الشيخ إسماعيل المنصوري
بسم الله الرحمن الرحيم الحِمúدْ لله والصِلاةْ والسِلامْ على رِسول الله أِما بِعúدْ :
إنِ النِاظرِ بعِيúن البِصيرِة في حال أْمِة الإسúلام اليِوúمِ لِيِعúلِمْ علúمِ يِقينُ أِنِ أِعúظِمِ أِسúباب ما هْمú فيه منú بِلاءُ وِغِلاءُ وِوِباءُ وِنِكِباتُ وِحْروبُ وِاخúتلافُ وِشقاقُ : الذْنوبْ وِالمِعاصي..
وِالذْنوبْ وِالمِعاصي أِعúظِمْ أِسúباب زِوال النعِم وِحْلول النقِم .
قال تعالى: »وضرب الله مثلاٍ قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداٍ من كل مكان فكفرت بأِنúعْم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون« النحل: 112
كمú منú أْمِةُ كانِتú في سِعِةُ منِ الرزúق وِرِغِدُ في العِيúش وِسِلامِةُ في الأِبúدان وِأِمúنُ في الأِوúطان فِعِصِتú خالقِها جل جلاله وِسِخِرِتú نعِمِهْ في مِعاصيه فِحِلِ عِليها العقابْ وِنِزِلِ بها العِذابْ فِتِبِدِلِتú عِليها الأِحúوالْ وِصارِتú مِضúرِبٍا للأِمúثال .
قال الله تعالى »وكِأِين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حساباٍ شديداٍ وعذبناها عذاباٍ نكراٍ فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسراٍ أعد الله لهم عذاباٍ شديداٍ فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكراٍ« الطلاق: ٨-٠١.
وقالِ رِسولْ الله صلى الله عليه وسلم: إذا ظِهِرِ السْوءْ في الأِرúض أِنúزِلِ اللهْ بِأúسِهْ بأِهúل الأِرúض. (السلسلة الصحيحة للألباني رقم 1372 وصحيح الجامع رقم ٠٨٦).
وِانظْرú رِحمِكِ اللهْ إلى مِعúصيِةُ واحدِةُ في خِيúر الأِزúمان وِالقْرون وِمِــعِ خِـيúـــر الـنِـــاس صلى الله عليه وسلم.
صِدِرِتú منú بِعúض الصِحابِة – منِ الرْماة – يِوúمِ غِزúوِة أْحْدُ كانِتú سِبِبٍا في مِفاسدِ كِثيرِةُ وِقِعِتú في غِزúوِة أْحْدُ منِ التِفِرْق وِالاخúتلاف وِالهْروب وِالقِتúل وِالهِزيمِة بِعúدِ الاجúتماع وِالائúتلاف وِالثِبات وِالعز وِالنِصúر .
قال تعالى: »ولقد صدقكم الله وعده إذ تِحْسْونِهْم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين« آل عمران: ٢٥١.
قالِ العِلامِةْ الشِيúخْ السِعúديْ – رِحمِهْ اللهْ – في تِفúسير هذه الآيِة : فِلِما حِصِل منúكْمْ الفِشِلْ وِهْوِ الضِعúفْ وِالخِوِرْ.. الذي فيه تِرúكْ أِمúر الله بالائúتلاف وِعِدِم الاخúتلاف فِاخúتِلِفúتْم فِمنú قائلُ : نْقيمْ في مِرúكِزنا الذي جِعِلِنا فيه النِبيْ صلى الله عليه وسلم وِمنú قائلُ : ما مِقامِنا فيه وِقِد انúهِزِمِ العِدْوْ وِلِمú يِبúقِ مِحúذورَ º فِعِصِيúتْمْ الرِسولِ وِتِرِكúتْمú أِمúرِهْ ( وِهْوِ انúخذالْ أِعúدائكْم º لأِنِ الواجبِ عِلى مِنú أِنúعِمِ اللهْ عِليه بما أِحِبِ أِعúظِمْ منú غِيúره فِالواجبْ في هذه الحال خْصوصٍا وِفي غِيúرها عْمومٍا امúتثالْ أِمúر الله وِرِسوله.
