ابن النيل
لعله من الطبيعي أن تحتل ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م مكانتها المستحقة في عميق دواخلنا نحن الوحدويين العرب الحالمين بوحدة وطننا الأم من خليجه وحتى المحيط والمسكونين منذ أول الوعي بهموم إنساننا العربي أينما كان.
ليس لكونها واحدة من الثورات العربية المعاصرة التي جاءت في توقيت بعينه وعلى عكس كل الاحتمالات المتوقعة في حينه لتخليص إنساننا اليمني من كآبة وظلامية حكم الإمامة الكهنوتي إياه ومن ثم تمكينه من تأكيد حضوره على خارطة الفعل الإنساني الواعد عربيا وإقليميا ودوليا.. بعد طول غياب وصولاٍ إلى مساهمته في بناء أجياله الطالعة.. على نحو يمنحها كامل القدرة على رسم ملامح المستقبل الذي تريد وفقا لمشيئتها.
وليس لكونها الفاتحة الأبجدية التي لابد منها.. لقيام ثورة الرابع عشر من اكتوبر عام 1963م لتحرير إنساننا اليمني كذلك من وطأة الاحتلال الأجنبي للشطر الجنوبي من يمننا الحبيب.. آنذاك.
وليس لكونها بمثابة أول رد فعل قومي على جريمة انفصال الإقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة عن إقليمها الجنوبي.. قبلها بأقل من عام واحد.
وليس لكونها رافداٍ مفترضاٍ لثورة الثالث والعشرين من يوليو الناصرية المجيدة.
وليس لكون الثورة السبتمبرية والأكتوبرية ككل.. قد حققت لإنساننا العربي في بلاد اليمن أنبل غاياته وأمانيه حيث وحدة الثاني والعشرين من مايو عام 1990م.
ليس لكل هذا وذاك فحسب.. على أهمية أثره وتأثيره إنما لكونها شكلت واحداٍ من أبرز عناوين زمننا العربي الجميل الذي ننتمي إليه وقد بتنا نترحم على طيب أيامه في راهن الوقت وكأنما نحن غرباء في زمننا هذا.
من هنا.. وكلما أطلت علينا ذكرى السادس والعشرين من سبتمبر كل عام نجد أنفسنا في مغبة استدعائنا الوجداني لروائح واحدة من أخصب مراحل تاريخنا العربي الحديث حيث التفاعل الوطني والقومي الذي كان وحيث لاعلامة فارقة بين ماهو وطني وماهو قومي وحيث الاستجابة المنطقية الخلاقة لتيار المد العروبي التحرري حينها وقد فجرت الثورة اليمنية بشقيها السبتمبري والأكتوبري.. واحداٍ من براكينه الهادرة بقدر ما ساهمت في صياغة نسيجه الحي بكل جدارة واستحقاق.
وكم نحن بحاجة في أيامنا هذه إلى استعادة روح تلك المرحلة التاريخية التي كان لها بالغ الأثر والتأثير.. في تمكين أمة العرب من احتلال مكانتها اللائقة بها بين غيرها من سائر أمم العالم لدرجة أنú تكالبت عليها كافة القوى الاستعمارية المعادية لإرادة الشعوب سعياٍ لإسكات صوتها وإبطال مفعول ثوراتها الإنسانية النبيلة ولم يكن ليتسنى لها ذلك وقتئذ وإن كانت ما آلت إليه أوضاع أمتنا بفعل انحسار المد القومي التحرري بعدها.. قد أتاح لتلك القوى الاستعمارية البغيضة فرصة أن تحقق بعضاٍ مما استعصى عليها تحقيقه قبلها من مآرب رخيصة لم تعد خافية على أحد.