كتب/ عبدالله سيف:
أكدت دراسة اقتصادية حديثة انخفاض مستوى المعيشة لمعظم سكان اليمن نتيجة لتطبيق المرحلة الثانية من الاصلاحات الاقتصادية والتي تم خلالها رفع الدعم عن المشتقات النفطية دون ارفاقها ببرامج مناصرة الفقراء للتخفيف من آثار هذه الاصلاحات على معيشتهم الأمر الذي صاحبه ارتفاع في أسعار المواد الغذائية إضافة إلى أن الأزمة الاقتصادية العالمية كان لها بعض الأثر في ارتفاع أسعار المواد الغذائية نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الريال مما أدى إلى ارتفاع نسبة الفقر بين السكان من جديد وذلك بعد أن كانت السياسات والاستراتيجيات التي اتخذتها الحكومة للتخفيف من الفقر في الفترة الماضية قد حسنت من المستوى المعيشي للسكان وخفضت من نسبة الفقر..
وبينت الدراسة التي أعدتها وحدة المراقبة والتقييم في وزارة التخطيط والتعاون الدولي والموسومة بـ»تقييم أثر خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة للتخفيف من الفقر »٦٠٠٢ – ٠١٠٢م« من منظور الفقراء« أن كل تلك العوامل أسهمت بشكل مباشر وغير مباشر في انخفاض مستوى المعيشة لدى المواطن اليمني دون أن يصاحب ذلك استكمال المرحلة الثالثة من استراتيجية الأجور لموظفي الجهاز الحكومي أو منح الأسر الفقيرة المساعدات المالية التي شملها المسح الأخير من قبل صندوق الرعاية الاجتماعية حيث أن تأخير البدء باستكمال تلك الإجراءات سيؤدي إلى مزيد من التدهور المعيشي للسكان وزيادة نسبة الفقر مما يزيد من التحديات التي ستواجه الخطة الخمسية الرابعة للتنمية »١١٠٢ – ٥١٠٢م«.. وأشارت الدراسة إلى أن الفقر لا يزال من أهم المشكلات التي يعاني منها المجتمع اليمني والذي تتفاوت نسبته بين الريف والحضر حيث أن نسبة الفقر في الريف 40.1٪ وفي الحضر 20.7٪ والذي يتمثل في فقر الدخل والغذاء إضافة إلى الحرمان المادي والاجتماعي والنفسي وذلك وفقاٍ لعدد من الدراسات حول المؤشرات التنموية للخطة الاقتصادية والاجتماعية الثالثة للتخفيف من الفقر للعام 2008م وقد خرجت معظم الدراسات بعدد من النتائج من أهمها:
- ضعف التدخلات التنموية بشكل عام في خطة التنمية الثالثة لمعظم المناطق التي استهدفتها الدراسة لاصوات الفقراء بالإضافة إلى عدم توفر تدخلات مباشرة تستهدف المرأة وتحسين إنتاجيتها سواء في الحضر أو الريف بالرغم من الادوار والأعباء التي تتحملها المرأة خاصة المرأة الريفية.
- محدودية البيانات والمعلومات التي بنيت على ضوئها افتراضيات خطة التنمية الثالثة وتوقعاتها للتغيرات المحتملة في الاقتصاد وتأثير ذلك على تخفيض معدلات الفقر.
- على الرغم من التحسن الملموس في المؤشرات النقدية ووضع الموازنة العامة خلال الفترة الماضية إلا أن المؤشرات الكلية المتعلقة بنمو وتطور القطاعات الاقتصادية الواعدة والمعول عليها قيادة النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل بقيت دون المخطط وعلى العكس من ذلك انخفضت مؤشرات القطاع السمكي ناهيك عن التدهور المسجل مؤخراٍ في إنتاج النفط فيما بقيت مؤشرات القطاع الزراعي عند مستويات متواضعة لا تتناسب مع الأهداف الطموحة للتخفيف من الفقر على مستوى الريف كما ظل القطاع السياحي رهينة للأعمال المشينة كاختطاف السياح وتدهور الأوضاع الأمنية في بعض أجزاء الوطن.
- شهدت المؤشرات الوسطية للبنية التحتية تطوراٍ ملموساٍ على مستوى الكم كالطرق والكهرباء والنقل والمياه والصرف الصحي في حين تدهور مستوى الجودة ومدى وصول وحصول المواطنين على ذلك النوع من الخدمات.