وِلِما أِذúنِبِتú بِنْو إسúرائيلِ وِجاهِرِتú بالمِعاصي سِلِطِ اللهْ عِليهمْ الرْومِ فِسِبِوúا نساءِهْمú وِسِلِبْوا أِمúوالِهْم وِسِفِكْوا دماءِهْمú.
وِمِرِ الأِعúمِشْ عِلى صْناع قْدورُ فِقالِ : هؤْلاء أِوúلادْ الأِنúبياء يِوúمِ كانْوا عِلى الطاعِة كانْوا أِعزِةٍفِانúظْروا إلى ما صِيِرِتúهْمْ المِعاصي وِالذْنوبْ
جاء عنه صلى الله عليه وسلم: إن العبدِ لِيْحرمْ الرزقِ بالذنب يْصيبْه.
قال تعالى: »فلما أسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين. فجعلناهم سلفاٍ ومثلاٍ للآخرين« الزخرف:(55-56). أي أغضبونا بفعل المعاصي جهارا نهارا انتقِمنا منهم.
فما فيه الأْمة اليوم من ظْلم وذْل وقِهرُ من قبِل أعدائها ما هو إلا بسبِب ذْنوبها ومعاصيها قال تعالى: »وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير« الشورى: ٠٣.
وأي عْقوبة أعظم من عْقوبة الذْل والهِوان التي ضْربت بها هذه الأمةْ يوم عصِت اللهِ جل في عْلاه ¿!
ففي كْل يوم تْهتِك أعراضْ المسلمين هْنا وهناك وتْسلِبْ أموالْهم وتْسفِك دماؤْهم وتْدكْ مساكنْهم ويْعبِث بمْقدساتهم والأْمةْ إلا ما رحم رِبي مشغولةَ بكأس عالِمها أو برِقصها وغنائها ومْسلسِلاتها !!
وإنú ناشِدوا واستغاثوا فبأِعدائهم بهيئِة الأْمِم أو بما يْسمى بمجلس الظْلم الدولي !! فأينِ مْناشدةْ الله ¿ وأين الاستغاثةْ به ¿ وأين الانطراحْ بين يديه بالتضرْع والبْكاء ¿ وأين صدقْ اللجأ إليه بالتوبة والإنابة والدْعاء ¿¿!
إذا كان المْشركون قديما يِستغيثون بالله عند الشدائد ويِنسونِه في الرخاء كما قال تعالى: »فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون« العنكبوت: ٥٦.
وأما أْمِة الإسلام اليوم فلا حول ولا قْوة إلا بالله سواء كانوا في شدة أو رخاءُ يِتِوجهون إلى أعدائهم بالمْناشدة والبكاء فسامِهْم أعداؤْهْم أليمِ الذْل والهوان والعذاب .
وأي عْقوبِة أعظمْ من هذه العْقوبة التي ضْربت بها هذه الأْمة في هذا الزمان والسببْ: مِعصيتْهم لربهم جل في عْلاه .
جاء عنه صلى الله عليه وسلم: يا معشرِ قريشُ إنكم أهلْ هذا الأمر – النصرْ والتمكين – ما لم تْحدثوا فإذا غِيِرتْم بعِثِ اللهْ إليكْم من يِلحاكْم كما يْلحِى هذا القضيبْ.
وفي رواية : إلا سلِط عليكْم شرار الخلق فقطعوكم كما يْقطع هذا القضيبْ .
وفي رواية : إلا أْذلوا .
أصابنا اللهْ عز وجل بكل ما تِعنيه الكلمةْ من الضعف والذل والهوان والخوف والخْذلان قال تعالى: »إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون« آل عمران:٠٦١.
