متابعة/ صالح أحمد
تزامناٍ مع احتفالات بلادنا بالعيد الوطني الـ٠٢ لقيام الجمهورية اليمنية وإعلان الوحدة اليمنية بين شطري اليمن نظمت وزارة الإعلام ندوتها السنوية تحت عنوان »ندوة تطور الإعلام اليمني خلال ٠٢ عاماٍ« شارك فيها عدد من الأكاديميين والصحافيين والمهتمين بشؤون الفكر والإعلام بعدد من المداخلات والأوراق التقيمية لمسار تطور المؤسسات الإعلامية الحكومية والصحافة الأهلية وترسيخ حرية التعبير.. حضر الجلسة الافتتاحية وزير الإعلام الأستاذ حسن اللوزي بدأت الجلسة الأولى من أعمال الندوة التي ترأسها الأستاذ صادق ناشر مدير مكتب صحيفة (الخليج) الإماراتية في صنعاء فيها قدمت ورقتا عمل استهلها الدكتور أحمد العجل عميد كلية الإعلام في جامعة صنعاء بعنوان (تطور الإعلام اليمني في ظل الوحدة اليمنية) استعرض من خلاله التطور الإذاعي والتلفزيوني والتطور الصحفي والإعلامي بوجه عام خلال ٠٢ عاماٍ من عمر الوحدة اليمنية كما تناول مرحلة ازدهار الصحافة الأهلية والحزبية نتيجة لترسيخ النهج الديمقراطي وحرية التعبير في ظل السياسة الحريصة على إنجاح المسار الديمقراطي بالإضافة إلى التطور الكبير الذي يشهده الإعلام العسكري والأمني عبر دائرة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة مستعرضاٍ بذلك جانباٍ من تطورات الإعلام اليمني والتي بلورها في :
- التطور الملحوظ في التخطيط الإعلامي وتخطيط الدورات البرامجية وبحوث القارئية وبحوث المستمعين والمشاهدين وبحوث تحليل المضمون وقياس الرأي العام.
- هناك تطور ملحوظ للكادر الوظيفي للإعلاميين كما أن هناك اهتماماٍ متزايداٍ بالإعلاميين والحرص على الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة كنقابة الصحفيين اليمنيين وغيرها وهذه مزية لها أثرها النافع والبالغ الأهمية.
- التأهيل الأكاديمي والتدريب الإعلامي الذي يشهد نمواٍ وتطوراٍ كبيرين.
- كما يوجد قسم الإعلام بكلية الآداب بجامعة عدن والذي يحتوي على الثلاثة الأقسام إذاعة وتلفزيون علاقات عامة صحافة وإعلام كذلك قسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الفنون الجميلة بجامعة الحديدة إلى جانب أقسام الإعلام بالجامعات الخاصة وكذلك معهد التدريب الإعلامي التابع لوزارة الإعلام والذي سيتحول إن شاء الله إلى أكاديمية إعلامية يمنية.
- ومن حيث الخطاب الإعلامي يرى د. العجل تقييم ذلك التطور من خلال: الارتقاء بمستوى الخطاب الإعلامي الجماهيري المؤثر والمفيد في التغيير إلى الأفضل أي خطاب وطني تنموي نهضوي شامل وذلك من خلال التركيز على الأولويات التنموية والوطنية وترسيخ وتعميق الثوابت الوطنية وتلبية وإشباع اهتمامات واحتياجات ودوافع الجمهور.
- تعمل الحكومة على أن يقوم الدور الإعلامي الحكومي والحزبي والقطاع الخاص من منطلق الشراكة على مواكبة المتغيرات ومواجهة المنافسة الإعلامية والعمل على الاحتفاظ بجماهيريتها ومتابعتها والتناغم والتكيف الإعلامي مع المسار الديمقراطي.
- بناء رأي عام وطني واع ومستنير أسهم في حماية الوحدة والثورة والدستور والقانون إلى جانب تطور الإعلام اليمني حول مواكبة الجهود التنموية والإصلاحات المالية والإدارية والسيادة القضائية المستقلة ودعم جهود التطور والتقدم.