- وجود موارد اقتصادية غير مستغلة في الوقت الحاضر هناك مؤشرات عديدة تؤكد على وجود عدد العاطلين وخصوصاٍ بين الشباب الذين هم في سن العمل والذين يمكن استخدامهم في زيادة معدل النمو الاقتصادي بدلا من إعاقته وهناك طاقة غير مستغلة في عدد من قطاعات الاقتصاد وخصوصاٍ الواعدة منها والتي يمكن ان تساهم في زيادة النمو الاقتصادي في حال السعي لاستغلال هذه الطاقة غير المستغلة.
وخلصت الدراسة إلى عدد من النتائج حول الأوضاع المعيشية للفقراء من أهمها:
١- ما تزال نفس التحديات التي شخصت في الدراسات السابقة تقف أمام جهود تخفيف الفقر والتي تتمثل في النمو السكاني المتزايد وضعف معدلات النمو الاقتصادي في مجتمعات الفقراء وزيادة الطلب على خدمات البنية التحتية ومحدودية الموارد وضعف مؤشرات التنمية البشرية إضافة إلى عدد من التحديات السياسية والاقتصادية التي ظهرت مؤخراٍ كبؤر النزاعات المستحدثة وعدم الاستقرار في بعض المجتمعات وتدني كفاءة مرافق خدمات البنية التحتية وتأثير أسعار الغذاء والازمة المالية وأثرها في تدهور أسعار السلع.
٢- زادت وطأة التحديات التي تواجه التنمية في مجتمعات الفقراء حيث تعاني المجتمعات الفقيرة من وطأة عدد من العوامل التي تعيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذه المجتمعات ومن أبرز تلك الظروف استنزاف الموارد المالية وتزايد مستوى الجفاف الذي تعانيه المجتمعات ضعف الموارد البشرية بسبب ضعف مخرجات التعليم وتفشي الأمية في مجتمعات الفقراء وبخاصة في الريف وجود عدد من النزاعات وقضايا الثأر العالقة بدون حل والتي تؤثر سلبا على تواجد ونمو أية أنشطة اقتصادية حيث يندر وجود اسواق محلية في بعض هذه المجتمعات كما هو الحال في المحفد في ابين وحبور ظليمة في عمران وشبوة واضافت الخلافات الحزبية شكلا جديدا ومستعصيا على الحل للنزاعات والعصبية خاصة بين اعضاء المجالس المحلية مما يسبب تعثر العديد من المشاريع التنمــــوية ويؤدي إلى ســــوء توزيع الموارد والخـــدمات التنموية كما في القـفـــر بمحافظة اب والمسراخ بمحافظة تعز.
وساهم الجفاف وندرة الأمطار في تدني الإنتاج الزراعي في المجتمعات الزراعية والتي تشكل غالبية مواطن الفقراء مما يتسبب في هجرة الفئة العمرية القادرة على العمل إلى مناطق أخرى بحثا عن العمل محدثة اختلالا سكانيا في مجتمعات الفقراء يعمقه تدني الأصول الإنتاجية كما في مجتـــمعات حجة وشبوة والقفر في إب.
٣- أظهرت الدراسة ان هناك عددا من التداخلات لامست احتياجات الفقراء واخرى لم يلمسها الفقراء مباشرة لذا لم يذكرها كما ان هناك بعض جوانب القصور الشديد في تنفــــيذ جوانب اخرى منها ما يعني ان التناغم واحــــياناٍ التنســـــيق المطلوب في التنفيذ بين جــــهات عديدة غير كاف لتقديم حــــزمة متــــوازنة من الخدمات للفقراء.
٤- أبرز تدخلات الخطة بشكل عام التي ادركها ولمسها الفقراء بشكل مباشر تمثلت في اربعة مجالات اساسية وهي:
(أ) توسع في خدمات البنية التحتية كإنشاء مرافق خدمية كالمدارس والطرق والمراكز الصحية أو كتحسين وتوسيع الخدمات القائمة خاصة تلك المتواجدة في المناطق الحضرية وغالبيتها من تنفيذ الصندوق الاجتماعي للتنمية وبرنامج الأشغال العامة (ب) خدمات صندوق الرعاية الاجتماعية التي تلامس احتياجات الفئات المعوزة من الفقراء بشكل مباشر (ج) حملات التطعيم للأطفال دون سن الخامسة في كل المجتمعات بلا استثناء (د) وبشكل عام فقد لمست الدراسة تفاعلاٍ إيجابياٍ إلى حد ما مع تجربة السلطة المحلية والمشاركة الواسعة في الانتخابات بالرغم من الإحباط الذي تعاني منه المجالس المحلية والمجتمعات إلا أن زخم التجربة ترك شعوراٍ إيجابياٍ عالياٍ في مجتمعات الفقراء.
