ثم ما هي حكاية التنظيم السري الذي تكون عقب سقوط النظام الإمامي في 26 سبتمبر 1962م وسعيه المستميت منذ ذلك الحين إلى إعادة الإمامة واستغلال أعضاء هذا التنظيم لمساحة الحرية ومناخ الديمقراطية السائد في البلد في تجنيد المزيد من الأعضاء – علمياٍ ولوجستياٍ – بالتحالف مع جهات خارجية من أجل التآمر على مبادئ الثورة والجمهورية والوحدة الوطنية¿!!
في البدء يقول الدكتور المهدي الحرازي أستاذ الفقه المقارن بجامعة صنعاء: لقد قرأنا واطلعنا من آبائنا وأجدادنا أنه لم يكن هنالك أي رغبة أو نية من قبل النظام الملكي الإمامي في التعاطي مع أبجديات دولة عصرية تتعاطى مع المؤسسات أو حتى جذور المؤسسية وبالتالي عاشت اليمن في سويداء تخلف ريب وظلام دامس ومن هذا المنطلق فغياب الدولة العصرية من الطبيعي أن يتبعه غياب تام للمشروع الوطني ويعود ذلك إلى إغلاق منافذ وأبواب التعليم وهذا الانغلاق بدوره عزل اليمن داخل سراديب التخلف والذي يعني أن لا تعرف ما عند الآخرين وأن لا تستفيد مما لديهم من خبرات وإمكانيات.. وهنا أريد أن أشير أنه لم يكن مجرد إغلاق بل وانغلاق أيضاٍ بمعنى عزل البلد عن الخارج وتجهيل في الداخل.. إغلاق في الداخل لكل منافذ العلم والمعرفة والتطوير والتحديث وبلا شك أدى ذلك الانعزال والانغلاق الذي عاشته البلاد إلى قلق كبير.. بالمقابل الذين ثاروا على النظام الإمامي هم ممن أتيحت لهم فرصة الخروج إلى الخارج إلى فضاء التعامل مع الآخر وثورتهم تلك كانت ردة فعل طبيعية لذلك العزل والغلق لأن الغلو والتطرف في أي أمر من الأمور يفضي إلى نتائج عكسية ويكون لها ردود فعل بنفس القوة إن لم يكن أقوى وأشد.. كما أشرت سلفاٍ كانت النتيجة تلك الثورة العارمة التي نشأت في النفوس ثم تجسدت في الواقع وأخرجت اليمن من عصر التخلف إلى عصر التقدم.
ويسرد المؤرخ الأستاذ سعيد أحمد الجناحي معطيات واقع البلاد قبل الثورة.. فيقول: لقد كانت أغلب المؤسسات التي وجدت قبل الثورة ملكاٍ للإمام وأنشئت بمساعدة الخبراء الأجانب لقد أقيم عدد من المؤسسات والمعامل قبل الثورة.. و من هذه المؤسسات أفران خبز الكدم ومعمل صنع الذخيرة الذي بنى من قبل الإيطاليين في العشرينات ثم استعمل لترميم السلاح عوضاٍ عن صناعة الخشر ثم أهمل ذلك المصنع ولم يستمر وفي عام 1957م أنشأ الإمام مصنع الغزل والنسيج في باجل وقامت فرنسا بتجهيز المصنع وتدريب خبراء العمل اليمنيين وافترضت كمية الانتاج 10 آلاف متر من غزل القطن في اليوم إلا أن المعمل لم يشغل وذلك لأن أعضاء الأسرة المالكة وكبار تجار التصدير احتكروا كل التجارة الخارجية وفجأة عرفوا أن تجارة تصدير القطن تعطيهم نصيباٍ وافراٍ من الأرباح أفضل من انتاج الأقمشة القطنية.. فجمد المصنع بدأ إدخال الكهرباء بأن اشترى وشغل الإمام يحيى محولاٍ كهربائياٍ لصنعاء وتعز والحديدة التي كانت تعتبر من ممتلكات الإمام وفي عام 1961م انشأ الإمام وبعض التجار شركات مساهمة أشترت الموتورات الكهربائية والمعدات من الإمام الذي اشترط أن تعاد قيمتها إليه بعد ثلاث سنوات وكان تشغيل الكهرباء غالباٍ في الليل.