- التوعية والتوجيه والإرشاد والتنشئة والتربية والتعليم والتثقيف وتنمية الروح الحوارية والرأي والرأي الآخر في ضوء الثوابت والدستور والقانون ووقاية النشء والمجتمع من اختراقات الحرب النفسية من خلال التصدي للإشاعات والإرجاف والتيئيس وإثارة الخوف وافتعال الأزمات وغسيل الدماغ.
- محاربة الظواهر السلبية والممارسات الخاطئة والضارة سواءٍ السياسية أو الاجتماعية أو الأفكار الطائفية أو السلالية أو المناطقية أو التطرف والإرهاب.
- استطاع الإعلام- الحكومي- أن يكسر حاجز التوتر والتوجس والشكوك وأن يتخلص من الإبقاء أو الاحتفاظ بالمعلومات أثناء الأزمات ويظهر ذلك في المواجهة الأخيرة للمتمردين الحوثيين حيث كانت إدارته الإعلامية للأزمة جيدة فقطع الطرق على الشائعات وطرق الحرب النفسية وأظهر دوراٍ وطنياٍ مسؤولاٍ.
- تميز إعلام دولة الوحدة اليمنية بالعديد من الإيجابيات العظيمة منها على سبيل المثال:
- تعزيز حرية التعبير وحرية الصحافة وتعددها وتطورها ودعم استقلاليتها.
-نشأة وتطور الإعلام الإلكتروني أدى إلى تطور وظائف الاتصال الإعلامي.
- تطور الفنون الصحفية إلى جانب توظيف الخصائص الاتصالية التأثيرية الإقناعية لمختلف وسائل الاتصال الجماهيري في إبراز المعلومة عبر الرسالة الإعلامية الإلكترونية المثيرة والمؤثرة.
- سعي الحكومة لإقرار مشروع قانون الصحافة والإعلام المسموع والمرئي والإلكتروني الذي يلبي الطموحات التنموية وحرية التعبير المسؤول وحرية الرأي والنقد البناء وتنشيط الاستثمار الإعلامي ومأسسة العمل الإعلامي واعتماده على عائداته.
- مع سعي الإعلام الحكومي لترسيخ حرية التعبير وتعدد وسائل الإعلام إلاِ أن الحكومة تبذل قصارى جهدها بحكم مسؤوليتها في حماية سمو الرسالة الإعلامية من محاولة الانحراف بها من خلال:
- ترشيد مفهوم الحرية الإعلامية التي يجب أن تنضبط بمفاهيم وحقوق المسؤولية الاجتماعية وواجبات المواطنة والأخلاقيات المهنية الإعلامية والإلتزام بمواثيق الشرف الإعلامية.
- إن التطور الإعلامي في ظل الوحدة اليمنية أثمر خبرة تراكمية معرفية إعلامية يفتخر بها الجميع الأمر الذي يوجب على الجهات الإعلامية الحكومية والحزبية والربحية الاستفادة من تلك التجربة وتجنب مواطن الخلل وتعزيز الجوانب الإيجابية في التجربة وتحقيق المزيد من التطور الإعلامي.
ثم قدم الأستاذ سمير اليوسفي رئيس تحرير صحيفة الجمهورية ورقة بعنوان: »متغيرات الصحافة اليمنية في ظل التعددية السياسية والحزبية« منوهاٍ في مستهل مداخلته عن النقلة النوعية غير المسبوقة التي شهدتها الصحافة اليمنية بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في ٢٢ مايو ٠٩٩١م من خلال التحولات التقنية والتكنولوجية والعلمية حيث توسع مفهوم الصحافة ولم يعد مقتصراٍ على الصحف والمطبوعات الورقية والطرق التقليدية القديمة للعمل الصحفي بعد ثورة المعلومات والاتصالات وشبكات الإنترنت بمتغيراتها الهائلة الأمر الذي أصبح معه قانون الصحافة والمطبوعات الحالي الصادر قبل عشرين عاماٍ عاجزاٍ عن تلبية طموحات الصحافيين ومواكبة إعلام العصر وصار يشكل عبئاٍ على الصحافة والصحافيين بل إنه تحول إلى سيف مسلط على رقابهم.. وعلى ضوئه صار بإمكان أي شخص – حتى لو كان فاسداٍ أو مجرماٍ أو إرهابياٍ متطرفاٍ – جرجرة الكتاب ورؤساء التحرير من تعز أو عدن أو حضرموت – على سبيل المثال – إلى النيابة والمحكمة المختصة في العاصمة صنعاء في رحلات مكوكية يتكبدون فيها مشاق جسيمة وخسائر فادحة بتهمة سب أو قذف أو تشهير في مواضيع منشورة ومدعمة بالوثائق كان الأصل أن تتحول إلى بلاغات للنائب العام.. وفي حال مخالفتها يفترض التحقيق مع ناشرها في النيابة التي تقع مكانياٍ في النطاق الجغرافي لمقر الصحيفة.. ومن الطرائف أنه بعد صدور حكم بالحبس مثلاٍ يحبس المحكوم عليه في السجن المركزي في العاصمة صنعاء!!
