السجون ليست للعقوبة فقط ولكنها أيضاٍ للإصلاح والتأهيل الذي يعمل على تهي النزلاء ليكونوا أفراداٍ نافعين في مجتمعاتهم..
»الوحدة« قامت بزيارة لإصلاحية السجن المركزي بصنعاء للاطلاع على سير الأنشطة الدينية هناك وما هي معوقاتها والتطلعات المستقبلية مع نظرة سريعة إلى بعض ثمار تلك الأنشطة:
استطلاع/ محرر الصفحة
من خلال زيارة السجن المركزي بصنعاء واللقاء بالمدرسين والوعاظ وكذلك المساجين.. تبين أن فترة العقوبة التي يقضيها الشخص في السجن هي فترة حرجة في حياة الشخص يقضيها في محيط محدود بعيداٍ عن بيئته التي عاش فيها وألفها وبعيداٍ عن معارفه وصحبته ولذلك فإن هؤلاء النزلاء كثيراٍ ما نجد قلوبهم منكسرة يدفعهم نمط الحياة هناك وروتينها المعتاد إلى البحث عما يمكن أن ينسيهم محنتهم وهناك لا يجد أحدهم إلا أن يلجأ إلى الله عز وجل بالدعاء والتضرع وقضاء أوقات الفراغ بتلاوة القرآن وحفظه.. وهذا حال كثير من »النزلاء«..
تنسيق مع الأوقاف
ونظراٍ لهذا الحال كونه فرصة مناسبة للتغيير ولأن السجن هو أولاٍ للإصلاح والتأهيل فقد كان لجانب التوعية الدينية محلها من الاهتمام لتكون سبباٍ في صلاح النزلاء وتربيتهم.. وحول ذلك يتحدث إلينا الأستاذ يحيى الحيدري.. مدير الإصلاح والتأهيل بإصلاحية السجن المركزي بصنعاء فيقول: بالنسبة للتوعية المتعلقة بالوعظ والإرشاد فقد أرسلت وزارة الأوقاف والإرشاد بعض الإخوة خريجي الأزهر ليقوموا بخطبتي الجمعة في جامعي قسم الإصلاح والقسم العام وكذا جامع الإخوة الموظفين طيلة العام.. بالإضافة إلى بعض المحاضرات التي يقدمها أولئك الوعاظ في المسجدين التابعين »للنزلاء« ويقدمون خلالها التوعية اللازمة في الجوانب الدينية المتعلقة بحسن الاستقامة والاستفادة من الابتلاء الذي حصل لمن وصل إلى هذا المكان..
ومن جانب آخر هناك توعية دينية يقوم بها الاخوة المدرسون لدينا في الأقسام والعنابر في الفترة المسائية لغرف النزلاء وهي لا تخرج عن الإطار السابق.. ويتم ذلك بعد التنسيق بين المرشدين وإدارة السجن عبر خطة شهرية يتم إرسال صورة منها إلى وزارة الأوقاف بعد إقرارها..
أثر بالغ
أبو حمد أحد الإخوة الذين يقومون بالتوعية في غرف النزلاء يحدثنا قائلاٍ: الوضع الذي يعيشه السجين بعيداٍ عن أهله يجعله أكثر قابلية لسماع الموعظة والتأثر بها والعمل بمقتضاها وهذا ما عايشته من خلال زيارتي لهم حيث يتم التركيز في تلك المواعظ على ما يحتاجه السجين أولاٍ وهو تقوية العلاقة بالله حيث يجد بذلك باباٍ واسعاٍ وأملاٍ كبيراٍ لحل مشاكله التي يعاني منها وبذلك أيضاٍ يتجنب الهموم والمشاكل النفسية التي قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه ونعمل أيضاٍ على أن يتقبل السجناء وضعهم وأنهم يقضون فترة عقوبة »مستحقة عليهم« وهي تطهير لهم أما من كان مظلوماٍ فهذا ولا بد أنه ابتلاء سيرفعه الله ويجزيه خيراٍ على صبره أيضاٍ نحرص كثيراٍ على بث روح التعاون والتسامح بين النزلاء وذلك أنهم يعيشون في مكان واحد ويعانون جميعاٍ فهم أجدر بأن يصبروا على بعض ويتحملوا بعض المعاناة التي يلاقونها بسبب العدد الكبير في الغرفة الواحدة..
وكثيراٍ ما نجد أثر تلك المواعظ على وجوه أولئك النزلاء بل رأينا الدمع يترقرق من أعين الكثير معترفين بالخطأ نادمين على ما كان عازمين على الاستقامة ليكونوا أفراداٍ صالحين في مجتمعهم.. ولقد رأيت بعض أولئك خارج السجن بعد إطلاقهم وهم أصحاب أدب وخلق..