ويلفت الجناحي النظر في مؤلفه »الحركة الوطنية من الثورة إلى الوحدة« إلى أن النظام الإمامي الملكي حاول وضع خطة لتحديث الفروع الصناعية ومساعدة التكوينات الراسمالية في الصناعة والقطاع الخاص استجابة للمد الشعبي المطالب بالإصلاح.. ولتحقيق ذلك ولإنشاء ورش صناعية كبيرة ومعامل حديثة ولكون الحكومة الإمامية لا تود تقديم المال اللازم لإنشاء تلك المؤسسات توجهت إلى الدول الأجنبية لطلب المساعدات أو القروض الاقتصادية فعقدت الاتفاقيات مع البلدان الغربية والشرقية واتفق بموجب تلك الاتفاقيات على انشاء مصنع الغزل والنسيج في صنعاء ومصنع الزجاج في تعز ومصنع الأسماك في الحديدة ومجموعة أخرى من مصانع دبغ الجلود والسكر والاسمنت والسجائر والألمنيوم ومع ذلك فقد بقيت أغلب المشاريع حبراٍ على ورق.
ونتيجة لذلك ارتفعت نسبة الهجرة اليمنية إلى الخارج فحسب ما أعلنته جريدة (الفضول) العدنية في 26 ديسمبر عام 1952م بأن عدد المهاجرين بلغ أكثر من مليون ومئة وخمسة وعشرين ألفاٍ وبحسب الكاتبة السوفيتية جولوبوفسكايا فإن الحكومة أكدت أن الذين يعيشون في المهجر أثناء قيام الثورة مليون ومئتا ألف مهاجر.
ولقد كانت الهجرة نوعين: هجرة طويلة الأمد وهجرة قصيرة وذهب للهجرة الطويلة في الغالب التجار وأصحاب الدكاكين الأغنياء والأشخاص المضطرون لمغادرة البلاد لأسباب سياسية وذهب للهجرة القصيرة الفلاحون والحرفيون وأناس آخرون من أبناء الفئات الدنيا.
ثالوث مخيف
ويوضح أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة صنعاء الدكتور محمد عبدالجبار سلام حال العباد وواقع البلاد أبان الحكم الإمامي بالقول: عند تسلم الأمام يحيى حميد الدين الحكم في صنعاء عام 1918م شدِد قبضته الحديدية على الجزء الشمالي من اليمن دون النظر إلى المناطق المحتلة من البلاد الذي كان يدعي أثناء المعارك ضد العثمانين بأنه سوف يحررها ويحقق وحدة اليمن إلا أنه فور تسلمه السلطة أخذ يبطش بكل من كان يعمل معه في مقاومة العثمانيين والبطش بهم وضد المشايخ والعلماء الذين يختلف معهم فضلاٍ عن قيامه بعد ثلاث سنوات من توليه الحكم عام 1921م باستدعاء بعض مشايخ المناطق الوسطى وأمر بإدخالهم السجن حتى مات معظمهم وأعدم الآخرون وهذه الأعمال وأعمال أخرى أرتكبها الإمام في أول حكمه جعلت الكثيرين يتوجهون إلى المهجر ولجأ المستنيرون منهم إلى الكتابة في الصحافة المصرية والسورية يعبرون عن خيبة أملهم في أسرة حميد الدين التي أغلقت اليمن على العالم برمته وكيف جعل الإمام من أسرته وحكمه خليفة الله في الأرض ومن الشعب عبيداٍ تابعين لسلطة الغريبة على اليمنيين أنفسهم وعلى كل من زار اليمن.. ويسترسل أستاذ الإعلام في حديثه: كان الزائر لليمن يستغرب من نظام يعيش في القرن العشرين يستمد اساليب حكمه من القرون الوسطى وكيف كان جنوده حفاة عراة خاوية بطونهم عليلة وجوههم.. لقد كان الإمام يحيى يهتم في المقام الأول بكل ما هو متخلف ورجعي وخارج تقويم القرن العشرين مما جعله يعتمد في أهداف حكمه تجاه الشعب فرض الجهل والمرض والفقر إلا أن المهجر كان قد فتح أذهان الناس وجعلهم يدركون البون الشاسع بين نظام وجعي ومتخلف ونظام عصري ومن هنا أنبثقت المعارضة القوية من أبناء اليمن في المهجر إلى جانب معارضة الداخل والتي تكونت من العناصر العسكرية والمدنية التي بعثها الإمام إلى العراق ومصر والتي لمست الهوة الشاسعة بين الخارج والداخل.
