الدتور الصلاحي:
الوحدة والديمقراطية عنوان مشروعنا الحضاري
تب/ صادق السماوي:
> قال الدكتور فؤاد الصلاحي استاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء أن اليمنيين جميعاٍ هتفوا عام 1990م لإعلان الوحدة ورسموا آمالاٍ عريضة بأن الوحدة ستعزز خيرات المجتمع والدولة وستنعكس إيجابياٍ في حياتهم انطلاقاٍ من رغبتهم في تجاوز الشطرية إلى نظام سياسي مدني تتسع فيه الحقوق والحريات ويرتكز على مبدأ المواطنة المتساوية..
واشار الدكتور الصلاحي في ورقة عمل حول »الاندماج الاجتماعي والسلم الأهلي في اليمن« قدمها في الندوة التي نظمها مؤخراٍ مركز الدراسات والبحوث اليمني إلى أن ما عزز الأمل لدى اليمنيين هو اقتران إعلان الوحدة بالديمقراطية الأمر الذي شكل في تصورهم خروجاٍ من أزمات التشطير بدلالاتها التصادمية بين الحاكم والمحكوم وبين الحكام في الشطرين وتجاوز أزمات النظام الشطري اقتصادياٍ وسياسياٍ وتداعيات الصراع بين الشطرين وعواقبها وتطلعهم لجمع الخيرات وتضافر الجهود والخبرات من أجل إعادة بناء الدولة المدنية وما يترتب عليها من ولوج اليمن إلى الحضارة العالمية ولكن اتتت حرب الانفصال صيف 1994م وكان لتلك الحرب كلفة بشرية واقتصادية عالية أثرت سلبياٍ في معيشة المواطنين ومع تزايد مظاهر الفساد وضعف النمو الاقتصادي وانسحاب الدولة من المجال الاجتماعي في إطار تبني اقتصاد السوق إضافة إلى مظاهر الاحتراب القبلي واختطاف السياح وظهور تنظيم القاعدة كل ذلك أثقل كاهل المجتمع والدولة وبالتالي أضعف عملية الاندماج الاجتماعي والسياسي وخلق اهتزازاٍ كبيراٍ في عملية السلم الأهلي وأضعف صورة الدولة في الخارج.
بناء الدولة الحديثة
واضاف الدكتور الصلاحي أن الوحدة يجب أن تكون أداة للبناء السياسي والإنمائي وفق شراكة بين ممثلي الوطن ولتحقيق ذلك يرى ضرورة الالتزام بتوسيع التمثيل السياسي في مختلف دوائر صنع القرار ولأننا نرغب بدولة موحدة وقوية فإن مرتكزاتها الأساسية تقوم على أعمدة المواطنة والديمقراطية والتنمية والتوزيع العادل لثمارها بين مختلف المناطق فالدولة أي دولة كي يمنحها المواطنون مشروعيتها يجب أن تجلب الخير إلى كل واحد منهم وأن تعبر عنهم بحيث يدركون بشكل مباشر وجودهم الاجتماعي في برامج ومشاريع إنمائية تحسن معيشتهم وتبلور وعيهم نحو أفق سياسي جديد.
ومضى إلى القول أن أخطر الأزمات التي تعترض دولة الوحدة هي ضعف الاندماج الاجتماعي والسياسي وتعرض السلم الأهلي لخطر الاحتراب والفوضى وغياب القانون والإفراط في العنف ولن يتم تجاوز هذه المخاطرة إلاِ ببناء دولة موحدة قوية وفاعلة يستند إلى دورها الإنمائي والمجتمعي الهادف إلى تعزيز مواطنة الأفراد والإعلاء من كرامتهم وتحسين مستوى معيشتهم ومن هنا ستختفي الدعوات والاتجاهات المناهضة للوحدة فالمواطنة المتساوية مرتكز أساسي في بناء الدولة الحديثة وقال أن الدولة التي نريد يجب أن تكون وطنية وحديثة ويجب أن تتخلص من طابعها الجهوي ووفقاٍ لذلك ستؤسس الدولة وجودها المعنوي والرمزي في وعي الأفراد وقناعاتهم وتؤسس وجودها المادي في الوقت نفسه..
واوضح الصلاحي أن الصعوبات الاقتصادية وفق متغيرات النظام العالمي وتأثيراته ووفق أخطاء السياسات الاقتصادية في الداخل قد أثرت بشكل مباشر على كل مواطن ومن هنا فإن من أوجب الواجبات ألاِ تترك الدولة المجتمع دون حماية اجتماعية وألا تتخلى عن مساعدته في مواجهة عيوب عمليات التحول.
مخاطر محدقة
وقال الدكتور الصلاحي أن المخاطر المحيطة باليمن داخلياٍ وخارجياٍ تكون مواجهتها بمزيد من الاندماج الاجتماعي والسياسي وتحقيق السلم الأهلي وهذا يتطلب دولة مدنية تقوم بوظيفتها الإنمائية في إطار مشروع سياسي وطني يعبر عن طموح كل أفراد المجتمع بالمواطنة والتقدم وحضور قوي وفاعل للدولة والمجتمع ككيان حضاري له فاعليته إقليمياٍ ودولياٍ وهذا يتطلب إرادة سياسية من النخبة الحاكمة نحو معالجة كل العوامل التي تضعف حضور الدولة وآلياتها القانونية والمؤسسية من خلال معالجات سريعة وحاسمة للفساد والتمييز في المواطنة والمعاملات التي تستند إلى المعايير القبلية والشخصية وضرورة النظر إلى الضعف في الأساليب التربوية ومقررات الدراسة في جميع المراحل حيث تغيب عنها مقررات التربية المدنية وثقافة حقوق الإنسان..