جوانب مهمة
ويؤكد الأستاذ أحمد سليمان »مدرس« على أهمية تلك المواعظ وأثرها في قلوب النزلاء خاصة إذا ما تم التركيز على الجوانب التي تهمهم وبالنسبة له فإنه يهتم بالتركيز على الصلاة وتقوى الله وأهمية القرآن مع بيان الأسباب التي أوصلتهم إلى حالهم التي هم عليها..
ويضيف: إلا أن هناك بعض العوائق التي تقلل من أثر الموعظة في المساجين ومنها بعض الحواجز النفسية الموجودة سابقاٍ عند بعض السجناء كونهم تلقوا فكرة سابقة لعدم قبول الموعظة.. إلا أن هذا يختلف مع ما ذكره أبو حمد من تقبل النزلاء لتلك المواعظ أو ربما تكون تلك حالات نادرة.
فوائد وعوائق
أما الأستاذ محمد العصري – حفظ القرآن كاملاٍ داخل الإصلاحية – فيرى أن هناك آثاراٍ جيدة للالتزام عند سماع المواعظ خاصة من تأثرت نفسيته حال دخوله السجن.. إلا أن هناك معوقات تحد من أثر المواعظ والدروس وهي مشكلة التلفاز حيث يوجد في جميع غرف السجناء وهو لا يعترض على وجوده ولكن النزلاء في الغرفة الواحدة يضطرون للسهر ومتابعة البرامج وبذلك يتكاسل طلاب الحلقات القرآنية عن الحفظ والمراجعة وقد لا يحضرون أوقات الدروس بسبب سهرهم رغم أننا حريصون على ترغيبهم لحفظ القرآن الكريم.
فضائيات
وفعلاٍ.. هذا ما يشكو منه معظم مدرسي الحلقات وكذلك الوعاظ إضافة إلى النزلاء فالوعاظ تذوب آثار مواعظهم حال خروجهم حين تتحول أنظار النزلاء إلى الشاشة وليس المقصود هنا إلغاء الشاشة ولكن ترشيدها واختيار النافع المفيد والمسلي غير المحرم لأنهم في »إصلاحية« تعمل عل تأهيلهم وتوعيتهم ليكونوا أفراداٍ صالحين في مجتمعاتهم..
إضافة إلى ذلك فإن النزلاء »في الغرفة الواحدة« كثيراٍ ما يختلفون بسبب اختلاف رغباتهم في اختيار القنوات ورغم اختيار إدارة الإصلاحية لفرد في كل غرفة يتحكم بالجهاز إلا أن كثيراٍ من النزلاء يشكون من ذلك حيث يفرض عليهم متابعة ما يختاره حامل جهاز التحكم وباستمرار وكما قال لي مجموعة منهم: لابد أن يكون هناك إنصاف وتحل هذه المشكلة خاصة وأنهم يحبون متابعة القنوات الدينية النافعة.
5 حلقات
وجدنا اهتماماٍ بالغاٍ بحلقات التحفيظ ووجدنا كثيراٍ من النزلاء يجتهدون من أجل حفظ القرآن الكريم فهناك ميزات موعود بها من يتم حفظ القرآن لعل من أهمها إطلاقه بعد قضاء ثلاثة أرباع المدة إذا كان حسن السيرة والسلوك.
ولذلك أنشئت مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم يدرس فيها ما يقارب من 256 طالباٍ تتفاوت مستوياتهم بين المبتدئ والحافظ ويحدثنا عنها الحيدري قائلاٍ: هذه المدرسة تسمى مدرسة الميثاق بلغ عدد الخريجين الذين حفظوا القرآن فيها منذ افتتاحها وحتى الان أكثر من مائة وواحد وسبعين حافظاٍ..
وتعمل هذه المدرسة بإشراف وزارة الأوقاف والإرشاد وتتعاون معها بعض الجمعيات بكفالة مدرسي الحلقات وهم من النزلاء حفظوا القرآن الكريم في السجن ويبلغ عددهم عشرين مدرساٍ يحظون بزيارات مستمرة من قبل الموجه المرسل من وزارة الأوقاف.
إضافة إلى ذلك يتلقى طلاب المدرسة دروساٍ في التجويد والفقه والتفسير بإشراف الوزارة.