5 – أظهرت النتائج أن التدخلات التنموية في المجتمعات التي شملتها الدراسة السابقة (عام 2005م) في مجال البنية التحتية غير مدركة من قبل الفقراء حيث لم تتمكن عدد من هذه المجتمعات الريفية في حجة وتعز وإب من الوصول للخدمات الأساسية وبخاصة مياه الشرب النقية والخدمات الصحية بينما تشكو غالبية المجتمعات التي تتواجد فيها الخدمات تدنياٍ في كفاءتها أو من تدخلات منقوصة كوجود مدرسة للصف الرابع أو السادس فقط وتعاني من عجز في المدرسين أو وحدة صحية لا تقدم سوى خدمة التطعيم أثناء الحملات لذا شكلت خدمات البنية التحتية أبرز أولويات التنمية لهذه المجتمعات وللخطة الخمسية الرابعة.
6- لم يدرك الفقراء أي تحسن ملموس في الأحوال المعيشية بالرغم من انخفاض مؤشر الفقر بحسب مسح ميزانية الأسرة 2006م ويعزى ذلك لعدد من التطورات التي حدثت أثناء تنفيذ الخطة والتي أثرت سلباٍ على مستوى المعيشة ومنها تنفيذ عدد من إجراءات الإصلاحات الاقتصادية بل وانحياز عدد من الإجراءات أو الإصلاحات لصالح الأغنياء أكثر منها للفقراء في الحضر والريف وبالرغم من جهود تطوير القطاعات الإنتاجية والإصلاحات الوطنية التي تمت إلا أن ثمار هذه الجهود لم يلمسها الفقراء بعد وقد يعود السبب جزئياٍ إلى ضعف تبني وتنفيذ برامج مناصرة للفقراء وعدم تكاملية وتزامن هذه الجهود مع الإصلاحات الاقتصادية وايضاٍ انعكاس ارتفاع أسعار الغذاء عالمياٍ على أسعار السلع الغذائية محليا الأمر الذي أربك ميزانية الأسر الفقيرة وتبع ذلك الأزمة المالية العالمية وانخفاض عائدات النفط مما أثر على وضع الأمن الغذائي محلياٍ.
7 – شكل الاحتياج لخدمات البنية التحتية أبرز أولويات التنمية في كل مجتمعات الفقراء نتيجة لتشتت التجمعات السكانية ونموها مما يزيد من الطلب على الخدمات وقد توافقت في الغالب رؤى الفقراء في هذه المجتمعات مع رؤى ممثلي سلطاتها المحلية حيث كانت مشاريع مياه الشرب على رأس القائمة سواء في الريف أو الحضر وتلاها توفير فرص عمل وبخاصة للشباب تحسين المرافق التعليمية الموجودة وتوسيعها لاستيعاب الزيادة السكانية وتوفير خدمات صحية لائقة.
8 – تدني الإنتاجية ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج محدودية الموارد تدني مهارات الموارد البشرية وانخفاض الأجور شكلت جملة من التحديات التي تحد من النمو الاقتصادي المناصر للفقراء بل وقد تعيق تحقيق نمو حقيقي ومستدام على المدى القريب ونجد أن تدني المهارات وضعف المؤهلات أو انعدامها هي سمات دائمة للفئات المنتجة والقادرة على العمل من الفقراء ما يؤدي إلى انخفاض إنتاجيتها ويحد من مشاركة الفقراء بفعالية في دفع عجلة التنمية الاقتصادية الاجتماعية في مجتمعاتهم لذا فإن بناء القدرات والتمكين هما حجر الزاوية لعملية التنمية المحلية ولرفع مستوى الإنتاجية.
9 – تمحورت هموم الفقراء في الحصول على فرص العمل وفي تأمين الغذاء لأسرهم. لا يدرك الفقراء قضية تأثر الاقتصاد المحلي بجملة الأسباب المحلية والعالمية كغلاء أسعار الغذاء عالمياٍ بل يربطونها بالإجراءات المحلية مثل الإصلاحات الهيكلية وتحرير أسعار مشتقات النفط التي يرون أنها تؤثر عليهم سلباٍ أكثر من غيرهم من الفئات وذلك لضعف عكس هذه الإصلاحات في شكل برامج مناصرة للفقراء وهناك ضرورة لتطوير استراتيجية تواصل فعالة مع المجتمعات المحلية لشرح هذه الإصلاحات وتأثيرها ونشر المعلومات بالإجراءات المصاحبة التي تستهدف الفقراء للتخفيف من أثر الإصلاحات.
