عشرون عاماٍ.. عام تلو عام.. وبلادنا تعيش في ظل الوحدة المباركة أدامها الله بعد أن ضمدت جراح الماضي ملبية نداء الاعتصام والاجتماع عشرون عاماٍ بحلوها ومْرها تبين من خلالها توافق أبناء اليمن شمالاٍ وجنوباٍ الذين جمعتهم وحدة العقيدة والأرض والتكوين بعد أن فرقتهم أيادي الاستعمار البغيض..
وها نحن اليوم بعد عشرين عاماٍ من إعادة تحقيق الوحدة المباركة نلتقي بالعلماء والدعاة وأهل الاختصاص الذين أكدوا على أهمية هذا المكسب العظيم ليس لأبناء اليمن فحسب ولكنه مكسب لكل مسلم.. أينما كان.. ولعل مرور عشرين عاماٍ على إعادة تحقيق الوحدة المباركة كفيل على التأكيد على أصالة أبناء اليمن في أن الوحدة اليمنية حقيقة ثابتة تعمقت في قلوب الجميع شمالاٍ وجنوباٍ وشرقاٍ وغرباٍ وأن المساومة عليها – لاشك – معادلة خاسرة لأن الأيام والسنين تتحدث بغير ما يظن المراهنون على استهداف وحدة البلاد..
استطلاع/بشير راوح
بداية يحدثنا الأستاذ الدكتور حسن الأهدل أستاذ أصول الفقه والحديث بكلية الشريعة جامعة صنعاء قائلاٍ: لاشك أن الوحدة ركيزة من ركائز المجتمع المسلم ولا يتحقق المجتمع الإسلامي إلا بوحدة الصف ولا شك أيضاٍ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أول ما أسس المجتمع المدني آخى بين المهاجرين والأنصار وامتن الله عليهم بذلك حيث قال: »وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاٍ ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم«..
ولا شك أن الوحدة خير وبركة خاصة وأنها لمت شمل أبناء اليمن جنوباٍ وشمالاٍ الذين شعروا بهذه النعمة الكبرى واعتصموا بحبل الله بعد أن كانوا متفرقين وهذا الأمر من أهم ما ينبغي أن يسعى المسلم لتحقيقه فيجب علينا ولاة وعلماء ووجهاء وجميع أطياف الشعب اليمني وجوباٍ شرعياٍ وضرورة بشرية أن نحافظ على هذه الوحدة لما فيها من خير وعبادة لله لأن الله عز وجل يقول »واعتصموا بحبل الله جميعاٍ ولا تفرقوا« ويقول جل جلاله »ولا تكونوا من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاٍ كل حزب بما لديهم فرحون« ولذلك لا ينبغي لهذا الشعب العظيم أن يفرط في هذه النعمة الكبرى كما يجب على الجميع أن يقفوا صفا واحدا ضد من يريد الإخلال بنعمة الوحدة..
واجب ديني
أما الدكتور عقيل بن محمد المقطري عضو جمعية علماء اليمن فيقول: إن إعادة الوحدة اليمنية نعمة جليلة من نعم الله عز وجل يجب الحفاظ عليها ويحرم العودة إلى تشطير البلد الواحد فالحفاظ عليها واجب ديني قبل أي اعتبار وإظهار الفرحة بها مشروع قال تعالى »قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يعملون« وإن مما يزيل النعم ويحل النقم ارتكاب المعاصي قال تعالى» لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد«..
