د.حسن مدن
يبدو من العبث أن يجادل الإنسان مع الفكرة السائدة التي تصف عصرنا بأنه عصر المعلومات . إنه فعلاٍ كذلك . ولكننا في غمرة تردادنا لهذه الفكرة – البداهة من النادر أن نتوقف ملياٍ أمام ما تستدعيه من تأملات وهو أمر يطبع سلوكنا إزاء ما نعده بديهيات . من العبث الجدال مع هذه الفكرة لأن كمية ما يصلنا من معلومات أو في وسعنا الوصول إليه من معلومات هو من الضخامة بحيث أن الأمر يبدو في حالات كثيرة فوق طاقتنا على الاستقبال أو أن هذا الكم الهائل من المعلومات فائض عن الحاجة أعني حاجتنا نحن. وحين نكرر وصف العصر بأنه عصر المعلومات فإننا نرمي إلى أحد أمرين. إما تمجيد هذا العصر وكيل الثناء على ماوصلت إليه الإنسانية من تقدم وإما رثاء حالنا المتخلف الذي يجعلنا في عزلة عن العصر وقد نرمي إلى الأمرين معاٍ لعقد المقارنة بين حال العالم وحال »نا« نحن الذين مازلنا أسرى وضع بائس يجعل إمكانية استفادتنا من ثورة المعلومات محدودة للغاية. بيد أن الأمر ينطوي على جانب آخر لم يولِ مايستحقه من عناية بعد هو »صناعة« المعلومات وقد يبدو المصطلح غريباٍ بعض الشيء إذا ما تعامل المرء مع المعلومة بوصفها حقيقة مطلقة مغفلاٍ أنها في جانب مهم منها صنعة.
نعني بالصنعة أن من يروج المعلومة هو في غالب الأحيان خالقها والمعلومة يمكن في هذه الحال أن تكون محض ذاتية يمكن أن تكون مغرضة وغير أمينة وغالباٍ ما تنطوي المعلومات الصحيحة أو التي تبدو صحيحة على معلومة جوهرية واحدة خاطئة تنسف ما عداها من معلومات صحيحة.
لا نريد أن نقلل من أهمية المعلومات ولا من دورها في تقدم الأفراد والأمم وفي توسيع المدارك لكن علينا أن ننتبه إلى خطورة الرأي الذي يمجد هذه المعلومات بوصفها معلومات لا أكثر . وفي هذا الزمن حيث تتوفر وسائل استجلاب المعلومة
وخاصة عبر شبكة الإنترنت ينشأ نمط من الناس يبدون معلوماتيين بامتياز ولكنهم في الجوهر غير مثقفين لأن كمية المعلومات التي يمكن استدعاؤها حتى لو كانت هائلة لا قيمة معرفية كبرى لها إن هي لم تندرج في سياق للمعرفة ضمن منهج للتفكير والرؤية وفي بعض الأحيان نقرأ مقالات لكْتاب فنذهل لحجم مافيها من معلومات وبيانات وأرقام لكننا خلف كل هذه البيانات لا نرى فكرة أو موقفاٍ أو رؤية. كان الباحث في السابق الذي يجاهد من أجل الحصول على المعلومة من الكتب والمصادر المختلفة يطور في مسعاة أدواته البحثية ويوسع معارفه.
أما اليوم فإن شبكة الإنترنت وسواها من وسائل تقدم المعلومات والبيانات الجاهزة نتلقاها دونما جهد يذكر دون أن تدقق في محتواها ونتفاخر في ما بعد بكمية ما لدينا من معلومات رغم أنها معلومات باردة محايدة بلا روح وفي أحيان كثيرة غير دقيقة وحتى مغرضة.
كان المثقف في السابق يشكل مدماكاٍ مدماكاٍ ويبنيها طوب وراء طوبة لذا تأتي هذه الثقافة متينة وراسخة دلالة قوة التأسيس. اليوم يمكن للإنسان أن يعبئ دماغه بالمعلومات والبيانات دون أن يقرأ كتاباٍ واحداٍ. وهذه ليست دعوة للعودة للوراء كما أنها ليست دعوة للاندفاع للأمام إنها ليست أكثر من توصيف لحال يبهرنا شكله عبر ضخ المعلومات الواسع فيه ولكن المعلومات وحدها ليست ثقافة ولا يمكن أن تشكل ثقافة أن أتت خارج نسق يضم شذراتها لتوظف في معرفة وعلم يرمي لتغيير واقعنا نحو الأحسن. ونحن نحتاج للمعلومات ولكن ثمة أسئلة أخرى مهمة يتعين علينا البحث عن أجوبة لها في هذا السياق: أي معلومات نريد وأية آلية توظف هذه المعلومات في خطط للتنمية على كافة الصعد هذا إذا كنا جادين في وضع هذه الخطط..