أكثر من 300 مطبوع صحافي والنسبة الأعظم منها لا تمتلك رؤية واضحة أو هدفاٍ محدداٍ كما أنها لا تلتزم بمعايير صحافية حقيقية والسبب يكمن في عدم وجود إشراف مهني من ذوي الاختصاص أي أن هكذا صحف لم تؤسس على أساس علمي ومنهجي إنما على أسس تجارية ودعائية بحتة!!
وفي سطور هذا الاستطلاع سرد عدد من الأكاديميين المهتمين بالشأن الإعلامي عددا من الأسباب التي أدت إلى تدهور وترهل الصحافة اليمنية ولم يكتفوا بذلك بل طرحوا حزمة من الحلول الهامة والضرورية لتطبيب جراح صحافتنا في الوقت الراهن فإلى الحصيلة:
استطلاع/ رجاء عاطف
في البدء يقول الدكتور »محمد سعيد مقبل« نائب العميد لشؤون الطلاب في كلية الإعلام: أن زيادة عدد الصحف يوماٍ عن يوم حكمها واقع التعددية الحزبية والحرية الصحافية وهي مسألة إيجابية لتعدد الصحف والآراء ووضع وجهات نظر مختلفة.. ويرى أن السبب في عدم تخصصية هذه الصحف هو أن صحافتنا لا تلتزم بمعايير صحافية حقيقية لعدم وجود إشراف مهني أو لا توجد لوائح وقوانين تعمل على جعل هذه الصحف تقوم بتطوير نفسها وأن كثيراٍ من الصحف تصدر منذ زمن وهي نفس تلك الصحف من ناحية الإخراج الصحافي أو المضمون فلا يوجد تطور فيها ونحن نعلم أن الصحف تعكس واقعاٍ والواقع لابد أن يكون مبنياٍ في مضامينه على أدلة وبراهين عند مناقشة أي موضوع من الموضوعات.
وأضاف مقبل: بالنسبة للمادة الصحافية فإننا سنجد غياباٍ كاملاٍ أو شبه كامل للفنون الصحافية وتلك الصحف لا يوجد فيها إلا ما قل من ريبورتاجات واستطلاعات وتحقيقات من الفنون الصحافية المعروفة حتى وإن وجدت بعض من هذه الفنون فهي ناقصة في مفهومها وذلك لقصور الفهم لدى القائمين على تلك المؤسسات أو ربما لعدم جدية وضع تلك الفنون في موضعها الصحيح.
وأوضح الدكتور مقبل: مثلاٍ عند القيام بعمل تحقيق صحافي أو ريبورتاج صحافي في كثير من الأحيان يتم الحديث عن وجهة نظر واحدة ولا يؤخذ الموضوع بشكله الكامل حتى يخرج التحقيق بخلاصة ووضع مقترحات وحلول للقضية.
صحافة دعائية لا مهنية!
ويشير محمد سعيد إلى أن كثيراٍ من الصحف تستخدم المانشيتات فقط لجذب القارئ والمضمون يختلف عما هو موجود في المانشيت وبعضها يتجاوز حدود الدعاية أو الحديث عن موضوع ما بحيث تكون غير واقعية في طرحها وكل ذلك يجعلنا نبتعد تدريجياٍ عن المضمون الفعلي للصحافة.
وفي ما يتعلق بشكل الصحف التي تصدر قال: إن هناك صحفاٍ لها 20 أو 30 سنة وصحفاٍ تأسست ما قبل استقلال المحافظات الجنوبية من الاستعمار البريطاني وعادت من جديد وصحفاٍ أخرى لا يوجد بها تحسن في الشكل أو الإخراج ونحن نعرف أن هناك مدارس في الإخراج الصحافي ولها استحداثات وتطبق على مستوى العالم ككل وإذا بحثنا هنا عن صحيفة تطبق إحدى هذه المدارس فلن نجد لأن عملنا في هذا المجال عشوائي.