عند مِصائبهم يْناشدون الأعداءِ وتركوا اللهِ العليِ العزيز الجبارِ فوكِلِهم إلى عدوهم فساموهْم سوءِ العذاب والذل والهوان . عوقبِت هذه الأْمةْ بالخوف من أعدائها أعظم من خوفها من رِبها جل جلاله والسببْ : الذنوبْ والمعاصي.
كلْ المعاصي التي عِملتها الأْمم من قبلنا عملتها اليوم أْمةْ الإسلام إلا ما رحم اللهْ. قال صلى الله عليه وسلم وجْعل الذلْ والصِغارْ على من خالفِ أمري.
قالوا : لا تِحلْ المِعصيةْ بيتِ قوم إلا أدخِلِ اللهْ إليه الذْلِ .
قال رسولْ الله صلى الله عليه وسلم: يوشك أن تتداعى عليكْم الأْممْ كما تتداعى الأكلةْ إلى قِصعتها… أمن قلةُ نحنْ يا رسولِ الله ¿ …إلخ.
وجِدوا أقصى درجات الذل والخوف والهوان والسبب : المعاصي والذنوبْ .
ولنا عبرةَ في ما جرى في الأْمم قبلنا من الذل والخوف والعذاب يوم خالطوا المعاصي والآثام فعمِهْم اللهْ بالعقاب والعذاب.
قالت زينبْ بنتْ جِحشُ: فقلتْ يا رسولِ الله أِنهلك وفينا الصالحون ¿ قال: نعم إذا كِثْرِ الخِبِثْ.
وعلى سبيل المثال :
ما فعلِه هولاكو التِتِري بأهل بغداد فقد ذكرِ ابنْ كثير في البداية والنهاية شيئا من ذلك وأنا أنقْلْه لك مْختصِرا وبتصرفُ يسير للعبرة والعظة :
يوم دخل التتارْ بغداد صادروا الأموالِ وهتكوا الأعراضِ وسفكوا الدماءِ وأسِروا ألفِ بكúرُ من دار الخلافة للعبث بهن وإذلالهن.
قتلوا خلقٍا كثيرا من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال وقتلوا القضاةِ والعلماءِ .
اختبِأِ الناسْ في الخانات والمساجد فدخل عليهمْ التِترْ فذبحوهْم كالشياة حتى سالت الدماءْ من الميازيب وأحرقوا المساجدِ وعمِت العقوبةْ .
عادت بغدادْ بعد الأْنس والأمن والأمان ورغد العِيش والاجتماع والحياة إلى حْزنُ وخوف وجوع ومرضُ وموت عمِت العْقوبةْ .
تعطِلت الجْمِعْ والجِماعاتْ في بغدادِ شْهورا لم يْسمع فيها أذانَ ولا إقامةَ ولا صلاةَ وامتلأت الجْثث في الطْرْقات فخرج من كانوا في المزابل والحْشوش مْختِبئين بعد خْروج التتر وإذا بريح جْثث الموتى تْصيبْهم فماتوا عن آخرهم .
في أقل من أربعين يوما قْتل من أهل بغداد أكثر من مِليوني إنسان.
فاجتمعِ على الناس الغلاءْ والوباءْ والمرضْ والخوف والموت والبكاءْ عمت العْقوبةْ والسببْ الرئيسي : الذنوبْ والمعاصي.
وفي زمِننا هذا كِثْرت بما يْسمى بالكوارث الطبيعية كالزلازل والفياضانات والسيول المْهلكة وما ننتِهي من بِلية إلا وتِبعتúها بلايا أْخرى أشد من سابقتها وهذا مصداقْ ما أخبر عنه المْصطفى صلى الله عليه وسلم يوم قال : بين يدي الساعة مْوتانَ شديدَ وبعدِه سنواتْ الزلازل.
والسؤال : ما أسبابْ كثرة ما يْسمِى بالكوارث الطبيعية إضافة إلى بِلايا الغِلاء والوباء والحروب والخوف وكثرة الفتن ¿
السببْ الأعظم في ذلك كْله : الذنوبْ والمعاصي قال تعالى: »وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير« الشورى:٠٣.