ويرى الصلاحي أن الدولة المدنية في أي مجتمع لها ثلاث سمات أساسية أولها أن تكون دولة مؤسسية تعتمد البنى المؤسسة كهيكل تنظيمي لتسيير دواليب الحياة اليومية والسمة الثانية أن تكون دولة قانونية تمنح الحق وفق آليات قانونية معروفة للجميع بعيداٍ عن موروثات القبلية وأعرافها والسمة الثالثة أن تكون دولة ديمقراطية.
ديمقراطية ناشئة
ولأن اليمن لا يزال في طور الديمقراطية الناشئة ولا يزال في طور العبور إلى الدولة الحديثة فإن الخروج من نفق الأزمات الداهمة المتمثلة في حركة التمرد الحوثية والمسألة الجنوبية وتنظيم القاعدة والأزمة الاقتصادية كل ذلك يتطلب مشروعاٍ سياسياٍ وطنياٍ ينظر إلى السياسة كمجال تكويني لبناء الدولة من خلال حضور كل الشركاء في الوطن وينظر إلى الاقتصاد بعقلية الإنتاج والتوزيع العادل للخيرات وليس بعقلية الغنيمة والاستحواذ وينظر إلى الثقافة بأفقها العقلاني المنفتح على العالم وليس وفق منظومة القبلية وزواملها الفلكلورية..
وأضاف الدكتور الصلاحي أنه لا أحد ينكر عظمة المشروع الوحدوي حال تحقيقه بمضمونه الاجتماعي والسياسي وحال انعكاسه على حياة الأفراد من خلال الارتقاء بحياتهم اقتصادياٍ واجتماعياٍ ومن ثم تعزيز وجودهم الاجتماعي ووعيهم بذلك فالوحدة ليست أغنية أو شعاراٍ بل مشروع يجب تحقيقه وفق مرتكزات وجودية يلمس أثرها كل أفراد المجتمع وهي بذلك تشكل مطلباٍ اجتماعياٍ واقتصادياٍ إضافة إلى كونها مطلباٍ سياسياٍ بل حتى مطلباٍ معنوياٍ تتعزز فيه مكانة اليمن واليمنيين في المحيط الإقليمي والدولي..
مشروع وطني
وقال: بعد عشرين عاماٍ من إعلان الوحدة يمكن القول أن الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي بكل أزماته وإفرازاته خلق اهتزازاٍ في وعي المجتمع تجاه مفهوم الوحدة وخلق تذمراٍ اجتماعياٍ إزاء مسارها السياسي وحاملها الاجتماعي الذي غاب وترتب على ذلك اهتزاز في عملية السلم الأهلي والذي إذا اختل تعرض المجتمع والدولة للتصدع وفقدان المشروع الناظم لهما..
ولذلك فإن إعادة النظر بطريقة عقلانية وحكيمة لواقع الدولة والمجتمع في اليمن في إطار واقع إقليمي ودولي متغير شديد الأزمات إنما يتطلب من النخبة السياسية الإدراك والوعي الكامل بمجمل المخاطر التي قد تهدد الكيان اليمني برمته والمسار الطبيعي لتجاوز كل تلك الأزمات هو اعتماد مشروع وطني لبناء دولة مدنية تستند إلى مبدأ المواطنة وتتسع فيها مجالات الحرية واحترام حقوق الإنسان وتحقيق ذلك يتطلب مشاركة الجميع وفق الآليات والأساليب المنظمة لعملية الشراكة بين مواطنين متساوين لا مجال للتمييز بينهم لأن واقع المجتمع بتعدده القبلي والطائفي والمذهبي يستلزم بالضرورة كياناٍ سياسياٍ وقانونياٍ يرتفع بالأفراد نحو مسار حضاري أرقى من حالة القبلية ومدلولاتها في الغنيمة والعصبية إلى حالة من المدنية ومدلولاتها في الحق والقانون والتنمية..
واعتبر الدكتور الصلاحي أن السلم الأهلي في اليمن بما يتمثل من وحدة وتماسك في الأرض والسيادة لا يأخذ بعده الحقيقي إلاِ من خلال وعي مشترك وثقافة تؤسس لقناعات حقيقية بالوحدة من هنا لابد من إعادة النظر في كيفية خلق ثقافة سياسية تغرس في الوعي الجمعي والفردي مفهوم الدولة ودلالاته وأهميته ولوازمه الدستورية والقانونية فالوحدة والدولة والديمقراطية عنوان لمشروع حضاري به نرتقي من حالة القبلية وبداوتها إلى الحالة المدنية بأفقها الحضاري..<
الدتور الصلاحي:
التصنيفات: الشارع السياسي