أنطلقت القافلة الطلابية لقسم التاريخ بكلية الآداب – جامعة صنعاء – في الصباح الباكر في رحلة علمية صوب »غيمان« أحد المواقع الأثرية الهامة ليرى الطلاب مآثر الاجداد واشرف على هذه الرحلة الدكتور عبدالله حسن الشيبه استاذ التاريخ القديم.
لم تكن الرحلة مضنية فغيمان تقع في جنوب شرق مدينة صنعاء وتبعد عنها حوالي 27 كيلو متراٍ وتقع ضمن قرى بني بهلول وهي قرية تحتوي على خرائب يعود تاريخها إلى عصور ما قبل الإسلام.
استطلاع/نجيب علي العصار
Najibalassar@yahoo.com
ومنذ وطأت قدماي أرض »غيمان« كأحد طلاب هذه القافلة أسرني جمال هذه المدينة ودقة تخطيطها وفي ذات الوقت صعقت لما رأيت من اهمال وأعمال تخريب وتهريب واستنزاف لثروة قومية هي الآثار والنقوش وما هي إلا برهة وإذ بي شارد التفكير أحاول دون جدوى استنطاق المدينة ماذا عن تاريخها العريق.. ماذا أصابها.. لماذا لم تجر أي حفرية اثرية لها حتى اليوم فهي لم تعد سوى أطلال وخرائب لا يعرف الباحثون عنها الكثير كما تبادر إلى ذهني حينها أن لدينا هيئة معنية بالآثار و»غيمان« مجرد لوحة معدنية منصوبة على مدخل القرية تتبعها اسميا فقط.. يا إلهي حينما ترى بأم عينيك تاريخك وحضارتك تندثر وأنت لا تقوى على فعل شيء.
تاريخ عريق
ازدهرت مدينة »غيمان« في القرون الميلادية الأولى ووٍرد اسمها كالهجر في عدد من النقوش اليمنية.
ويذكر المؤرخ الهمداني في كتابه الاكليل – الجزء الثامن – أن »غيمان« كانت مصيفاٍ لأحد أشهر الشباب اليمنيين وهو التبع اليماني الذي حمل لقب سبأ وذوريدان وحضرموت وطوداٍ وفقاٍ لما ذكره الدكتور عبدالله حسن الشيبة أستاذ التاريخ القديم بجامعة صنعاء.
وبما أن الآثار والنقوش هي الشواهد المادية ومصدر تاريخي لمنجزات الانسان اليمني القديم في أرضه ومخلفاته المادية والحضارية »فغيمان« كموقع اثري غني بعادياته ونقوشه التي جذبت العلماء إليها منذ حركات الكشوفات الأثرية التي بدأت منتصف القرن الثامن عشر الميلادي ومن هؤلاء الباحث الفرنسي اليهودي يوسف هاليفي الذي زار »غيمان« في العام 1869م ونقل منها حوالي 24 نقشاٍ نشرت في المدونة الفرنسية »الكربوس« كما زارها في العام 1885م الباحث النمساوي جلازر.
ورغم عدم إجراء أي حفرية أثرية في المنطقة حتى الآن إلا أنه عرف من خلال النقوش أن المدينة كانت مسورة ولعلها كانت حصناٍ من الحصون المحيطة بصنعاء ومن أبرز معالمها:
– مقبرة يعوق: وهي عبارة عن حفر في الصخر غير تلك التي نعرفها وكانت تحفر في الجبال وأشهر تلك المقابر الصخرية نجدها في وادي ظهر في منطقة علمان.
– الحصن: وهو عبارة عن مبان لا يعرف للأسف الشديد ابعاده أو وظيفته.
وما يلفت النظر لغيمان أن طريق الحصن عبارة عن كتل صخرية تشكل اساس المباني ثم تتوالى الأحجار فوق بعضها تاركة مساحة.
– البئر: وهي في المنطقة الشرقية من الموقع وهنا يلاحظ أن البئر منقورة في الصخر وهي التي نعرفها من النقوش باسم (كريف).
وتْعد مدينة غيمان من المدن التي أقيمت على سفح جبل وكانت محاطة بسور مثل وسيلة هامة لحمايتها آنذاك وذكر المؤرخ الهمداني أن التبع اليماني قبر هناك وشجع ذلك الأمر على نبش وتخريب الكثير من المقابر وكان على رأس المخربين سيف الاسلام أحمد (أحمد يا جناه).
اهمال وتخريب
ويبدو أن أهالي قرية »غيمان« قد أعادوا استخدام بعض من أحجار تلك المدينة الأثرية ضمن أحجار بناء المنازل والمساجد الحالية وخير مثال على ذلك مسجدان أستخدمت حجارة المدينة في بنائهما أحدهما يعود للعصر الإسلامي وهو مسجد »جعيدان« والآخر بنْي حديثاٍ أسفل القرية وهو مسجد »غيمان« وتظهر عليه أحجار مبنية على بوابة الجامع وكذا صرح الجامع عليه نقوش مسندية ناهيك عن بقايا أعمدة متناثرة على صرح الجامع.
وغيمان تحتفظ بالعديد من الخرائب أهمها تلك التي تقع على الاكمتين الملتصقتين اللتين تشرفان من كافة جوانبهما على سهل فسيح ذي ارض زراعية خصبة وأهمها الأكمة الغربية التي يوجد عليها بقايا اساسات لمبنى ضخم هو قصر »غيمان« وبإمكان المرء أن يرى آثاراٍ عدة كصفوف من الحجارة المتراصة من بقايا السور الذي يكتنف المدينة من الجهتين ناهيك عن بقايا كسور أعمدة وكذا أحجار مبنية على الخرائب وبعض المنازل عليها نقوش وهي حالياٍ موجودة كما توجد منشآت مائية تعد من أهم وأجمل ما خلفته هذه المدينة وهي خزانات المياه المعروفة »بالكريف« والتي نحتت في الصخر.
هوية الشعوب
جلنا في المدينة لساعات عدة بين الخرائب والاطلال ولم نخرج بمعلومات ذات جدوى حقيقية غير ما كتب عن المدينة قديماٍ وما تزال غيمان في انتظار الاكتشافات العلمية التي ستبنى على حقائق وستظهر ما لم يكن بالحساب وستبرز معالم الحضارة اليمنية التي تفنن في بنائها الإنسان اليمني القديم وبما أن الآثار هوية الشعوب فإن ما يؤسف ويبكي في آن واحد أن أبرز معالم هذا الموقع الأثري لم يعد سوى أطلال وخرائب و تاريخ وحضارة لا يعرف عنها الكثير سوى ما كتب وما خفي فهو عرضة للنبش والتخريب وحال »غيمان« يحكي مدى الاهمال اللامتناهي للهيئة العامة للآثار لثروة قومية كان بالأحرى أن تكون سبيلاٍ لتحقيق رفاهية المجتمع المحلي وضمان استفادتها من عوائد السياحة.
»فغيمان« تحكي بمرارة غياب دور الهيئة وإجراءاتها لحماية هذا الموقع الأثري ودراسته ناهيك عن غياب متخصصي آثار لصيانة المباني القديمة لهذه المدينة كتراث وطني يفتخر به ومهما كان الأمر فعلى الهيئة أن تدرك أن تاريخ »غيمان« لا يكشفه إلا مسح أثري دقيق وتنقيب علمي منظم نأمل أن يتحقق قريباٍ وكفى آثار غيمان استنزافاٍ وعبثاٍ!!