كرموهم قبل أن تفقدوهم !!
عبدالله القاضي
> الأسبوع الماضي غيب الموت عن دنيانا الفانية فارساٍ من فرسان الكلمة وعلماٍ من أعلام الصحافة اليمنية وقلماٍ رفيعاٍ ينبض بحب الإنسان والإنسانية..
إنه الأخ العزيز والصديق الصدوق رفيق دربي الغالي مهيوب أحمد قاسم الكمالي الذي لم يكن رحيله المبكر والمفاجئ بالنسبة لي حدثاٍ عابراٍ وإنما زلزالاٍ مدمراٍ هز كياني وأفقدني بوصلة صيرورتي..
معرفتي بالفقيد الراحل لم تكن وليدة الصدفة أو لقيا عابرة وإنما تعود صلتي به إلى بدايات حياتنا الأولى ومنذ نعومة أظافرنا حيث نشأنا وترعرعنا في كنف قريتنا الجميلة ببساطتها وعفويتها بحلوها ومرها عشنا براءة الطفولة وأحلام الشباب الطامحين بغدُ أفضل وحياة كريمة فكان تعلقنا بالتعليم في وقت كان المتعلمون يعدون بالأصابع وانخراطنا في الدراسة هي البوابة التي راهنا عليها لاخراجنا وكل أبناء جيلنا من واقع البؤس والتخلف إلى آفاق التقدم والرقي واللحاق بركب الحضارة وبالجهد والمثابرة واصلنا رحلة التعليم رغم كل الصعاب والتحديات الذاتية والموضوعية التي وقفت في طريقنا حتى تمكنا من اجتياز المرحلة الثانوية بتفوق وتبوأنا مكانة العشرة الأوائل في الجمهورية »القسم الأدبي« مطلع الثمانينات وعلى إثرها ابتعثنا »هو وأنا« إلى الخارج لمواصلة الدراسة الجامعية في مجال الإعلام..
وهكذا بدأ المشوار وهكذا استمر فقيدنا الراحل في مواصلة عطائه بتفانُ واخلاص في ميدان الصحافة بكل فنونها وأنواعها وذلك في وكالة سبأ وبعدها في صحيفة »الثورة« والعديد من الصحف داخل الوطن وخارجه وسعى سعياٍ حثيثاٍ دون كللُ ولا ملل لتوفير لقمة عيش كريمة وتأمين ولو جزء يسير لمستقبل أبنائه وإيفائه باحتياجاتهم الحياتية والتعليمية فقد كان شغوفاٍ بمواجهة الحياة بكل اقتحام وجرأة..
واجهته الكثير من المنغصات والمعوقات فقد كان يشكو كثيراٍ من ضغط العمل وعدم حصوله على ما يستحقه من التقدير والاهتمام وكان قلبه معلقاٍ بحصوله على وسيلة مواصلات تنقله من وإلى العمل وخاصة أنه كان يبقى إلى ساعات متأخرة من الليل..
آخر مرة قابلته فيها كان عقب مشاركتنا في انتخابات اللجنة النقايبة في مؤسسة الثورة حينها قال لي أنه يتعلم قيادة السيارة في مدرسة قيادة السيارات على أمل حصوله على سيارة وْعد بها ولكن كان الموت أسرع !!
أخذ المرض يتسلل إليه في السنوات الأخيرة فنحل جسمه وتقوس ظهره وتباطأت خطواته وبدت عليه علامات التعب والإنهاك ورغم ذلك لم يستسلم وظل يقاوم ويقاوم مواصلاٍ عمله بنفس الوتيرة وبنفس الحماس والهمة وربما لم يجد الوقت الكافي لمراجعة الأطباء وإجراء الفحوصات اللازمة..
وعندما ذهب متأخراٍ لم يجد الخدمة الطبية التي ترقى إلى مستوى تشخيص ومعالجة نوع المرض الذي يعانيه ومحاصرة تداعياته حيث تحول الطب في بلادنا إلى سلعة هدفه في المقام الأول الربح السريع أكثر من خدمة ورسالة إنسانية..
تفاعل الزملاء في مؤسسة الثورة ووكالة سبأ وكل محبيه وأصدقائه كان ذلك رائعاٍ وعملاٍ يثلج الصدر ويرفع الرأس سواءٍ في ما يتعلق بتجهيزه وتشييعه أو القيام بواجب العزاء ونحوها نتمنى أن يستمر هذا الجهد الأخوي الصادق من قبل زملائه ومسوؤليه بنفس الحماس والتفاعل في اجتراح الوسائل المناسبة لتكريمه ومنحه كل مستحقاته وتوظيف أحد أبنائه فقد كان هذا رأي محل اجماع كل الزملاء وهذا جزء من حق فقيدنا علينا وكل شهيداٍ سقط في ساح مهنة المتاعب كما نرجو ألا تفتر الهمة ويتراجع الحماس وتذهب الوعود أدراج الرياح !!
ولا يسعنا إلا أن نسلم بقضاء الله وقدره والله نسأل أن يتغمد الفقيد الراحل بواسع رحمته وغفرانه وأن يلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.. إنا لله وإنا إليه راجعون..<
كرموهم قبل أن تفقدوهم !!
التصنيفات: منوعــات