سياسة العزلة
بالمقابل يؤكد أستاذ الأدب والنقد بجامعة صنعاء الدكتور عادل الشجاع: عندما نعود إلى منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين سنجد التأثير الرجعي واضحاٍ لنظام الإمامة على مختلف مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للبلاد. لقد كانت سياسة العزلة واضحة وأصبح نظام الإمام كابحاٍ في طريق تطور البلاد ونموها ووجدت مظاهر الجمود والتخلف انعكاساٍ لها على مستوى العلاقات الاجتماعية وكانت بذلك هي القيد الذي أعاق التقدم الاقتصادي للمجتمع اليمني ضف إلى ذلك أن نظام الإمام مارس أسوأ نظم الاستغلال لما قبل الراسمالية في اقتصاد البلاد وقد كان الإمام حريصاٍ كل الحرص من أجل أن يستمر حاكماٍ إلهياٍ فقام بدعم السلم الاجتماعي التقليدي للمجتمع اليمني والموروث من القرون الوسطى والذي ما زالت آثاره حتى يومنا هذا حيث يحتل أعلى مكان في درجات السلم الاجتماعي أعلى عناصر وجهاء وأعيان الطبقات القريبة من نظام الحكم.
خليفة الله
وعن استغلال الإمام للدين لإتمام سيطرته يقول الدكتور سلام: لقد كان الإمام يعتمد في حكمه على أنه يمثل الإرادة المقدسة للحكم في اليمن باعتباره خليفة الله في الأرض وهو بهذا يمتلك القداسة لأنه يمثل الحق الإلهي المقدس فقد كان – مثلاٍ – يدعي أنه يمتلك السيطرة على الجان ولولاه لانطلق الجن وفتكوا بالناس وهذا ما جعله يطلق على نفسه »أحمد يا جناه« أي أنه كان يدعي تملك الحكم بإرادة الله ولا يجوز مخالفته أو معارضته لأنه مختار من الله تعالى ويجب على الجميع طاعته فقط وهذه الدعوة طبعاٍ غير موجودة في الدين ولكن اخترعها الإمام لفرض سيطرته واستبداده مستغلاٍ جهل الناس وعدم معرفتهم بأسس الدين الصحيح.