وأضاف اليوسفي: إن القانون الحالي لا يأبه بما يمتلكه الكْتاب ورؤساء التحرير من الأدلة الواضحة على صحة ما تم نشره.. والجهات القضائية تلتزم بنص القانون وتمتنع عن النظر في مضمون ما يْنشر وأهمية ذلك وقيمته للمجتمع ولا تهتم بقيمة نشر شكوى صحيحة.. مرتكزة في ذلك على أن مكان الشكاوى هو النيابة والقضاء وليس الصحف..
وإذا كان الشيء بالشيء يْذكر فقد تم رفع قضية ضد صحيفة »الجمهورية« من قبل شخص نشرت الصحيفة أنه قام بتعذيب ابنته الصغيرة ذات الثمانية أشهر بصب الماء البارد على رأسها وإحراقها بالاستشوار وعلى الرغم من أن الشكوى مقدمة من الأم التي لا تزال في عصمة الأب وموثقة بخطها وصوتها وصور الطفلة وتقرير المستشفى والبلاغ للجهات الأمنية إلاِ أن نيابة الصحافة والمطبوعات اعتبرت النشر سباٍ وتشهيراٍ.
كما أن قانون الصحافة الحالي يدين رئيس التحرير مع الكاتب والمسؤول عن المطبعة التي قامت بالطبع إذا ما كانت المادة المنشورة مخالفة للقانون حتى ولو كانت مقالة تتضمن رأياٍ فكرياٍ أو تقدم موضوعاٍ يتضمن واقعة حقيقية يتحمل الكاتب مسؤوليتها وقد صدرت أحكام على بعض الزملاء بالحبس والغرامة والإيقاف عن الكتابة.. وهو أمر غير منطقي ولم يعد معمولاٍ به في كل الدول الديمقراطية وحتى في مصر – التي أخذ المشرع اليمني هذا النص من قانونها – تم مؤخراٍ إلغاء المادة التي تقرن رئيس التحرير مع الكاتب والمطبعة في المسؤولية!!
واسترسل بالقول: لقد أثبتت الصحافة اليمنية خلال العشرين عاماٍ الماضية أن الصحافة الحرة في بلادنا صارت وستبقى قوة وفعلاٍ مؤثراٍ في نمو الممارسة الديمقراطية.. وصار من المحتم إلغاء قانون الصحافة النافذ فهو – والحق يقال – يسيء لحرية التعبير وللديمقراطية الناشئة في بلادنا.. وما ينفعنا نحن الصحافيين أن كثيراٍ ممن نتناولهم لا يتعاطون مع القانون – إلا في ما ندر – وإلاِ لرفعت الأقلام وجفت الصحف وزج بناشريها في السجون.. وللإنصاف فإن وزارة الإعلام تتعامل بمرونة مع كثير من الصحف المخالفة لهذا القانون.. لقسوته ولا تلجأ إليه إلاِ في حالة الضرورة وإمعان تلك الصحف في الإساءة… ما يؤكد أهمية إلغاء العمل بقانون الصحافة النافذ مع تغيير المواد التي تجرم الكْتاب والناشرين في قانون الجرائم والعقوبات الجزائية وتتضمن عقوبات جسدية صارمة متعلقة بجرائم العلنية والتشهير حيث توجد (19) مادة في قانون الجرائم والعقوبات تعاقب على أعمال هي من باب الكتابة والنشر وبعضها يضع عقوبة الإعدام ومن ذلك المادتان (126) (129) من قانون الجرائم والعقوبات وهما خاصتان بجرائم أمن الدولة الداخلي والخارجي.. والأصل أن يتم استبدال هذه العقوبة بعقوبات أخف مثل الحبس أو الغرامة أو على الأقل وضع بدائل أخرى إلى جانب الإعدام تتيح للقاضي اختيار ما يتناسب وحجم الجريمة حيث لا يعقل أن يتساوى الجواسيس والعملاء مع المخطئين من الصحافيين لأن المادتين الحاليتين تحتمان على القاضي الاختيار ما بين الحكم بالإعدام والبراءة.
