في نهاية عقد الثمانينيات وبالذات في شهر رمضان المبارك من ذلك العام.. استدعاني الأستاذ محمد ردمان الزرقة رحمه الله إلى جامع »الأسطى« في الجراف.. ولأول مرة في حياتي أرى القلق مسيطراٍ على كل حواس الرجل.. قال بصوت هادئ وعيناه ترمقانني: اسمع يا أخي.. أريد أخذ رأيك في أمر يخصك أنت ولك كامل الحرية!!
القيادة السياسية كما تعلم ستصدر صحيفة باسم »الوحدة« وأْخترت أنا رئيساٍ لتحريرها – مديراٍ عاماٍ للمؤسسة.. فإذا ارتأيت الانضمام إلى هيئة التحرير فالرأي لك¿!
قبلت العرض.. وعلى بركة الله توجهت بعد توزيع المهام الصحافية بيني وبين المرحوم الزميل عبدالله سعد إلى عدن.. كانت زميلتنا قدرية الجفري ضمن الطاقم اختار كاتب السطور الجانب الاقتصادي.. واختار ابن سعد الجانب السياسي.
ومن حسن حظ الزميل الراحل عبدالله سعد أن أحد أقاربه استضافه.. أما أنا فقد تورمت رجلاي وذقت الأمرين باحثاٍ عن فندق وأخيراٍ استقر بي المقام في فندق »روك« الصخرة »26 سبتمبر« في التواهي.. ورغم شبه الانعدام وغلاء أسعار المواصلات إلا أنني إثر أن استقر بي المقام في إحدى غرف الفندق المتواضعة استطعت إنجاز المهمة.
كان إرشيف صحيفة الرابع عشر من أكتوبر هو المعين الوحيد الذي استطعت من خلال الاستعانة بمحفوظاته تكوين فكرة عن الاقتصاد ولو أن المعلومات كانت نظرية!!
وأبحرت في ملفات الجريدة واستطعت أن انتزع أسئلة تعينني على إنجاز مهمتي.. وكانت الزميلة قدرية الجفري خير معين وفي إطار ذلك أرشدتني للمصافي وغيرها من المنشآت وعارفت بيني وبين القائمين على هذه المنشآت.. وتعمقت في الحياة الاقتصادية وصعوبتها.. وأخذت أجري سلسلة من التحقيقات وأجمع المعلومات من الواقع المعاش.. كانت المواصلات العامة هي وسيلتنا للتنقل وأحسست في نهاية المطاف بصعوبة مواصلة الرحلة.. لكن الزملاء أذكر منهم »أبو راس« والوحصي وغيرهما.. قد طمأنوني بعض الشيء.. ورغم المواد المكثفة التي تحتوي عليها آلة التسجيل بأشرطتها وهي ليست بالقليلة!! كان في نهاية ممر الطابق الذي أسكنه تلفون.. وذات ليلة سمعت صوت الأخ العزيز الأستاذ محمد شاهر حسن يهاتفني ويطلب زيارته والوفد الذين حل بهم المقام في »الشاليهات«!!
كانت الكانديشنات »النفاثة« بصوتها الخارق لطبلات الآذان قد جعلتنا ننزوي على شاطئ البحر.. سرقنا الوقت فعرض الوفد علي المبيت هناك ولكن المشكلة كانت تكمن في عدم وجود سرير إضافي!!
واصلت المشوار عودة إلى حيث أقيم ونتيجة لانقطاع المواصلات الخاصة والعامة استغرق المشوار إلى الفندق ساعتين!!
التقيت أحد الإخوة عرفته لأول مرة.. بجانب فندق »عدن« وسألني هل عندك الليلة نوبة¿¿
فجأة أجبت نعم.. معتقداٍ أني من أعضاء ما كانت تسمى بـ»الجبهة«.. الساعة تقترب من الثانية بعد منتصف الليل والفندق قد أْغلقت مصاريعه وبعد مفاوضات مع الحارس فتح الباب لأتسلل خلسة إلى الداخل وفي قرارة نفسي نويت العودة بعد أن اكتملت مهمتي.
شهق قائد الكتيبة الأستاذ محمد الزرقة.. وقال والقلق غالبَ عليه أكثر من ذي قبل.. سبع وإلا ضبع¿! واستقرت سريرته بعد أن علم بالحصيلة.. وتابع وأين عبدالله سعد¿!
– سيلحق في رحلة قادمة لأنه مايزال مرتبطاٍ بآخر المواعيد.. تنفس الرجل الصعداء ليلة الـ22 من مايو 1990م والجريدة وطاقمها ورئيس التحرير نعمل كخلية نحل.
وكان أول ميلاد لـ»الوحدة« يجسد الرأي والرأي الآخر مع قيام الجمهورية اليمنية قبل عشرين عاماٍ..
علي الأشموري