ويقول الشاعر:
إذا كنت في نعمة فارعها
فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشكر الإله
فإن الإله سريع النقم
فانتشار الربا والخمر والزنا وسائر المخدرات وتبرج النساء واختلاطهن المشين مع الرجال وإبراز مفاتنهن للرجال ومحاربة السنة والاستنقاص منها عبر وسائل مختلفة مما يغضب الله عز وجل فيجب محاربة كل مظهر يغضب الرب جل وعلا ومما يثبت دعائم الوحدة الحكم بشرع الله ورفع المظالم عن المظلومين ورد حقوقهم التي سْلبت منهم ظلماٍ وعدواناٍ والعدل في توزيع المشاريع التنموية.. إلخ
إن أصوات النشاز التي دعت وتدعو للانفصال يجب عليها أن تخرس وكل الأصوات التي تدعو إلى ذلك ما هي إلا أفواه مأجورة من قبل الأعداء لتجزئة البلد إلى دويلات لكنهم يدغدغون عواطف العامة ويمنونهم بالخير والرفاه تماماٍ كما كانوا يعدونهم من قبل ثم أعطوهم الحنظل وآذاقوهم الأمرين بل ساموهم سوء العذاب وليسأل أولئك المغرر بهم آباءهم وأجدادهم عما لاقوه من هؤلاء إن الوحدة اليمنية تاج شرف على رأس كل يمني وكل مسلم لأنها لبنة في طريق الوحدة العربية والإسلامية والله الموفق..
أساس متين
باعتبار أن الوحدة مرتكز أساسي للبناء يحدثنا الشيخ حسن الشيخ وكيل وزارة الأوقاف والإرشاد لقطاع الحج والعمرة قائلاٍ: تمثل وحدة الأمة والمجتمع في الإسلام المرتكز الأساسي لبناء الأوطان وأمنها واستقرارها ونمائها وتقدمها وازدهارها لأنه تلاقت القلوب وتمازجت الأرواح وتوثقت العلاقات والصلات وتشابكت الأيادي بناءٍ وإعمارا وتلاشت أسباب الفرقة والخلاف والتباين والشتات وهذا الأساس المتين ما بنى الإسلام الأمة عليه وجعلها كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ونهاها عن كل أسباب الفرقة قال تعالى »ولا تكونوا كالذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاٍ«.. والوحدة اليمنية رجوع إلى أصل نشأة الأمة وطبيعة وجودها فالمحافظة على هذا الأصل واجب شرعي ومطلب حياتي وهي منطلق بإذن الله إلى وحدة عربية وإسلامية متى أحسنا التعامل معها وحمدنا الله على قيامها وشكرنا من سعى لتحقيقها ومن بذل النفس والنفيس لاستمرارها وبقائها.
مسؤولية الجميع
وعن أهمية الوحدة ومسؤولية الحفاظ عليها يتحدث الينا الشيخ الخضر بن عبدالملك الشيباني مدير عام مركز الكلمة الطيبة للبحوث والدراسات قائلاٍ:
الحمدالله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على خير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم تسليماٍ كثيراٍ.
الوحدة اليمنية من النعم الجليلة المباركة على الشعب اليمني كيف لا¿ وقد تم بها وحدة الأرض والتئام الشمل ونشر الأمن وكسر الحواجز ولو لم يكن للوحدة اليمنية سوى تقديم نموذج القدوة الحية المشاهدة للوحدة لامتنا العربية والإسلامية لكفي.
إن العالم اليوم بكل أطيافه ودوله وجماعاته يسعى للاندماج والتكتل ويحذر من التفرق والتشتت لأن العالم اليوم لا يقر ولا يعترف إلا بالأقوياء أما الضعفاء فيبقون دوماٍ تبعاٍ لغيرهم.
إن الحفاظ على الوحدة اليمنية مسؤولية الجميع وإن العمل على تلافي ما يهددها لا يكون إلا بالنصيحة الحقة والحوار المسؤول والقرار الجريء من جميع الأطراف حكاماٍ ومحكومين.
أسأل المولى عز وجل أن يوفق اليمنيين حكومة وشعباٍ للحفاظ على هذه النعمة وشكرها من خلال رفض كل دعوات المناطقية الطائفية والسلالية وأن نتوجه إلى بناء بلدنا وتربية أبنائنا للتحدي الحضاري والمشاركة في وحدة الأمة الكبرى بدلاٍ من إضاعة الوقت والجهد في الدعوات العنصرية والعصبية الجاهلية المقيتة والله من وراء القصد وهو يهدي إلى سواء السبيل.