إن التطورات المذهلة والمتسارعة التي يشهدها عالم الإعلام والصحافة في وقتنا الراهن تفرض على المشرع في بلادنا العودة إلى القاعدة الشرعية التي تنص على أن الأصل في الأشياء الإباحة والتخفيف من كثرة القيود والمحاذير ما لم سنحشر أنفسنا في زوايا ضيقة ونحصرها في قوقعة من المحاذير فيما الجيران من حولنا صاروا يتعاطون مع الوسائل التقنية بمهنية واحترافية أكثر مرونة منا.. وعلى سبيل المثال أدخلت المملكة العربية السعودية خدمة الفيديو الهاتفي في الاتصالات مسجلة بذلك سبقاٍ كان يفترض أن تحققه بلادنا لأننا أدخلنا خدمة الهاتف المحمول قبلهم.. كما أن خدمات الأخبار القصيرة موجودة هناك وبشروط سهلة وميسرة.
وتأسيساٍ على ذلك يمكننا القول: إن قانون الصحافة النافذ يفترض إلغاء العمل به بل إنني أرى أن تمييز الصحافيين بقانون خاص بهم يعتبر تمييزاٍ سلبياٍ لأن الصحافيين كبقية المواطنين في الجمهورية اليمنية يتساوون معهم في الحقوق والواجبات والأصل ألا يكون هناك قانون للصحافة مهما كانت مغريات المميزات فيه.. وبالتأكيد فإن الصحافيين ليسوا منزهين عن الأخطاء والعيوب ربما أن بعضهم أسوأ من غيرهم من المواطنين.. والعقل والمنطق يوجبان على المشرع عدم التمييز سلباٍ أو تغيير المواد التي تتضمن عقوبات جدية صارمة في قضايا الرأي والنقد.. التزاماٍ بتوجيهات فخامة الأخ رئيس الجمهورية الواضحة بهذا الشأن للجهات المعنية عام 2004م التي قضت بإلغاء حبس الصحافي في قضايا الرأي.. مع التأكيد أن توجيهات فخامة الرئىس بإلغاء حبس الصحافيين لا تعني حبس الصحافيين في القضايا المتعلقة بالآراء والأفكار أما المتعلقة بحقوق الناس أو المنتهكة حرياتهم وأموالهم وأعراضهم فالصحافيون مثلهم مثل غيرهم ينبغي أن يخضعوا لحكم القانون وقد تصدر عليهم أحكام بالحبس أو العقوبات الجسدية.. وعلى سبيل المثال يمكن أن يحبس الصحافي في قضايا القذف أو التشهير أو تجريح الآخرين واتهامهم بتهم يعاقب عليها القانون مثل قذف المحصنات أو اتهام الأشخاص بالزنا دون توافر الأدلة القانونية الكافية.
وفي الجلسة الثانية من أعمال الندوة التي ترأسها الأستاذ حسن عبدالوارث رئيس تحرير صحيفة »الوحدة« قْدمت ورقتا عمل استهل الأولى الأستاذ ناصر أحمد يحيى بعنوان: »الأداء السياسي للإعلام الرسمي اليمني خلال 20 عاماٍ من الوحدة« وهي خلاصة ورقتين أعدهما الكاتب الأولى بعنوان: »حيادية الإعلام الرسمي اليمني ومدى اتساقه مع طبيعة النظام السياسي الديمقراطي التعددي« ونشرت في التقرير الاستراتيجي اليمني عام 2002م. والأخرى ورقة بعنوان: »أداء وسائل الإعلام الرسمية اليمنية للانتخابات الرئاسية والمحلية 2006م« وعن الإطار القانوني للإعلام الرسمي بعد الوحدة استعرض الكاتب في ورقته عدداٍ من المواد التي تمثل مرجعية واضحة تؤكد على حرية الإعلام الرسمي وعدم جواز إخضاعه لسيطرة حزب واحد والسماح لجميع الأحزاب باستخدامه للتعبير عن مواقفها.