ثمار
كتاب الله هدى ونور ولا بد أن يكون له أبلغ الأثر في تزكية النفوس.. يحدثنا الحيدري عن بعض الواقع المشاهد لثمار تلك الحلقات فيقول: هذه الفئة »طلاب الحلقات« تتمتع بحسن سيرة وسلوك مميزة عن غيرهم باعتبارهم حاملين لكتاب الله عز وجل في غرفهم وجامعهم واينما توجهوا ولذلك وجدنا أن من انخرط في حلقات التحفيظ لا يعود أبداٍ إلى الإصلاحية مقارنة ببعض المترددين »وهم الذين يعودون إلى السجن بعد إطلاقهم«.
ولذلك يتم العمل على طلب المساعدة من الجهات القضائية للإفراج عمن حفظ القرآن أو بعض أجزائه وأمضوا ثلاثة أرباع المدة.. وقد قام الأخ رئيس مجلس القضاء الأعلى بالإفراج عن عشرين نزيلاٍ حفظوا القرآن وما زالت عليهم مدة أخرى لبقائهم في الإصلاحية وذلك بعد تسليم بعض الحقوق بدلاٍ عنهم إكراماٍ لكتاب الله..
فاعلون
أيضاٍ تم الاتفاق مع وزارة الأوقاف بالتعاقد مع كل من حفظ القرآن للعمل في مجال التدريس في منطقته أو حارته.. وفعلاٍ أصبح منهم مدرسون فاعلون خارج الإصلاحية أثبتوا جدارتهم وحسن سيرتهم وذلك ما قاله الحيدري وهو ما أكده مدرسو الحلقات ومنهم عبدالحكيم العميسي حيث يقول: وجدنا أثراٍ كبيراٍ في تغيير سلوكيات المشاركين في الحلقات فالسجين تتغير سلوكياته جذرياٍ عند الارتباط بكتاب الله ونجد ذلك من خلال استقامته ومعاملاته وأخلاقياته.
أصحاب الشأن
التقينا كثيراٍ من النزلاء واستطلعنا آراءهم حول مستوى النشاط الديني في الإصلاحية ومدى أثره على النزلاء فكان ردهم واحداٍ وهو أنهم يجدون أثراٍ إيجابياٍ في تلك الأنشطة وأنهم يتفاعلون معها بالشوق والرغبة بل حدثني أحدهم أن أوقاته يقضيها ما بين حلقات القرآن والتعليم وهو كل ما يستطيع أن يفعله إضافة إلى أوقات مراجعة ما حفظه من القرآن.
حال أفضل
الأستاذ أكرم العبادي »مدرس« يقول: نتمنى توفير الكتب والمراجع للمكتبة حتى تعم الفائدة خاصة وأن حال المكتبة كان سابقاٍ أفضل من الآن.. وهنا يؤكد الأستاذ أحمد علي ذلك مطالباٍ الاهتمام بتزويد المدرسين بكتب التفسير والفقه.
أما الأستاذ يحيى الحيدري فيؤكد إمكانية زيارة المكتبة الرئيسية في ساحة السجن بل بالإمكان توصيل الكتب لكل سجين إلى غرفته.
مقترحات
أيضاٍ وجدنا بعض المعوقات التي يشكو منها المدرسون وبعد أن اجتمعنا بينوا رغبتهم في إحياء التوعية الدينية في الإصلاحية بالتنسيق مع الإدارة ووزارة الأوقاف وذلك بالقيام أولاٍ بإعداد برنامج ومنهج محددين من قبل وزارة الأوقاف وإقرار ذلك البرنامج عبر خطة محددة وزمن وتوقيت محدد وذلك للسلامة من العشوائية التي تحبط عزائمهم.
ومن ذلك تحديد أوقات لحلقات القرآن الكريم ويا حبذا إن تمكنت إدارة السجن من العمل على خروجهم إلى المسجد لحلقات القرآن من الثامنة صباحاٍ..
أيضاٍ تنظيم عملية مشاهدة البرامج داخل الغرف وذلك بتحكم مركزي لكافة الأجهزة واختيار القنوات النافعة التي تعمل على صلاح النزلاء…
إضافة إلى الاهتمام بالأجهزة الالكترونية الدعوية مثل جهاز الـV. C. D . وزيادة عدد الأيام لعرض تلك البرامج المفيدة.. وهم يقترحون على إدارة السجن إعادة الترخيص بحمل المسجلات الصغيرة خاصة وطلاب حلقات التحفيظ يستخدمونها للحفظ والمراجعة والتلقين والتجويد إضافة إلى استفادة الكثير منهم ومن عامة النزلاء منها عبر استماعهم لأشرطة المحاضرات والقرآن الكريم..
أيضاٍ يقترح المدرسون على إدارة السجن التواصل مع الأجهزة المختصة لدعم الطلاب بالمصاحف والدفاتر والأقلام بشكل مستمر..