استغلال الدين
وفي ذات الموضوع يضيف الدكتور الشجاع قائلاٍ: عند الحديث عن ما قبل الثورة وتحديداٍ فترة الإمامة فإننا لا نستطيع تجاوز أو إغفال استغلال الدين لتبرير الارتباط الإلهي ونزع ما هو بشري عن الإمام لقد استغل الإمام الدين في تكوين حكمه وكنيته ووجوده فد ظل الدين ملازماٍ لكل أفعاله مما أضفى عليها قدسية سماوية وحقاٍ إلهياٍ حتى أن مفهوم الوطنية والمواطنة غابت عن الوعي العام وتشكلت سلفية دينية ما زالت تمارس دورها حتى يومنا هذا بسبب خلط ما هو ديني بما هو وطني! لقد عاش الوطن حالة من الغيبوبة لم يصح منها إلا مع هدير المدافع صبيحة السادس والعشرين من سبتمبر التي جاءت في سياق التحرير العربي بهدف استرداد السيادة الوطنية لقد أدرك الإمام أن بقاءه في الحكم يستدعي شرعية فلجأ إلى الدين بوصفه أحد مكونات الثقافة العامة لهذا الشعب وهو الوحيد القادر على إخضاع الجميع أفراداٍ وجماعات لأحكامه ومقتضياته. وبذلك استطاع أن يقود هذا الشعب بزمام الجهل والتخلف وكما قلنا فإن استخدام الدين قد حرم الناس من ممارسة حرياتهم الممنوحة لهم من السماء لأن الإمام أصبح هو الممثل لهذه السماء وهو الناطق الرسمي لها وحيث أن الحرية لا تعني فقط قدرة الناس على ممارسة أختياراتهم في الحياة الدنيا لكنها بالضرورة حرمتهم من اكتساب إمكانيات العيش الكريم في التعليم والصحة وغير ذلك من مقومات الحياة الإنسانية ومثلما كانت السلطة غير سليمة كانت قسمة الثروة غير متوازنة وقد نمت هوة سحيقة بعيدة القرار للهوة الاجتماعية بما جعل المواطنة غير متساوية لأنها لم تؤسس على العدالة الاجتماعية ويضيف الشجاع: فمن الجدير بالملاحظة أن العلاقة بين الديني والسياسي ظلت تلازمية إذ بقدر ما اتسعت أشكال القهر السياسي بالقدر نفسه امتدت دائرة القهر الاجتماعي وتحت لافتة الدين والحق الإلهي لذلك أوصل الإمام اليمنيين إلى حالة من الجوع والمرض والجهل.
إشعال الفتيل
وعن بدايات إشعال فتيل الثورة والتحرير من خلال معارضة الشعب اليمني لفكرة الإمامة بصورة عامة ومعارضة حكم حميد الدين بصورة خاصة.. يشير الدكتور محمد عبدالجبار سلام إلى أنها بدأت مبكراٍ منذ تسلم الإمام يحيى الحكم عام 1918م عندما اختار عناصر نظامه واتباعه أساليب القمع والبطش والإرهاب منفرداٍ بالقرارات ومتجاهلاٍ الجميع هذه الأعمال بدورها أظهرت قوة المعارضة وإن اتخذت في البداية أشكالا مختلفة من المظاهر البدائية والمتمثلة بالاستياء العام والتذمر والرفض الصامت والمعارضة الخفية واستمرت على هذه الصورة حتى بداية الثلاثينيات والتي انتقلت فيها المعارضة إلى أشكال جديدة ومتعددة سيما عندما وصلت الإمامة إلى طريق مسدود والتي منها: توقيع اتفاقية يعترف فيها باحتلال الاستعمار للمناطق الجنوبية مقابل اعتراف الانجليز بحكم الإمام يحيى على المناطق الشمالية عام 1934م وهذه الاتفاقية تظهر تنازل أسرة حميد الدين على سيادة واستقلال اليمن وفي الأربعينيات انتقلت المعارضة من السرية إلى العمل العلني وبأسلوب حديث خاصة حينما انتقلت المعارضة إلى عدن على يد