وفي ما يختص بتعامل الإعلام الرسمي بحيادية مع الأحزاب السياسية فبصورة عامة هناك تحيز واضح في معالجة الشؤون الحزبية لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم من ناحية وسائر أحزاب المعارضة الأخرى ولا سيما تلك الأحزاب التي تعارض السياسات الحكومية الاقتصادية..
وهناك مظهر ثان للتحيز الإعلامي الرسمي يتمثل في التغطية الإخبارية لنشاطات الأحزاب حيث تحظى النشاطات والفعاليات الحزبية لحزب المؤتمر الشعبي الحاكم ومؤسساته الحزبية أو تلك التابعة له بصورة غير مباشرة بتغطية متميزة ولا سيما في المؤتمرات الحزبية العامة التي يبثها التلفاز كاملة ولو تجاوز البث زمن نشرة الأخبار الرئيسية وأدى إلى تغيير شامل لفقرات البرنامج المعتاد يومياٍ! وفي المقابل فإن نشاطات أحزاب المعارضة – مؤتمراتها الحزبية تحديداٍ – يتم التعامل معها في أدنى حدود الاهتمام والتغطية الإعلامية المبسترة للمضامين.
وفي الصحافة الرسمية تخصص الصفحات الأولى بعناوين بارزة لاستعراض المؤتمرات الحزبية العامة للمؤتمر الشعبي فيما يتقلص الاهتمام الممنوح لأحزاب المعارضة إلى حدود دنيا متفاوتة وعلى الرغم من أن المبرر المفهوم من ذلك هو وجود شخص الأخ رئيس الجمهورية في هذه الفعاليات باعتباره رئيساٍ لحزب المؤتمر الشعبي العام إلاِ أن المقام كان يفترض تقديم القدوة في استخدام الإعلام الرسمي بحيادية أو بتوازن يمنح التوجه الديمقراطي التعددي مصداقية كبيرة عند الجماهير وعند المراقبين وفي كل الأحوال يمكن للإعلام الرسمي أن يمنح الأحزاب الأخرى مساحة التغطية نفسها التي يمنحها للحزب الحاكم إذا كان ولا بد من تغطية نشاطات كاملة للحزب الحاكم لأعراض بروتوكولية.
وفي مرات عديدة تبث وسائل الإعلام الرسمية أو تنشر أخباراٍ وتقارير عن نشاطات حزبية خاصة يقوم بها حزب المؤتمر الحاكم أو فروعه أو الجمعيات والمنظمات المحسوبة عليه مثل حفلات الزفاف الجماعية أو توزيع المواد الغذائية للفقراء أو صدور مطبوعات… إلخ في ما لا تكاد تحصل الأحزاب الأخرى على مثل هذه التغطية بحجة أنها نشاطات حزبية!
وقليلاٍ ما تستضيف وسائل الإعلام الرسمية رموز المعارضة للمشاركة في برامج القنوات التلفزيونية والإذاعية أو تتحاور مع قياداتها ورموزها في الصحف الرسمية وفي بعض الحالات عندما يتم استضافة الشخصيات من الأحزاب الموالية له في الحالات القليلة التي يتم فيها استضافة شخصيات من أحزاب المعارضة البارزة يكون الأمر – غالباٍ – من أجل مناقشة قضايا خارجية كالقضية الفلسطينية أو الأزمة العراقية..
أو قضايا عامة لا يوجد بشأنها خلافات حادة أو تباينات واضحة مثل قضايا الثأر والتطرف الفكري وإدانة أعمال الاختطافات والعنف ضد السياح.
وإجمالاٍ فمظاهر التحيز الإعلامي تتلخص فيما يلي:
- نشر أخبار منحازة لحزب المؤتمر الشعبي الحاكم بشأن الخلاف – على سبيل المثال – حول توزيع حصص الأحزاب في لجان القيد والتسجيل للانتخابات.
- نشر افتتاحيات في الصحف الرسمية ضد أحزاب المعارضة تتهمها بتجاوز الدستور والقانون والاتصال بجهات خارجية والتشكيك في نشاطاتها ومواقفها وفي بعض الأحيان تصدر هذه الافتتاحيات باسم قيادات بارزة في الحكومة والحزب الحاكم.