والبلاءْ إذا نزل فإنه لا يِنزل غالبا إلا في ظْلمات الليل والناسْ غافلون آمنون ودليلْ هذا قوله تعالى: »أفأمنِ أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاٍ وهم نائمون. أِوِ أِمنِ أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون. أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون« الأعراف: ٧٩-٩٩.
والبلاءْ لا يِنزلْ غالبا إلا والناسْ في غِمرة الأمن والسعادة والسرور فيْبدلْ السعادةِ حْزنا والأمنِ خوفا والرغدِ جوعا وعطشا قال تعالى »فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون« الأنعام:٤٤.
قال المْفسر السعدي : يْؤخِذوا على غرة وغِفلة وطْمأنينة ليكون أشد لعْقوبتهم وأعظمِ لمْصيبِتهم.
ولنا عبرةَ : أْصبنا ببلايا ونكباتُ لو كانت القلوبْ تِعقلْ لكِفِتúنا بِليةَ واحدة فكيف وهي مْجتِمعةَ !
في الأثِر : إذا رأيتِ العبدِ يْعطِى على مِعاصيه فإنما هو استدراجَ قد مْكر به .
وفي أثِر آخرِ : إذا أرادِ اللهْ بقومُ عذابا فتحِ عليهم الدنيا ( فْتح لقارون الدنيا ولكن أْخذ في كامل زينته وأمنه وسْروره وغناهْ ) .
والعذابْ إذا حِلِ فإنه لرْبما يكونْ في يوم عيدُ وفرِحُ والناسْ آمنون مْطمئنون فِرحون ! بركانْ جزيرة الطيúر في الحْدِيúدِة كان في العشر الأواخر من رمضان أي قبل العيد بأيام يسيرة انفجر البركانْ من جِبل في وسط البحر فاختلط نار البركان بماء البحر ووالله ما استطاعت أقوى القْوى من القْرب من النار فضلا عن إطفائها وهذا في نار دْنيا فكيف بنار الآخرة التي فِضلت عن نار الدنيا بتسعةُ وستين جْزءا!.
انهيارْ صخر بِني مطر في صنعاء كان في العشر الأوائل من ذي الحجة أيú قبل العيد بأيام يسيرة انهار جْزءَ من صخر جِبل على بيوت الناس فمات من مات مدفونا تحت الأنقاض وبِقيِ من بِقي بلا بيت ولا مأوى ولا طعام أو كساءُ فقدوا الأولادِ والأحبابِ في طرفة عين ولقد أتِوúا إليِ في العيادة بامرأةُ فقدِت النْطúقِ بسبب أنها رأت الانهيارِ أثناءِ وْقوعه والصْخورْ تسقْط على بيتها وفيه أطفالْها وماتوا جميعا أمام عينيها.
سيلْ مدينة جدِةِ كان يوم عرفةِ أي قبل العيد بيوم ارتفعِ السيلْ لعشرات الأمتار وهدم البيوتِ وجرفِ كلِ شيءُ كان أمامِه فصاروا مِفقودين بعد أن كانوا موجودين وباكين بعد أن كانوا ضاحكين ماتوا على فْرْشهم ليلةِ عيدهم قبل لْبúس جِديدهم وفي صباح العيد يِبحثون بين الأنقاض عن الآباء والأْمهات والأطفال والأحباب في المياه بين الرْكام والدِمار!
أمِلوا الفرحِ والسْرور والبقاءِ ولكن قْدر عليهم الدِمارْ والفناء مع البْكاء .
في طرفة عِين إذا هم يِبكون إذا هم مِحرومون لا بيت ولا طعام ولا كساء وخسارات بالمليارات . والسعيدْ من اعتِبِر بغيره .
كان من دْعائه صلى الله عليه وسلم: »اللهْم إني أعوذْ بك من زوال نعمتك وفْجاءِة نقúمِتك وجميع سِخطك«..