أنور نعمان راجح
استطاعت ثقافة العصر أن تفرض سلوك التقليد عند الكثير من الناس وللأسف فإن تقليد السيئ من الأفعال والتصرفات هو السائد رغم أن التقليد بذاته سيئ وممقوت في كل الأحوال إلا أن تقليد الأشياء والأفعال الجميلة نادر الحدوث وعلى العكس من ذلك فإن وتيرة التقليد على أشدها في الجوانب السلبية وصولاٍ إلى تقليد سلوكيات العنف والفوضى ومعاداة الآخر.. هذا ما يحدث بالضبط في مجتمعات اليوم فنجد أكثر الأمور تحدث بفعل هذه الثقافة.. هناك من ينعق ويجهر بالقول في أشياء وقضايا لا يعرف عنها شيئا لكنه سمع غيره يقول فردد ما سمع كالبغبغاء.. وهناك من يخرج في مسيرة لا يعرف سبباٍ لها لكنه خرج وهتف مع الناس وصال وجال وربما سلك طريق الفوضى مقلداٍ غيره ممن يرى فيهم قدوة له فسلك بعدهم دون علم.. في بداية الأمر تأتي الأحداث السيئة والثقافة الداعمة لها والمْشرعة لأصحابها بصورة مدروسة غير عفوية ضمن أجندات لها أهداف لا تراعي مصلحة لأحد أو لبلد فتتحول مع مرور الوقت إلى قضية عند من أوكلت لهم مهمة الترويج لتلك الثقافة وإظهارها في الواقع وعمل كل ما من شأنه تنفيذ المهمة دون استثناء أو حدود للوقوف عندها أو الاحتكام لها..
وما يحدث أن تلك الثقافة تجد طريقها في الانتشار جهلاٍ وتقليداٍ حتى تختلط الأمور على البعض.. فلا يعلم كيف يتعاطى مع الوضع وإذا به ضحية لا حول له ولا قوة.. ثقافة تقليد الوعي والقناعات والمواقف هي المشكلة التي تكبر في حضرة الجهل وسوء النية وحسن النية في أوقات أخرى.. المجتمعات العربية رهن هذه الأسباب في جوانب كثيرة فعلى مستوى الوعي والثقافة أولاٍ اتجهت الأمور نحو تقليد الثقافة القادمة من وراء الحدود دون تمييز بين الغث والسمين وبذلك تراجعت الثقافة العربية الإسلامية الأصيلة واقتربت الأمور من فقدان الهوية وتولدت قناعات غريبة عند الكثير من الناس في هذه المجتمعات مفادها أن القادم هو الأفضل في كل الأحوال وأن كل ما يجري التمرد عليه من القيم والمبادئ وأنماط التفكير هو سيىء بلا شك.. وأن ذلك التمرد والرفض هو عين الصواب ودليل يقظة ومؤشر على أن المجتمع بخير وفي طريقه نحو الأفضل.. هذا الوعي ينسحب على كل المجالات والجوانب.. بدأت في الآونة الأخيرة تتردد فكرة رفض التقديس لأشياء كثيرة وهي لم تكن مقدسة على النحو الذي توصف به لكنها بداية مقصودة لمعاداة هذا الشيء أو ذاك من باب رفض التقديس على أن ثقافة من هذا النوع لا تؤمن بالمقدسات الحقيقية وسوف لن تكون بعيدة عن هذا الرفض الذي ينتشر بالتقليد أولاٍ داخل المجتمع الواحد بعد تقليد يحدث بين المجتمعات على نطاق أوسع.. المجتمعات الرافضة للتقديس في ثقافتها المصدرة إلينا لا تفعل ذات الشيء مع مقدساتها ومع كل عمل أو فكرة ترى أهميتها وضرورتها فتتعاطى معها بحكم المقدس وإن لم تقل ذلك لكن هذا يصدق من خلال حديثها عن ذلك الشيء ومن خلال العمل الذي تقوم به لصالح المْقدس بصورة أو بأخرى وفي مجتمعاتنا العربية لم تعد فكرة الأمن والاستقرار ومصالح البلدان العربية ووحدة أراضيها مقدسة والرفض يقف لها بالمرصاد كدليل على التقدم والرقي كما يظن أصحاب فكرة المعاداة لكل مقدس..