ويرى بأن السبب في عدم وجود مخرجين صحافيين وليس سوى فنيي إخراج مارسوا عمل الإخراج إما عن طريق التقليد أو عن طريق توزيع المادة كيفما كانت ولا يوجد لدينا مخرجون درسوا الإخراج كعلم وطبقوه كمهنة وهناك فرق بين أن تكون مخرجاٍ صحفياٍ أو فني إخراج.
وأردف نائب العميد: أن الزيادة المطردة في أعداد المطبوعات الصحافية تعود إلى القارئ نفسه والمستوى الثقافي لديه وهو الذي يحدد نوعية الصحيفة التي يقرأها والصحيفة هي التي تفرض عليه إما شراءها أو لا وهل هي تلبي رغبات القارئ واحتياجاته في المعلومات أم العكس.
ويرى أن كل ما يتعلق بتطوير الصحيفة من ناحية الإخراج الصحافي والمادة الصحافية والمضمون هو مسؤولية هيئة تحرير الصحيفة بدرجة أساسية أيضاٍ ويتطلع إلى نهوض وزارة الإعلام بدور في جانب وضع ضوابط لتطوير الشكل والمضمون لتغدو هذه الزيادة ظاهرة إيجابية في المجتمع.
غياب الرؤية والهدف
ومن جهة أخرى يرى الدكتور علي البريهي – أستاذ الإعلام بجامعة صنعاء – أنه من الإيجابي أن تزهر الصحافة اليمنية ولادة صحيفة بين فترة وأخرى ولكن من الملفت أن عدد القراء يقلون والسبب أن مضامين هذه الوسائل الصحافية لاتلبي الاحتياجات كما أنها لم تؤسس على أساس علمي ومنهجي وأن الساحة اليمنية تشهد انتشاراٍ للصحف واسعاٍ وكتابات مختلفة لكن هذه الصحف لا تمتلك رؤية واضحة وهدفاٍ موجهاٍ لتحقيق استراتيجية وطنية للبلد سواء على المستوى الصحافي الرسمي أو الأهلي.
ويقول البريهي: أن هذه الزيادة المضطردة في أعداد الصحف لو كانت في بلد آخر لكانت ظاهرة إيجابية لأن تلك المجتمعات متخلصة من حالة الأمية ونحن ننشط باتجاه عكسي »زيادة في عدد الإصدارات الصحافية مع نسبة أمية عالية« بمعنى أن الصحافة المطبوعة لا تقرأ من عدد واسع أو شريحة من الناس!!
وأضاف: أن الزيادة في الصحافة المطبوعة هو إدراك المعنيين بالشأن السياسي أنها غير مؤثرة لأن الناس أميون ولذلك سمحوا لنا بالتعدد وكان الأحرى أن يكون هناك سماح في وسائل الإعلام الأخرى كالتلفزيون حتى تحقق أثراٍ.
وقال البريهي أن الساحة اليمنية زاخرة بالإعلاميين والإعلاميات ولكن من يقومون بالعمل الإعلامي ليس لهم علاقة بالتخصص فصحيح أن التنوع إيجابي لكن يرافقها طرف سلبي هو أن المتخصصين لا يديرون هذه المؤسسات لهذا يجب أن تتطور المهن العلمية والأكاديمية بما تلبي هذه الاحتياجات وأن ينعكس هذا التحرر في وسائل الإعلام المطبوعة على الوسائل المرئية والتلفزيونية والإذاعية وأن تكون هناك مهنية وأهداف واضحة وعمل مقنن وهادف وكذلك وجود صحافة متخصصة تتطرق للمهنية وأيضاٍ استيعاب القائمين على العمل الإعلامي أولاٍ وأن يقوموا على إدارة هذه المؤسسات الإعلامية المتخصصة.
كم بلا كيف!
