وبعيدا عن الخوض في تفاصيل تلك الأفكار على أهميتها أو استباق إمكانية طرحها للمناقشة ولو بقدر قليل من التحفظ على محتواها ومع تسليمنا المبدئي بحسن نوايا Žأصحابها وحرصهم على أن تظل مثل هذه المنظومة العربية بيتا لكل العرب باعتبارها شخصية اعتبارية جامعة وبغض النظر عن مدى صلاحية الأفكار المشار إليها للتنفيذ من عدمه فقد جاءت مبادرة »الاتحاد العربي« على أمل أن تشكل في حال إقرارها مشروعاٍ متكاملاٍ لإخراج الجامعة العربية من مأزقها ومن ثم .. اعتماد آلية جمعية مقبولة للعمل العربي المشترك حيث السبيل الوحيد لتأكيد كامل حضورنا على خارطة الفعل الإنساني بعد طول غياب وكأنما أرادت اليمن بمبادرتها هذه أن تظل حاضنة لأسباب نهوض أمتها منذ كانت سيرتنا الأولى.
وإذا كانت مبادرة الجمهورية اليمنية قد تضمنت استبدال اسم الجامعة العربية باتحاد الدول العربية وهو مايمثل قفزة نوعية في الاتجاه الصحيح فقد وضعت -بالمقابل – جملة من الضمانات الكفيلة بتثبيت أركان الاتحاد العربي المقترح آخذة بعين الاعتبار مقومات بقائه وحيثيات ديمومته المتمثلة في أحد أهم جوانبها بتسخير موارد الأمة وثرواتها في عصر التكتلات الاقتصادية الكبرى بما يكفل لها نوعا من الاكتفاء الذاتي في زمن بات فيه ارتهان اقتصاداتنا مدخلا لاحتواء قرارنا السياسي.
كما لم تغفل المبادرة اليمنية مقومات الاستقرار وركائزه في كل بلد عربي على حدة حيث القاسم المشترك الأوحد لاية تنمية عربية مبتغاة.
وللحيلولة دون إتاحة الفرصة أمام أي طرف أجنبي معادُ.. للتدخل في شئون الأمة أو المساس بسيادة أي من بلدانها تحت أية ذريعة كانت فقد أكدت المبادرة ذاتها على أهمية إنشاء »محكمة العدل العربية« لهذا الغرض كما أوضحت ضرورة أن تعمل مؤسسات الاتحاد العربي وهياكله المقترحة بآلية ديمقراطية خالصة وبحيث تكون هناك مرجعية قانونية ملزمة يمكن الاحتكام إليها كلما لزم الأمر.
ولما كانت الشعوب الحية هي التي تستخلص من كل حدث حكمة التاريخ من كل نصر ومن كل هزيمة فقد استلهمت المبادرة اليمنية خلاصة الدروس المستفادة من وقائع تاريخنا العربي الحديث وهو مابدا واضحا في ما أوردته من نصوص صريحة لتلافي أوجه الخلل في الاصطفاف العربي حاضرا ومستقبلاٍ.
وتأكيداٍٍ لحقيقة أن قوة العرب في وحدتهم وأن دعائم الأمن القومي كل لا يتجزأ وبما لا يتعارض مع دساتير الأعضاء والنظم المعمول بها في كلُ منها فقد ربطت المبادرة في سياقها العام بين كل ماهو وطني وكل ماهو قومي من حيث وحدة الهدف والمصير.
وتبقى فكرة »الاتحاد العربي« في حد ذاتها أملاٍ قابلاٍ للتحقق في ما لو حسنت النوايا وجرى اخضاعها لمبدأ المناقشة الجادة والمسئولة ومن ثم.. المساهمة المخلصة في إثرائهالعلها تقطع الطريق أمام كل المحاولات الرامية الى تطويع إرادتنا وفقا لمشيئة أعدائنا بغية إجبارنا على القبول بمالا نريده ولا نرضاه ولعلها تضع حدا لسلسلة الانكسارات المتلاحقة التي ألقت بظلالها على واقع أمتنا في راهن الوقت ولعلها تعيد لنا بعضا من ثقتنا بأنفسنا لنسترد عافيتنا من جديد بدلا من تسليمنا بالعجز.