خاص بـ»الوحدة« من القاهرة
تحقيق: رفعت حسن
ارتبط عيدا الفطر والأضحى دائما لدى الأطفال في مصر بالعيديةوصارت العيدية لاستمرارها غير المنقطع لازمة من لزوميات العيدينمثل الكعك والأضحية والملابس الجديدة إن لم يكن أكثر منهماوإذا كان الآباء والأمهات على اختلاف درجاتهم من الغنى أوالفقر يحرصون عليها لإدخال البهجة والسرور إلى نفوس أطفالهمفإن الفقراء منهم أحرص عليها لآنها قد تكون الشىء الذي يستطيعون تقديمه الى أطفالهمبعد أن تسبب ضيق ذات اليد في عدم إعداد الكعك أو نحر الأضحية أو توفير ملابس جديدة لفلذات أكبادهم.
رشوة
والعيدية تأريخا تعود الى زمن غزو الفاطميين لمصرفروي عن المعز لدين الله الفاطمي عند دخوله الى مصربعد فتحها على يد جوهر الصقلي أنه وجد المصريين بين جدل ونقاش بين مؤيد ومشكك في صحة نسبه إلى البيت النبوي كما كان يزعمفوقف وسط الناس وهو يلوح بسيفه قائلاٍ: “هذا نسبي”ثم أعقب ذلك بإخراج بعض قطع الذهب ونثرها على رؤوس الناس وقال : “وهذا حسبي”.
وحرص الفاطميون على توزيع “العيدية” مع كسوة العيد فضلاٍ عما كان يوزع على الفقهاء والمقرئين بمناسبة ختم القرآن ليلة العيد من الدراهم الفضيةوعندما كان الرعية يذهبون إلى قصر الخليفة الفاطمي صباح يوم العيد للتهنئة كان الخليفة ينثر عليهم الدراهم والدنانير الذهبية من منظرته بأعلى أحد أبواب قصر الخلافة.
وبالتالي ارتبطت العيدية عند ظهورها بالرشوة المقنعةوصارت الدولة الفاطمية توزعها خلال عيد الفطر وعيد الأضحى لمستخدميها من أرباب الوظائف المختلفة وعرفت العيدية بـ”الرسوم” في أضابير دواوين الدولةويطلق عليها “التوسعة” في وثائق الوقف الفاطمية والمملوكية كما يقول باحثون متخصصون في تاريخ مصر الحديث.
العيدية للماليك
وبزوال دولة الفاطميين توقف الحكام المماليك في عهد دول المماليك التي تعاقبت بعد ذلك عن صرف العيدية لأرباب الوظائف المدنيةواكتفوا بصرفها للجنود المماليك خاصة في عيد الأضحىوكثيراٍ ما تعرض بعض السلاطين لاعتداءات الجنود المماليك بسبب قلة أو تأخر نفقة العيد وربما أدى تذمر المماليك إلى عزل السلطان عند عجزه عن دفع العيدية.
أما النقود التي كانت تصرف بها العيدية فكانت ثلاثة أنواع هي:الدنانير الذهبية والدراهم الفضية والفلوس النحاسيةوكان الفاطميون يضربون دنانيراٍ خاصة بغرة العام الهجري تعرف بدنانير “الغرة” ويضربون أيضاٍ قطعاٍ ذهبية تعرف بالخراريب جمع خروبة والخروبة تساوي 192 جراماٍ وكانت الخراريب توزع على موظفي الدولة والأمراء في الأعياد كل حسب مكانته.
حق عمالي
ودالت الدول وتبدلت أنظمة الحكم التي تعاقبت على مصر وتنوعت مسميات العملات على مدى العصور حتى كاد يصعب حصرها خاصة في زمن الدولة العثمانية ومع أنظمة الحكم الحديثة صارت العيدية تمنحها الحكومة حاليا نقودا تعادل نصف أو راتب شهر لموظفيها للمسلمين والمسيحين على حد سواء غير أنها صارت حقا من حقوق الموظفين لا تدخل في باب الرشوة وصارت الشركات والمؤسسات الخاصة والمصانع أيضا تمنح العيدية وكعك العيد لعمالها أيضا غير أن كل هذا لم يكن كافياٍ لينسى الناس عيدية الفاطميين الذين أرسوا قواعدها وأصبحت عادة مصرية صميمة يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد.
ومع اقتراب العيد يزحف المصريون نحو البنك المركزي بوسط العاصمة لتغيير النقود القديمة بمثيلاتها الجديدة لتوزيعها كعادتهم كل عام عيدية على الأطفال في أيام العيد المباركويحمل كل منهم في يده النقود التي يتطلع إلى تغييرها ليدخل السرور على أطفال أسرته وأقاربه وجيرانه.
وتعد فئة العشرة والخمسة جنيهات والجنيه الواحد الورقي وليس المعدني وربع الجنيه الورقي هي الأكثر إقبالا من الراغبين في تغيير عملاتهم..