تتناول وسائل إعلامنا عادة قضايا الفساد وتخصص لها صفحات وأحيانا ملفات خاصة سواء في الصحافة الحكومية أو الأهلية أو الحزبية. ومع ذلك لم يتمكن الإعلام بكافة وسائله من فضح وتعرية الفاسدين من العيار الثقيل وبالأدلة الدامغة.
وقد قفز إلى ذهني هذا العنوان الاستفهامي حين وجدت أن معاناة الإعلاميين في مؤسساتهم من مافيا الفساد قد تفوق معاناة أقرانهم من الموظفين في مؤسسات أخرى سواء حكومية أو خاصة.
فكيف يمكن للإعلامي (الصحافي) أن ينتقد الفساد ويدافع عن ضحايا الفساد ويعري المفسدين في الأرض وهو محاط ببيئة إعلامية غارقة في الفساد من (ساسها إلى رأسها¿!!)
ولذلك لا نستغرب إن قلنا ودون تحفظ أن فساد الإعلام في معظمه نتاج طبيعي لبيئة الفساد الإعلامي التي أصبحت أشد فتكا بالإعلاميين. ولا تقتصر متاعب الإعلاميين على معاناتهم من الفساد والفاسدين في مؤسساتهم الإعلامية وحسب بل أنهم يعانون من مافيا الفساد المنتشرة في كافة مؤسسات الدولة والتي أصبحت لها اليد الطولى.
ولكي نوجد إعلاما غير فاسد لابد من توفير بيئة إعلامية خالية من الفاسدين ففساد مؤسسات الإعلام يجعل الصحافي في وضع لا يحسد عليه غير قادر على توفير أبسط متطلبات الحياة فيضطر معظم الصحافيين إلى مجاراة الفاسدين حتى يحصلوا على مزايا مادية ومعنوية.
وبذلك لا يتمكن الصحافيون من نبش قضايا الفساد وقد يستخدم البعض لغة ملتوية وغير مباشرة حين ينتقد الفاسدين فيغرق في الرمزية أو يلمح تلميحات من بعيد بحيث يدرك الشخص المعني أن الخطاب موجه إليه ولكنه لا يتمكن من الرد على الصحافي.
وهكذا يتضح لنا أن فساد مؤسسات الإعلام قد أدى إلى تفشي ظاهرة يمكن أن نطلق عليها إعلام الفساد بمعنى أصح أن الإعلام بمؤسساته وشخوصه وكوادره أصبح رهينة في أيدي الفاسدين الذين يتحكمون في موارده ونادرا ما نجد وسيلة إعلامية قادرة على تحقيق المهنية وبالتالي تتيح لصحافييها الكتابة بموضوعية وأمانة.
والواقع أن فساد الإعلام وإعلام الفساد ليس ظاهرة محلية وحسب بل أن له حضوراٍ وبأشكال متفاوتة في العالم العربي بل والعالم كله. وهو ما يمكن أن نطلق عليه عولمة الفساد الإعلامي.
samiaagbary@hotmail.com