تطبيق حظر شامل – إلاِ في النادر – على أحزاب المعارضة وعدم السماح لها بتوضيح مواقفها وردودها على الحكومة أو اللجنة العليا للانتخابات والرد على الانتقادات والاتهامات الموجهة إليها.
وفي ورقته المعنونة بـ»الإعلام اليمني في ٠٢ عاماٍ« أوضح الإعلامي الكبير الأستاذ جميل محمد أحمد – مدير عام البرنامج الإذاعي الثاني »إذاعة عدن«: أن تاريخ الإذاعة في اليمن يعود إلى مرحلة ما قبل الوحدة بين شطري اليمن وخصوصاٍ إبان الحكم الإمامي في شماله والاحتلال البريطاني في جنوبه.
ومع قيام الوحدة اليمنية شهد الإعلام توجهاٍ كبيراٍ في الانتقال به إلى مجالات أوسع مع النواحي الفنية والسياسية والبرامجية وقد تم إعادة هيكلة إذاعة المكلا مرة أخرى كما تم التوجيه بالتوسع في استحداث الإذاعات المحلية في المحافظات حيث افتتحت إذاعة حجة عام ٤٠٠٢م وابتداءٍ من العام ٥٠٠٢م قررت الحكومة اليمنية إنشاء إذاعات محلية في جميع محافظات الجمهورية الأخرى كخطوة توسعيه تهدف إلى تطوير وتوسيع البرامج الإعلامية الهادفة التي تخدم مختلف أغراض التنمية الشاملة فقد تم افتتاح إذاعة صعدة وإذاعة محلية أخرى في مارب.
وأضاف في ورقته: لقد شهد تاريخ نشوء وتطور الإذاعة في كامل الأرض اليمنية حركة دؤوبة من النشاط والتجديد سواءٍ في مجال الأجهزة أو الكوادر أو المباني والمنشآت حتى وصل اليوم إلى امتلاك حرفية تقنية متقدمة في استخدام وسائل العمل الرقمي الإلكتروني مواكبة لعصر العلوم المعاصرة في هذا المجال وإلى جانب اتساع رقعة انتشار بثها من مجال الإرسالات الإذاعية الأرضية واللاسلكية إلى مجال البث الفضائي ومواقع الانترنت أصبحت اليوم في متناول كل المستمعين داخل الوطن وخارجه ليغطي الإرسال الإذاعي عموم الأرض اليمنية وعموم مناطق العالم.
لقد بات يتوافر في مجال الإعلام اليمني المسموع قاعدة عريضة من الإذاعات قوامها اليوم ٣١ إذاعة منها إذاعتان وطنيتان هما إذاعة صنعاء »البرنامج العام« وإذاعة عدن »البرنامج الثاني« إلى جانب ١١ إذاعة محلية تنتشر في عدد من المحافظات اليمنية وقد لعبت هذه الإذاعات الوطنية والمحلية منذ تأسيسها دورا قيما في توسيع قاعدة العمل الإبداعي في مختلف مجالات العمل الإعلامي الإذاعي.
بعد الوحدة اليمنية تم دمج كل من هيئة الإذاعة والتلفزيون في شماله ضمن مؤسسة جديدة أطلق عليها المؤسسة العام اليمنية للإذاعة والتلفزيون وكانت أهدافها تتلخص في:
- توجيه الإعلام لحماية الوحدة والحفاظ على مكتسباتها المجسدة لأهداف الثورة اليمنية.
- سرعة الدمج المادي والبشري واستكمال بناء المؤسسة وفق هيكلها الجديد.
- تحقيق وحدة التكامل بين أجهزة البث والإرسال التلفزيوني.
ولعل التطور المتسارع في استراتيجية العمل الإعلامي اليمني يشكل أحد الأهداف التي تسعى المؤسسة العامة اليمنية للإذاعة والتلفزيون إلى تحقيقها كتأكيد لحضورها الفاعل وإسهامها المؤثر في خدمة الثوابت الوطنية وتعزيز مفاهيم دولة النظام والقانون وترسيخ مضامين الوعي الجماعي في خدمة قيم العمل الوطني والتأثير الخلاق في إنجاح خطط التنمية الشاملة بمستوياتها ومجالاتها المختلفة حيث تلعب الإذاعة اليمنية دوراٍ فاعلاٍ في نشر الوعي التنموي والسكاني وترسيخ قيم الثقافة الوطنية والتراث الوطني والإسلامي والعربي العريق.