أوائل الأحرار أمثال الزبيري والنعمان ومطيع دماج وأمين أبو راس والشامي وتأسيس حزب الأحرار والجمعية اليمنية الكبرى وبعدها الاتحاد اليمني.. واستمرت الفعاليات النضالية حتى تمخض عنها مولد تنظيم جديد بأهداف وآفاق جديدة تقوم على أساس الوحدة الوطنية في إطار جمهوري ديمقراطي وهي الجبهة الوطنية المتحدة عام 1955م وبعدها تشكل المؤتمر العمالي من 25 نقابة قامت هي الأخرى على أساس وحدة اليمن من خلال رفعه شعار »الوحدة اليمنية والاستقلال الوطني من الاستعمار والرجعية« وعلى ضوء هذه التطورات المهمة تبلورت القضية الوطنية اليمنية الواحدة وأخذ النضال الوطني ينحو تجاه النضال ضد الإمامة والاستعمار في آن وبدأ الإنسان اليمني سواء كان في عدن أو في صنعاء أو تعز يشعر بأن هناك قضايا مشتركة وأن النضال المشترك الموحد ضد الإمامة والاستعمار أصبح ضرورة وطنية وحتمية ومن هنا توسع النضال الوطني لكل أبناء اليمني وعلى مختلف المستويات وفي كل منطقة وقرية حتى انفجرت ثورة 26 سبتمبر عام 1962م وسرعان ما تحول الثقل السياسي والنضالي من صنعاء إلى عدن للنضال ضد الاستعمار البريطاني وقواته في المناطق الجنوبية وبفضل النضال الوطني المشترك من مختلف القوى الوطنية اليمنية تم دحر فلول الاستعمار البريطاني من على أرض اليمن عام 1967م بعد 128 عاماٍ من الاحتلال..
الحوثية هي الإمامية!
وكما أشارت السطور السابقة فبنضال وإرادة الملايين من أبناء هذا اليمان الواحد سقطت واندثرت قلاع وحصون الإمامة وأضحت أثراٍ بعد عين.. وفجأة وبعد مرور 48 عاماٍ على قيام الثورة السبتمبرية المباركة راحت بعض الرؤوس التي ما تزال تكتنفها رواسب من الماضي البائد تحاول إعادة الزمن إلى الوراء والتمرد على الثورة والجمهورية والوحدة الوطنية.. نعم أقصد بدر الدين الحوثي وجماعته ومناداتها بعودة الإمامة.. وعن هذه الجماعة الضالة كان لنا وقفه في سياق هذا الاستطلاع مع الدكتور المهدي الحرازي والذي أكد أن العلاقة بين جماعة الحوثي والإمامة بأنها لا تحتاج إلى خبير أو محلل ولا إلى فقيه فالمعلوم في هذا المضمار أنه حينما سقط الحكم الإمامي تكون تنظيم سري للعمل على عودة الإمامة في يوم من الأيام وهذا التنظيم بالطبع لم يكن معلوماٍ للناس كان سرياٍ ولم يكن ظاهراٍ أو بين ولكن ظهرت معالمه في عدة أمور إذ بدأوا يتوغلون في مختلف مؤسسات الدولة ويبنون أنفسهم وهؤلاء تأثروا بالأفكار الإيرانية وتصدير الثورة الإيرانية ووجود الدعم السخي أكان الدعم المادي واللوجستي فقد تدرب الكثير من هؤلاء المتمردون في إيران علمياٍ من خلال الانضمام إلى المدارس والجامعات هناك ثم عسكرياٍ سيما والدولة تمنح الحرية لمواطنيها في تنقلاتهم الخارجية.. أما موضوع تصدير الثورة الإيرانية فقد كان له أثر في خروجهم في ذلك الوقت وتلك الفترة.. ويضيف الحرازي: ومن وجهة نظري فخروجهم في تلك الفترة لأنهم كانوا يريدون أن يكملوا مخططاٍ شيعياٍ.. فالعراق سقطت فيها الدولة المركزية وكان بدلاٍ عن الدولة هو التوجه الشيعي الذي يعود إلى إيران حزب الله في لبنان حقق انتصاراٍ وأذهل كثيراٍ من الناس وأصبح له قوة ومكانة في المنطقة وأيضاٍ بدأت بعض فئات الشيعة في دول خليجية كالكويت والبحرين والمنقطة الشرقية في المملكة العربية السعودية تتململ ويظهر مطالبها وتعبر عن نفسها ومن هنا رأوا أن هذا الوقت مواتُ لإكمال الهلال الشيعي من خلال خنق المنطقة من الجنوب.. ولذا راح المتمردون الحوثيون يستغلون مساحة الحرية التي أتيحت لهم في بناء مدارسهم الخاصة لتجنيد الأطفال والشباب وتشريبهم الخرافة ولم يستغلوا هذه الحرية في تعليم الناس وتفقيههم والخروج بهم من بؤرة الجهل وهذا طبعاٍ امتداد لما كانت عليه الإمامة في ما مضى إذ كانت تعمد إلى تجهيل الناس اعتقاداٍ منها أن تجهيل الشعب يؤدي إلى بقاء الملك ودوام.. أضف إلى ذلك دور الخرافة التي يعمدون إلى نشرها فعندما ثقول شخص رسول الله وسيدي حسين فهذا لا يمكن أن يكون نابعاٍ من دماغه ولا بد أن هنالك تعبئة خاطئة.. لأن اليمانيين كافة يعرفون جيداٍ أن لكل إنسان مقاماٍ ومقام رسول الله غير مقام أقرب الناس إليه رسول الله له مقاما النبوة وقد قال تعالى في محكم تنزيله »قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي إنما إلاهكم إله واحد« وكلمة بشر مثلكم يوحى إلي.. يدل على أنه ذو مقام آخر.. ولذا قال الله تعالى في آية أخرى »ولا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم لبعض« وهذا أيضاٍ يدل على أن مقام النبوة مقام مختلف.. وأن يأتي شخص ليقول »رسول الله وفلان« فهذا لا شك فيه أنه ناشئ عن تعبئة وكان الأجدر أن يعلمهم كتاب الله وسنة رسوله ويفقههم في دينهم ولكن الملاحظ أنه علمهم ما يخدمه بحيث يصبح هو المرجعية بمعنى إذا قال لهم اقتلوا فلانا لتدخلوا الفردوس فإنهم سينفذون الأمر لأنهم لا يعرفون ما شروط الجهاد أو الاستشهاد وكل ما يعرفونه هو ذلك المرجعية إذا قال صدق وإذا أمر أطيع..
انقلابات مفاهيمية
بينما اختتم الدكتور محمد إبراهيم الصانع عميد كلية التربية بجامعة ذمار سطور هذا الاستطلاع بسبر بعض أغوار من التاريخ اليمني مركزاٍ على ظاهرة الانقلابات المفاهيمية باعتبارها ظاهرة خطيرة إذ يقول: من منا لايسمع الكثيرين وهم ينقلبون على مفاهيم تاريخية جميلة ضحى من أجلها الأجداد والآباء والشباب ومن تلك المفاهيم التي تم الانقلاب عليها مفاهيم الوطن الثورة الجمهورية الوحدة.. ولعل المروجين لتلك الظاهرة الانقلابية الخطيرة نجحوا إلى حد ما في إثارة هذه الظاهرة ونشرها وتعميمها والنتيجة سيادة قيم العنف والحقد والكراهية.. وحذر الصانع: الصحف التي تفرد صفحات بأكملها لمقابلات تجريها مع أولئك المتمردون وإظهارهم بأنهم قادة وزعماء وأصحاب قضية وليسوا متمردين وخارجين على إجماع الأمة وما هم إلا زعماء الإبادة الجماعية وهناك نظرية تربوية تؤكد على ما يسمى »التعليم بالقدوة« ومن هنا فإن تلك المقابلات الصحافية مع أولئك المتمردين تجعل العديد من المراهقين بالذات يميلون إلى الانضواء في صفوف المتمردين بفعل تأثرهم بقراءة مقابلاتهم بمعنى من خلال ظاهر السطور دون الدراية الواعية ببواطن الأمور..