بين الماضي والحاضر
وبما أن تحقيق الوحدة اليمنية يعتبر واقعاٍ عملياٍ للاعتصام بحبل الله تعالى يذكرنا الدكتور مانع حسين الهزمي مدير عام المركز الثقافي لدعوة الجاليات ببعض مساوئ العهد التشطيري قبل الوحدة ثم يذكرنا بفضل الوحدة مع بيان أهمية إصلاح ذات البين فيقول:
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
قال تعالى:
(واعتصموا بحبل الله جميعاٍ ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون).
فالوحدة اليمنية تمثل واقعاٍ عمليا للآية القرآنية السالفة الذكر خاصة وأن دستور الجمهورية اليمنية يؤكد على الاعتصام بحبل الله من خلال تثبيت الشريعة الإسلامية دستورا ومنهاجا كما أن من يتذكر حال البلاد قبل الوحدة يجد أن شطري الوطن كانا في صراع مستمر أزهقت فيه الأرواح وسالت فيه الدماء ودمرت فيه خيرات البلاد وأنفقت عليه أموال كثيرة كان يمكن أن تذهب في بناء البنية التحتية والنهوض بهذا الوطن.
فجاءت الوحدة المباركة لتتألف فيها قلوب أبناء الوطن الواحد ليصبحوا بنعمة الله إخوانا.. إن المؤمن الصادق يفرح بوحدة الأمة ويكره الفرقة فالوحدة خير عظيم والفرقة شر مستطير قال صلى الله عليه وآله وسلم »ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قلنا بلى يا رسول الله قال: إصلاح ذات البين وفساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين« رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن الصحابي الجليل أبي الدرداء رضي الله عنه والنص للترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
الاتحاد والجماعة
وعن الاتحاد والجماعة وسبل المحافظة على الوحدة يحدثنا الشيخ جبري ابراهيم حسن كامل مدير الإرشاد بأمانة العاصمة قائلاٍ:
الوحدة فريضة شرعية وضرورة وطنية ومطلب إنساني وبالوحدة تتحقق العبادة قال الله تعالى: (وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) والدين الإسلامي هو دين الوحدة والاتحاد والجماعة ولا يصح للإنسان ان يقول في صلاته إياك أعبد وإنما يقول: إياك نعبد وهذا تجسيد للوحدة والاتحاد والجماعة وجميع أركان الإسلام تجسد ذلك.. فالحج يكون في وقت واحد وفي زمن واحد ومكان واحد ولباس واحد وشعار واحد والصيام يكون فيه الإمساك في وقت واحد والإفطار في وقت واحد والمصلون يأتمون بإمام واحد ويتوجهون إلى قبلة واحدة والمولى جل وعلا يرشدنا ويدعونا إلى الاتحاد والوحدة قال تعالى: »واعتصموا بحبل الله جميعاٍ ولا تفرقوا«.
ومن هذه الآية يتضح لنا:
١- الدعوة إلى الوحدة
٢- التحذير من الفرقة والانفصال.
وفي آية أخرى »ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم«.
٣- إن الفرقة والانفصال سبيل من السبل التي تؤدي إلى النار لقوله تعالى (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها)
٤- إن الوحدة والاعتصام بحبل الله وبدينه نعمة يجب المحافظة عليها وللحفاظ على الوحدة يجب تمثْل الآتي:
١- نشر المحبة والسلام في عموم الوطن والأمة.
٢- نبذ التعصب الأعمى لأي حزب أو مذهب أو نصرة قبيلة أو عصبية جاهلية بل يجمعنا الوطن ويوحدنا الدين.
٣- عدم السخرية والاحتقار والانتقاص لأي فرد من أفراد الوطن.
٤- بث روح التكافل الاجتماعي والتعاون مع المحتاجين والفقراء والمساكين.
٥- القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الفساد..