الأحلام الكبرى صيغت دائما في شعارات صحيح أن الفكرة هي دائما أعمق وأكبر وأوسع من الشعار ولكن الشعار يختزل هذه الفكرة الحلم في كلمات والمسافة بين الشعار والواقع هي دائما شاسعة لأن الشعار قرين الحلم والمؤمل أما الواقع فاسمه يشي بمحتواه أنه واقع فحسب أي أنه نقيض الحلم أو بديله في الشعار دائما شيء من الفنتازيا شيء من المستحيل لذلك لا يوجد كبير غرابة في أن كثيرا من الشعارات التي وضعتها البشرية نصب عينيها في مراحل وحقب زمنية مختلفة ماتزال ماثلة حتى وإن تجلت- أي الشعارات- في صيغ وصور جديدة.
ولكن عندما نقول الشعار فإننا- بوعي أو بدون وعي- نعني السياسي أما حين نقول الحلم فإننا نكاد ننسبه إلى المخيلة كأننا نقول أن رفع الشعارات هي مهمة السياسيين أو المشتغلين بالسياسة أما صياغة الأحلام والأمال الكبرى فهي مهمة الشعراء والفلاسفة والفنانين والمبدعين عامة وإذا ظلت فكرة الحلم مصانة أو مهابة أو موضع تقدير حتى من قبل غير الحالمين فإن فكرة الشعارات تدنست بأدران السياسة والسياسة بشكل عام جلبت خيبات كبيرة للحالمين وفي المراحل التي التبست فيها السياسة بالحلم كاد أن يساء للحلم نفسه وأن يماهى بالسياسة رغم الفارق الجوهري بين الأمرين وغالبا ما ينظر بازدراء إلى شعارات السياسيين ووعودهم لأن ما يمارسونه كثيرا ما يأتي مناقضا لما يعدون به أو يبشرون.
أحد الكتاب ميز بين ما وصفه خطاب الرأي وخطاب الرأي وخطاب الفكر فإنه إذ يعتبر الثاني »هو خطاب السؤال« خطاب الحركة والترحال فإن خطاب الرأي برأيه هو خطاب الشعارات والعبارات المكررة خطاب التدوين والذاكرة ولو بسطنا هذه الفكرة بعض الشيء لوجدنا أن في أساس هذا الهجاء لخطاب الرأي هو ما لحق بالشعار نفسه من ابتذال وتسطيح وتفريغ من المحتوى حين أضحت الشعارية بديلا للدراسة والتحليل والتمحيص والاستخلاص فكان يكفي إطلاق الشعار الناري ليصبح صاحبه مطمئنا إلى سلامة ما يظنه سليما لأن الشعار الذي يمكن أن يكون حاشدا للرأي العام حول قضية عادلة كبرى في منعطفات تاريخية كبرى »مثلا في بارس 1968 وطهران 1979 واندونيسيا 1998م يمكن أن يتحول في فترات تاريخية مختلفة جذريا إلى أداة جمود ويحول الجمهرة الواسعة من المؤيدين من أذهان متقدة وإرادات قوية إلى مجرد »إمعات«!
د. حسن مدن