بعد صبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو وأصحابه في مكة على أذى المشركين وبعد أن هاجر أكثر المسلمين إلى المدينة بدينهم أذن الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام بالهجرة هو ومن بقي معه في مكة.. لتكون بداية لعهد جديد أظهر الله عز وجل فيه دينه ومكن له في الأرض ولكن بعد تمحيص وابتلاء وتربية لمن اتبع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان العز بعد الذل والربح بعد الخسارة.
ونحن إذ نعيش آخر أيام العام الهجري لا بد لنا من وقفات نتأمل فيها دروساٍ وعبراٍ من هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحياته في مكة والمدينة قبل وبعد الهجرة.
استطلاع/ محرر الصفحة
لا تذكر هجرة النبي عليه الصلاة والسلام إلا ويذكر الدور الهام لأبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما ومما لا شك فيه أن الله عز وجل اختارهما ليكونا سببين بارزين لنجاح رحلة الهجرة.
أبو بكر الصديق
قالت عائشة رضي الله عنها: بينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في سخر الظهيرة قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متقنعاٍ في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر.. فداء له أبي وأمي والله ما جاء في هذه الساعة إلا لأمر.
قالت عائشة: فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر: »أخرج من عندك« فقال أبو بكر: انما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله فقال عليه الصلاة والسلام »فإني قد أذن لي في الخروج« فقال أبو بكر: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله.. فقال عليه الصلاة والسلام نعم.
وبذلك يكون الصديق رضي الله عنه رفيق الطريق للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يخدمه ويهيئ له الطريق ويجتهد في حراسته فتارة يلتفت يمنة وتارة يسرة وأخرى إلى الخلف وهكذا فكان شغله الشاغل أن تتم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم هجرته فنعم الصحبة ونعم الهجرة.
علي بن أبي طالب
أما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقد جاد بنفسه الطاهرة فداء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حين نام تلك الليلة على فراش النبي عليه الصلاة والسلام وتحمل أذى المشركين حين وجدوه على فراش النبي عليه الصلاة والسلام فاعتدوا عليه بالضرب وسحبوه إلى الكعبة وحبسوه ساعة علهم يظفرون بخبر النبي عليه الصلاة والسلام وصاحبه.. وبعد ذلك يهاجر علي وحيداٍ سيراٍ على الأقدام من مكة إلى المدينة ليلحق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فنعم التضحية ونعم البطولة.
أما عائشة وأسماء رضي الله عنهما بنتا أبي بكر الصديق رضي الله عنه فما كانتا لتفشيا للمشركين سر النبي وصاحبه وهذه أسماء رضي الله عنها تقول للمشركين الذين جاءوا يقتفون أثر النبي وصاحبه لا أدري والله أين أبي فما كان من أبي جهل إلا أن لطمها حتى وقع منها قرطها..
وهي أيضاٍ ذات النطاقين التي كانت في خدمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه تأتيهما بالزاد ليكون لهما عوناٍ في تلك الرحلة..
آيات بينة
يقول الأخ: أبو عمر الزغير باحث وداعية: إن كثيراٍ من أحداث الهجرة النبوية أبرزت فضائل جمة لأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام لاسيما علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وأهل بيته الذين بذلوا قصارى جهدهم لإتمام أمر الله تبارك وتعالى بالهجرة.
إضافة إلى المعجزات البينة التي نصر الله بها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم والتي كانت حجة قوية على المشركين ولو لم يكونوا معاندين لرجعوا وتابوا منذ أن علموا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج من بيته وذر التراب على رؤوسهم دون أن يشعروا بذلك لكنها القلوب العمياء التي لا تقبل الحق ولا تنكر الباطل.. ومن تلك الآيات البينة حفظ المولى تبارك وتعالى لنبيه رغم كيد المشركين بكل إمكانياتهم حين كان النبي وصاحبه في الغار والمشركون على رأسيهما حين قال الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله لو أن أحدهم طأطأ بصره لرآنا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم »ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما«.
وصدق ظن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بربه فأعمى أبصار المشركين عنهما وحفظهما بحفظه ورعاهما بعنايته..
ومن تلك الآيات حين مر الرسول ومن معه على خيمتي أم معبد فمسح عليه الصلاة والسلام على ضرع غنمة أم معبد الهزيلة ثم حلبها فدرت لبنا كثيراٍ.
