتب الفرنسي جان جيونو فقد اشترى بيته بإيرادات روايته الأولى »الرابية« 1927م ولد في مانوسك في الألب الأسفل في عام 1895م. كتب من العام 1928م وحتى عام 1965م كل رواياته ويعدونه في الغرب من أكبر شعراء النثر.
ويقول: »ولدت في مانوسك ولم أرحل عنها أبداٍ إن سحر هذه المدينة لا يستنفد أبداٍ لقد أحببت المدينة وجبالها ووديانها وهندسة بيوتها الطينية«.
وتوفى في نوفمبر من عام 1970م في المنزل ذاته وهو شيء استثنائي وعلى الخصوص في فرنسا أن يْمضي الكاتب كل حياته في منزل واحد.
كارين بليكسون
عاشت الكاتبة الدنماركية كارين بليكسون في بيت بسيط وطراز عتيق يوحي بالسكينة والأصالة وشهد ميلاد وموت الكاتبة في البيت القديم اختارت مكتبة في الطابق الأرضي لتختلي فيها من أجل الكتابة والتأمل وكانت تجلس لساعات طويلة أمام الآلة الكتابة. كانت طريقة عملها صارمة تكتب ببطء وتختار كلماتها بعناية كبيرة وبلغة نقية ورفيعة.
وعندما داهمها المرض كان بيتها شاهداٍ على قسوة المرض وجبروته وكانت تضطجع أرضاٍ وتتلوى ألماٍ وهي تتلو نصوصها على سكرتيرتها الوفية.
ونعود إلى الكتاب الذي مازالت شخصياته تتوالى أمامنا. وكل كاتب فيه يمثل حكاية أما أصل الموضوع فهو منزل ذات الكاتب كيف اشتراه وعاش فيه¿ وأين كان يكتب¿ وما هي عاداته وأحواله في الكتابة¿..