إن تحقيق التنمية المستدامة يقوم على أساس تحقيق العدل الاجتماعي وايجاد الآليات والظروف التي تحقق الفرص المتكافئة لجميع فئات المجتمع وتمكنها من المشاركة الإيجابية والفعالة في مراحل التخطيط ووضع برامج التنفيذ ومتابعة إجراءاته.
10 – تفاقم أزمة الموارد المائية والبيئية وتأثير التغيرات المناخية وقد لوحظ عدم الاستفادة من مياه الأمطار في مجتمعات الفقراء عينة الدراسة والتي شكلت المجتمعات الزراعية منها حوالي 72٪ وذلك لعدة عوامل أبرزها الجفاف وقلة الأمطار مع عدم وجود سدود أو حواجز للاستفادة من مياه السيول ولم تتواجد شبكات الري الحديث إلا في المزارع الاستثمارية الخاصة في محافظات الحديدة وحضرموت.
وتسبب الاستهلاك الجائر للمياه الجوفية في نضوب العديد من الآبار مما أضاف معاناة شديدة في الحصول على مياه الشرب في هذه المجتمعات ومن ناحية أخرى أدى الجفاف وقلة الأمطار إلى ترك العديد من المجتمعات العمل في الزراعة بل وتوقف النشاط الزراعي إلى حد كبير في عدد من مجتمعات حضرموت وحجة.
11 – ضعف ناتج استثمار القطاع الخاص المحلي وندرة الصناعات الصغيرة والأنشطة التجارية والتسويقية التي يمكن أن تسهم في توفير بدائل اقتصادية وفرص عمل للفقراء وذلك نتيجة لضعف خدمات البنية التحتية كالخدمات والطرق والأسواق وعدم استجابتها لمتطلبات النمو الاقتصادي.
12 – قصور البرامج الإرشادية والبيطرية حيث لم يشر أيَ من الفقراء في المجتمعات الزراعية إلى وجود أي نشاط للإرشاد في مجتمعاتهم وهذا يشير بوضوح إلى ضعف كبير في هذا الجانب الحيوي الذي يفترض أن يدعم الفقراء في الحفاظ على أصولهم الإنتاجية ويسهم في زيادة إنتاجيتهم وتحسين معيشتهم وهناك ضرورة لإجراء تقييم للبرامج الارشادية والبيطرية لتحسين فعاليتها وآلياتها ووصولها للفقراء وصغار المزارعين.
13 – ندرة فرص القروض ومشاريع التمويل الأصغر إذ أنها لا تصل للفقراء عينة الدراسة في الريف أو في المجتمعات التي تعتمد على الزراعة والرعي عدد محدود (في مجتمعين) حصلوا على قروض وعانوا من صعوبات إدارتها واسترداد رأس المال وتمركزت فرص الحصول على القروض في بعض المجتمعات الحضرية لتنوع الأنشطة الاقتصادية ولقرب مؤسسات الإقراض من المجتمع.
14 – ندرة توفر فرص العمل في مجتمعات الفقراء نتيجة عدم تنوع الأنشطة الاقتصادية فيها ولتدني قدرات أبنائها حيث ينشط الفقراء في العمل بالأجر اليومي الذي يعتمد على المجهود العضلي كأعمال البناء والأنشطة الزراعية والرعي والبيع في الأسواق المحلية والصيد وتتسم هذه الأنشطة بأجور منخفضة وعدم ديمومتها وتخضع للتقلبات الاقتصادية والمناخية ولا تخضع لقوانين حماية العمل وتعتمد استمرارية الدخل على توفير فرص العمل وعلى الصحة البدنية التي تعتبر رأس مال الفقير ويعتمد توافر فرص العمل على عاملين هما نوعية المهارات التي تتطلبها فرص العمل وحجم الطلب عليها في سوق العمل لذا فإن تنمية الموارد البشرية وتطوير مهاراتها الإنتاجية تعتبر ركائز للخطة الخمسية الرابعة ولتعزز من النمو الاقتصادي الذي تنشده الدولة يجب التعامل بجدية على مواءمة الأيدي العاملة بمتطلبات السوق محلياٍ وإقليمياٍ في الدول المجاورة ورفدها بالمهارات التي تتطلبها ظروف سوق العمل المتغيرة..
في دراســـــة اقتــــصادية حديثــــة: انخفاض مســــتوى المعيـــشة لمعظŸ السان نتيجــة تطبيـــق المرحلة الثانيــة مــن الاصـــــلاحات الاقتـــــصادية
التصنيفات: تنميـــة