ويرى الدكتور خالد الصوفي رئيس وحدة التسويق بكلية الإعلام أن الزيادة ظاهرة ايجابية في مجتمع لايزال ديمقراطياٍ وكما أنها زيادة صحية ليست عيباٍ ولكن الزيادة إذا لم ترتبط بالمضمون تصبح إهداراٍ للمال وللإمكانيات ويرى أنه إذا وجهت هذه الزيادة للثلاثمائة مطبوع بأنها ستعمل قفزة نوعية في الثقافة الشعبية والثقافة المجتمعية وكذلك في التوعية لمختلف المجالات وستعبر تعبيراٍ أفضل عن الديمقراطية بمعنى أن تخصص هذه المطبوعات لكل الفئات بالمجتمع ما بين مطبوعات صحافية وثقافية وسياحية وصحافة نوعية متخصصة فستنشر الكثير من المضامين التي تحتاجها الدولة والمجتمع في الوقت الذي لانزال فيه كبلد نامُ نسعى إلى أن نصبح دولة ديمقراطية بكل ما تعنيه الكلمة.
ويقول الصوفي: إذا قرأنا هذا الرقم »300 مطبوعة« قراءة مجردة لوجدنا أنه رقم إيجابي وليس سلبياٍ ولكن في النهاية سنبحث عن مضمون وإذا ركز المضمون في هذه المطبوعة فهذا سيكون جيداٍ للمجتمع وهذا يدل على الفهم عند الناس وعند المثقفين ومن زيادة المطبوعات نجد هناك فعلاٍ عدم وجود وقلة مطبوع والدليل أنها ازدادت الآن بهذا الكم.
وأوضح الدكتور خالد: أنه مهما كانت الأخطار أو إذا كان هناك وراء هذه المطبوعات جهات تمول لأغراض شخصية أو لأغراض ما لكنها في النهاية ستعزز صحافة ومطبوعات مستقبلية ولن يبقى في الساحة اليمنية والساحة الثقافية إلا المطبوع الذي يؤدي هدفاٍ ووظيفة جيدة.
لن نقتنع بمطبوع جيد أو سيئ إلا من خلال مضمونها وخطابها الذي يعكسه هذا المطبوع فإذا كان هذا المضمون لا يرقى إلى مستوى التحدي ليواجه المجتمع أي أن تناوله سطحي أو الصحافة والمطبوعات تحولت لديه إلى سلعة تجارية.. فبالتالي سيظل آو ستستمر المطبوعة السيئة شهرا أو شهرين أو سنة وفي النهاية ستنتهي.
ميثاق الشرف
وأشار رئيس وحدة التسويق إلى أنه من المفترض الالتزام بميثاق شرف صحافي وكما يجب أيضاٍ تفعيل دور كلية الإعلام وأقسام الإعلام في الجامعات اليمنية بتزويدها بالكوادر الأكاديمية الجيدة والكوادر التي تعي متطلبات المجتمع واحتياجاته في المرحلة القادمة وأن تكون مخرجات هذه الكليات والأقسام قادرة علي استيعاب هذه المتطلبات بالإضافة إلى تثقيف المجتمع والبلد بالأبعاد الإيجابية والسلبية لوجود مطبوع أو وسيلة إعلامية فمن خلال هذه المقومات ربما نخرج بمجموعة من هذه المطبوعات الموجودة في الساحة اليمنية ويكون لها دور فاعل على مستوى النهضة والتنمية في المجتمع وفي أي مجتمع يوجد إيجابي وسلبي وبالتالي لن يبقى في السوق إلا الذي يرضى عنه القارئ أو من يقدم رسالة تفيد المجتمع.
وفي الأخير لا قانون صحافة ولا محكمة تستطيع أن توقف هذا إلاِ بوجود ميثاق شرف صحافي ووازع الضمير داخل الصحافي لهذا ندعو من خلال الكليات ومن خلال نقابة الصحافيين أن تعمل دورات تدريبية ومن خلال المطبوعات تزرع المهنية لدى الصحافي ولمعرفة من هو الصحافي وليس الصحافي هو خريج كلية الإعلام بل هو من يلتزم بمعايير أخلاقية في الصحافة ومن يعبر عن قضايا الناس في الشارع وهو من يجعل همه الأول والأخير المجتمع وقضاياه وليس القضايا والمماحكات الشخصية..