دروس مهمة
هنا بعض الفوائد من هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوجزها لنا عضو جمعية علماء اليمن ومستشار وزير الأوقاف والإرشاد الشيخ أحمد بن حسن المعلم قائلاٍ: هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الحدث غير مجرى التاريخ لا شك أنه لم يأت من فراغ ولكنه جاء وفق سنن الله الكونية والعمل الدؤوب الذي قام به النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث أعد له الإعداد الكافي بحسب الإمكانيات المتاحة وعلى ذلك فإن من أعظم الدروس التي يجب أن تستلهمها الأمة في وضعها الحالي أن الأمور إذا بلغت غاية الضيق انفرجت لكن بشرط أن يكون هناك عمل وأن تكون هناك إرادة قوية للخروج من هذه الأزمة وأن نكون مع ذلك واثقين بوعد الله سبحانه وتعالى.. فمتى اكتملت هذه الأمور الثلاثة فإن الله سبحانه لن يخلف سننه في عباده.
كما قال سبحانه وتعالى »فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا«.
الأمر الثاني: أن الأمة يجب أن تبادر إلى تنظيم أمورها وإعداد الخطط المحكمة لتحقيق أهدافها وطموحاتها غير متكلة على ذلك فهي تعد الذي عليها وترجو الذي من الله سبحانه وتثق به.
الأمر الثالث أن جميع من في الأرض لو اجتمعوا على ضر هذه الأمة فلن يضروها إلا بإذن الله ولن يأذن الله بضرها إلا إذا سعت هي إلى ذلك قال تعالى »وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم«..
الأمر الرابع: اليقين بوعد الله سبحانه وتعالى حين وعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم سراقة بن مالك أن يلبس سواري كسرى وهو شريد طريد في رحلة الهجرة.
قبل الهجرة
إن المتأمل في حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل بعثته ليعلم قدر المشقة التي تحملها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سبيل الدعوة إلى الله عز وجل..
فقد كان يدعى الصادق الأمين يأمنه المشركون ويودعون عنده الأمانات وحين ابتعثه الله عز وجل للدعوة إليه وترك الأنداد التي يعبدونها مع الله.. اشتد أذى المشركين عليه فاتهموه بالسحر والكهانة والكذب وطلقوا بناته وخنقوه ووضعوا الجزور على ظهره وهو ساجد يصلي ولم يتوانوا في أن يقتلوه أبداٍ..
وكان ذلك الأذى على الصحابة رضي الله عنهم أيضاٍ..
ومن هنا نتعرف أيضاٍ على دروس عظيمة في الصبر على البلاء ووجود باعث قوي في قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يملأه رحمة على هؤلاء القوم الذين يحرص النبي عليه الصلاة والسلام على هدايتهم وهم يحرصون على أذاه..
كذلك صبر النبي وثقته بربه فها هو أحد أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام حين يشتد الأذى على المسلمين يقول للنبي عليه الصلاة والسلام: ألا تدعو لنا يا رسول الله فيرد عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيقين متدفق مبيناٍ له ألوان العذاب الذي كان يلاقيه المؤمنون من الأمم السابقة وكيف أنهم كانوا يصبرون على ذلك دون رجوع عن دينهم الحق.
ورغم تلك الشدة إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام يؤكد لأصحابه أن هذا الدين سيبلغ المشارق والمغارب..
بعد الهجرة
ونختم هنا بدرسين عظيمين من حياة النبي عليه الصلاة والسلام علمهما أصحابه رضي الله عنهم أجمعين بعد قدومه للمدينة وأول هذين الدرسين هو بناء المسجد الذي كان أول عمل قام به في المدينة هو بناء المسجد وذلك لأهميته وعظم أمره في حياة المسلمين.. فكيف حالنا اليوم مع المساجد.. وهل وعينا هذا الدرس البليغ¿
أما الدرس الثاني فهو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وهو درس بليغ أيضاٍ فمتى كان الإخاء والمحبة قائمين بين المسلمين خرجت الشحناء والبغضاء من حياتهم وكانت نصرة الله معهم.
ومتى خرج الإخاء من حياتهم ووجد البغض بينهم طريقاٍ إلى قلوبهم تفرق جمعهم وضعفت قوتهم قال تعالى »ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم«.