عندما زارت ملكة بريطانيا (اليزابيت) مع زوجها (دوق أدنبرة) عدن في منتصف الخمسينيات من القرن المنصرم أمرت ببناء مستشفى كبير في خور مكسر سمي أنذاك بمستشفى الملكة.
وسمي بعد الاستقلال »مستشفى الجمهورية« كما أمرت بمنح العلاجات مجاناٍ لرواد المستشفى من المرضى والذين استفادو من المستشفى أكثرهم من أبناء الشمال حيث كانوا يشكلون 80٪ من سكان محافظة عدن ناهيك عن القادمين من الشمال للعلاج بشكل شبه يومي من كافة المناطق الشمالية وكم ازدهرت عدن أنذاك من كافة النواحي خاصة الاقتصادية ونعم اليمنيون بالرخاء الذي لم يعهدوه إطلاقاٍ حيث كان التجار وأصحاب المحلات المختلفة والأساتذة والعمال سواء في البر أو البحر عند قدوم البواخر السياحية الكبيرة العملاقة ليزودوها بما تحتاجه عبر اللنشات أو القوارب الصغيرة.
هؤلاء العمال من أبناء المناطق الشمالية دون غيرهم حينما كنت في المرحلة الإعدادية في المدرسة الأهلية في التواهي وكم يحلو للمرء في هذه الفترة العصيبة أن يعيد شريط الماضي خاصة إذا كان ذلك الماضي يستحق التذكار ولا أزال أتذكر أن سائق الملكة (اليزابيت) كان هو نفس سائق المندوب السامي البريطاني من أبناء محافظة تعز شقيق وزير الإعلام في حكومة الاتحاد الفدرالي للجنوب العربي أنذاك وقد مْنح هذا المنصب بعد فوزه في المجلس التشريعي العدني حاله حال محمد علي المقطري رجل الأعمال الشهير والمقاول الكبير.
أردت عزيزي من خلال هذا الطرح أن أوضح البون أو الفرق الشاسع بين الديمقراطية الغربية أو بالأحرى المواقف الإنسانية التي يتحلى بها الإنسان الغربي. ملكة بريطانيا عندما زارت عدن كان يحلو لها أن تتابع كل صغيرة وكبيرة وذات يوم وجهت سؤالاٍ لسائقها تسأله عن عدد أولاده. رد عليها: لدي أربعة أولاد وبنت مصابة بالبكم وهذا الذي حفزها على بناء المستشفى المذكور في بداية هذا الموضوع أيضاٍ أمرت بسفر ابنته إلى بريطانيا للعلاج. إن ما نشاهده اليوم من ازدحام شديد في المستشفيات الحكومية يجعلنا نضرب أخماساٍ في أسداس نتيجة للمعاناة التي يتجرعها المرضى لعدم مقدرتهم على شراء بعض العلاجات وبالرغم من العدد الهائل للمستشفيات لكن تلك المستشفيات ما هي إلا لذوي الجاه والسلطان وأصحاب الأرصدة وللوزراء وأولادهم والناس الميسورين أما عامة الشعب من كبلتهم الفاقة والفقر فإلى الجحيم. استطيع القول أننا لم نعرف الإنسانية سوى عبر أجهزة الإعلام بحكم أننا لم نصل بعد إلى تربية النفس تربية صحيحة فمهما تعلمنا وتثقفنا إلاِ أن سلوكنا اليومي في ما بيننا عند التخاطب يبدو وكأننا من سكان الغاب.. أيضاٍ تفشي الفساد المالي والإداري في المؤسسات والشركات الحكومية وتفشي النهب والسرقات والتباهي ببناء الفلل والقصور الراقية. فتشاهد على سبيل المثال موظفاٍ بدرجة مدير إدارة أو مدير عام أو مدير فرع لا يمضي على توظيفه أكثر من عامين أو ثلاثة أعوام إلاِ وقد بنى فلة فاخرة تشبه قصور الأليزيه في فرنسا أو قصور باكنجهام في بريطانيا أما إذا كان من مدراء المصانع الحكومية فلا يمر عليه عام واحد فقط من بداية توظيفة إلاِ وقد بنى مصنعاٍ آخر في محافظة أخرى خاصا به. لقد عرفنا سابقاٍ أناساٍ كانو موظفين كباراٍ أعلى من درجة مدير عام ولا تزال بيوتهم متواضعة إلى أقل من طابق واحد تشبه الاصطبلات هذه هي النخوة والمثالية وعفة النفس.
إذنú لماذا حكومتنا الرشيدة لم تفتش عن أمثال تلك العناصر المستقيمة¿ أين نحن من التربية¿ تربية النفس وحرصها على المال العام الذي هو مال الشعب.يحدث هذا في المؤسسات والشركات العامة وأفراد الشعب خاصة من المتقاعدين يموتون من المرض لعدم مقدرتهم على شراء أو دفع قيمة العلاج. وأين هو التأمين الصحي للمتقاعدين¿ إن علاج متقاعد يساوي في السنة ما يساوي قيمة القات الذي يشتريه ذلك المدير لليوم الواحد.
نسوا أنه لولا المتقاعد لما وصلوا إلى ماهم عليه من عزة ورخاء وتباهُ بالفلل والأرصدة نسوا أيضاٍ أنه لولا المتقاعد لما اعتلوا صهوات السيارات الفاخرة والمتقاعد أيضاٍ هو الذي دافع عن الثورة وعن حصار السبعين يوماٍ في صنعاء فمنهم من كان في الحرس الوطني وفي المظلات والصاعقة وفي المقاومة الشعبية وفي الجوية والبحرية.
قبل أيام قمت بزيارة إلى الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات وشاهدت بأم عيني جموعاٍ غفيرة من المراجعين المتقاعدين منهم من يتوكأ على عصا ومنهم على عصاتين وآخر فوق كرسي متحرك وأغلبية المراجعين كلْْ يشكو من مرض ما.
تشاهد علامة القهر والألم في عيون كل واحد منهم هؤلاء لا يستطيعون دفع قيمة العلاج الذي يريدونه.
إذن أين هو النظام والقانون¿ وأين اللوائح التي تسن لتفسير وتطبيق القانون¿ قبل أشهر مضت سمعنا عن إقرار قانون التدوير الوظيفي وتفاءلنا خيراٍ بنقل كلْ من كان بدرحة مدير عام أو مدير فرع أو إدارة من موقعه إلى موقع أخر بنفس المرفق.
مرت الأيام والشهور والسنين ونحن نترقب عن كثب تنفيذ أو تطبيق هذا القرار لكن دون جدوى ولا شك أن الأخ رئيس الجمهورية على دراية وعلم بأن التقوقع وعدم التنقل يولد الفساد. وقبل أيام سمعنا أن شركة التبغ والكبريت اليمنية والخطوط الجوية اليمنية تدرسان تنفيذ وتطبيق التأمين الصحي للمتقاعدين وهذه خطوة جيدة وشجاعة. لا شك أن كافة المؤسسات والشركات ستحذو حذوهما وأنا واثق من أن الأخ توفيق صالح رئيس مجلس الإدارة لشركة التبغ والكبريت الوطنية يستطيع أن يعمل بتطبيق التأمين الصحي للمتقاعدين حتى ولو أن مجلس الإدارة عارض هذا العمل كما عارض قبل ذلك ضم موظفي الشركة إلى الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات.
محمد سلام الشرجبي