شردت بذاكرتها البريئة كانت تشعر أنه لن يحصل شيء ليوقف ما رسمته مخيلتها. ولم تتوقع أن يفسد تلك الصورة البهية التي رسمتها شيء. في ذلك اليوم أقسمت أن تنسى الألم الحزن المرار.. كل ما كانت تعلمه هو أنها تريد أن تغني.. أن تترك حنجرتها الصامتة منذ زمن لكي تصدح بالغناء – كانت تريد أن تغني بلا انتهاء . تخيلت فراشات تتراقص حولها طرباٍ لصوتها الجميل. تخيلت تلك القلوب الحزينة البائسة تصفق متناسية كل أحزانها. تخيلت بكل كبرياء ذلك القمر وهو يسترق سمع أغنيتها والشجر تتمايل بدلال لا مثيل له تماماٍ كدلال صوتها المنساب. تمنت أن لا يسمع أغنيتها من البشر سوى تلك القلوب التي تماثل قلبها في براءته. وأن لا ترى طلتها البهية سوى تلك الأعين التي ترى بنفس طريقة رؤية عينيها . حتى الوجوه هي وجوه تعرفها وما فكرت أن تغني إلا لأجلها. نظراتها فكرت في أي وجه ستوغلها وهي تغني ليعلم أنه المقصود . وتخيلت ذينكما العصفورين الجميلين اللذين رافقا حلمها منذ الطفولة وهما يرفرفان فوقها ليستمعا إلى صديقتهما التي تحزمت الجرأة وأطلقت ذلك الصوت الذي أخرسه الزمن . وتخيلت ذلك الطفل البرىء ذا العينين السوداوين وذلك الآخر الذي يرمقها بعينيه العسليتين فقررت أن تغني جزءاٍ من أغنيتها للطفولة التي تعشقها.وتخيلت وجه أمها الجميل ذلك الوجه الصبوح
الذي طالما أحبته وسعدت برؤيته . تراها تنظر إلى ابنتها مشفقة إلى أية هاوية سيؤدي بها جنونها . فتزيدها نظرات والدتها إعجابا . فتختال بنفسها أكثر . تخيلت أولئك الناس الذين يعرفونها تلك الهادئة فيتساءلون: أتلك هي التي تغني ¿!
تخيلت … وتخيلت … وهي في قمة الاستعداد لتغني .
حامد الفقيه