إن اليمن تمتلك اليوم باقة فضائية استطاعت أن تستوعب قدرات هائلة للبث الفضائي المرئي والمسموع الأمر الذي مكن من تعزيز القدرات الفنية للقناة الفضائية التلفزيونية اليمنية وتحديث قدرات قناة عدن التلفزيونية لتصبح قناة فضائية واستحداث قنوات فضائية أخرى رسمية هي الإيمان وسبأ إلى جانب مشاركة القطاع الخاص في بث قنوات فضائية أخرى كما أن التطور الرقمي قد أسهم خلال الأعوام القليلة الماضية في تحسين نوعية الإنتاج الإعلامي المرئي والمسموع من أخبار وبرامج ونقل مباشر ودراما وتسجيلات متنوعة وكذا قدرات الكوادر الإعلامية من محررين ومعدين ومذيعين ومراسلين ومخرجين وفنيين في مختلف مجالات الهندسة الإلكترونية التي تتعامل اليوم مع آخر التطورات العلمية التي تفرض عليها التعامل مع بقية القنوات الفضائية بنفس المستوى الذي يتطور باستمرار.
أما على صعيد الإعلام المقروء فقد كانت مدينة عدن أحد مرتكزات نشوء النشر والطباعة التي يشتق منها صدور العديد من الصحف اليومية والأسبوعية والشهرية السياسية والثقافية والأدبية والاجتماعية.
غير أنه وعلى مدى الأعوام العشرين الماضية تزايدت أعداد الصحف والمجلات الصادرة في اليمن حيث تصدر اليوم أكثر من ٤٧ من الصحف والمجلات اليمنية اليومية والأسبوعية والشهرية والموسمية الرسمية والحزبية والمستقلة في شتى مجالات الحياة.
وبالمثل فقد كانت اليمن سباقة في المنطقة في استخدام وسيلة نقل الخبر عبر وكالة أنباء عدن ووكالة أنباء سبأ منذ عام ٩٦٩١م.
بكل هذا التاريخ العريق للإعلام في اليمن فإن تحقيق الوحدة اليمنية في الثاني والعشرين من مايو عام ٠٩٩١م قد أتاح للإعلام مجالاٍ أوسع لتعزيز دوره الوطني ومساحة واسعة ليحقق دفعا قوياٍ في انتشار وتعدد الرؤى والتعبير بصورة أكبر عن واقع الحياة في المجتمع مهما كان هذا المستوى في المهنية والمصداقية والقدرة على إيصال الرسالة الإعلامية القادرة على الارتقاء بالمستوى الثقافي والفكري والحضاري للمواطن اليمني.
وعن تحديات الإعلام اليمني في مجالات ثورة المعلومات والاتصالات يرى الإعلامي الإذاعي الأستاذ جميل محمد أحمد: أن أمام الإعلام اليمني اليوم تحديات كبيرة سواء في مواكبة التطور التقني المتسارع أو من خلال الالتزام بالمهنية التي تساعده على إيصال الرسالة الإعلامية التي تعمل على تغيير سلوك المجتمع إلى الأفضل وتخلق أجواء التماسك وروح الحب للوطن بين صفوف الأجيال الذين تتنازعهم أطياف التناقضات القادمة من الثقافة الواردة وعبر الأجواء المفتوحة للقنوات الفضائية التي تحمل في كل دقيقة أسوأ ممارسات السلوك اللاإنساني ونشر الفساد بأشكاله المختلفة.
إن الإعلام اليمني وفي ظل ما تحقق له خلال الأعوام العشرين الماضية من خطوات هامة وكبيرة في مجالات التقنية والمساحات الواسعة للديمقراطية التي يؤمل أن تتعزز في ظل صدور قانون الصحافة وقانون الوسائل السمعية والبصرية ينبغي أن يركز بصورة أكبر على رفع مستوى كفاءة الكوادر التي تشكل البوتقة الأساسية لتطور عملية التوعية والتنمية الإعلامية البشرية..