غلاء الأسماك بين القرصنة والكساد العالمي
تجار: القرصنة تشكل عائقاٍ إضافياٍ على الإنتاج السمكي المحلي
في الوقت الذي تؤكد فيه التقارير الرسمية الصادرة عن وزارة الثروة السمكية أنها وضعت ضمن أولوياتها الرئيسية توفير متطلبات السكان من السمك وبجودة عالية وأسعار مناسبة إلا أن المواطن البسيط يجد صعوبة كبيرة في شراء ما يكفيه وأسرته لتغطية وجبة واحدة خاصة وأن سعر الكيلو الواحد للسمك وصل هذه الأيام إلى أكثر من 1500 ريال للأنواع المتوسطة كالديرك والجحش وصار المواطن العادي إذا فكر في تناول وجبة سمك مضطراٍ لشراء الأنواع الرديئة كالباغة والبياض والثمد.
فهل أصبح تناول وجبة بسيطة من السمك مطلبا صعب المنال بالنسبة لمواطن ينتمي إلى وطن مثل اليمن يتمتع بشريط ساحلي يصل طوله إلى أكثر من 2500 كم ويوجد فيه أكثر من 160 جزيرة ومياه إقليمية تتوفر فيها أعداد كبيرة من الأسماك السطحية والقاعية والأحياء البحرية المختلفة التي يصل عددها إلى نحو 600 نوع تقريباٍ.
وكيف يتم استغلال هذه الثروة لدعم الاقتصاد الوطني¿ وهل يتم تطبيق الاشتراطات الصحية¿ وما هي الجهود المبذولة لتأمين متطلبات السكان من السمك في الأسواق المحلية.. تفاصيل أوسع على هذه القضية تقرأونها في السياق التالي:
تحقيق/ أحمد المالكي
في منطقتي البليلي والقاع حيث تتواجد أبرز الأسواق لبيع الأسماك بأمانة العاصمة حرصت أن استطلع آراء عدد من المواطنين وتجار السمك المتواجدين عن أسعار السمك الراهنة في السوق.
المواطن محمد صالح العمري يقول أن سعر السمك ارتفع منذ بداية الموسم الحالي بشكل غير عادي حيث وصل سعر كيلو السمك الديرك إلى أكثر من 1200 ريال وأحياناٍ يزيد على 1500 ريال ولا يقل سعر أسماك كالثمد والبياض والباغة عن ألف ريال.
ونضطر إلى شراء هذه الأنواع الرخيصة في أغلب الأحيان لارتفاع أسعار الديرك والجحش والجمبري وغيرها من الأنواع ذات الجودة العالية.
ويضيف: أنا أعول أسرة تضم أكثر من 15 شخصاٍ ولا يكفيهم إلا خمسة كيلو جرامات على الأقل وإذا أردت أن أوفر لهم وجبة تكفيهم بالكاد من الديرك مثلاٍ ينبغي توفير مبلغ ما يقارب عشرة آلاف ريال!! وهذا أمر يفوق إمكانياتي المادية خاصة أن مرتبي لا يزيد عن 30 ألف ريال في الشهر!!
وعن أسعار السمك مقارنة بالأعوام الماضية أوضح بالقول: كانت أسعار السمك في الأسواق منخفضة جداٍ خلال العام الماضي والسنوات التي قبلها حيث كنا نشتري الكيلو جرام الديرك بـ400-600 ريال ولكن في الفترة الأخيرة ارتفعت الأسعار أكثر من الضعف.
إلى الضعف
عدد من التجار الذين التقيتهم هناك أكدوا أن أسعار السمك خاصة خلال الموسم الحالي 2009م ارتفعت إلى الضعف وقالوا أن «القرصنة» التي ظهرت بشكل ملفت وزاد نشاطها خلال هذا العام تشكل عائقاٍ إضافياٍ على الإنتاج السمكي المحلي حيث لازالت هناك مخاطر كبيرة على الصياد اليمني كما أن الحذر الشديد من مخاطر القراصنة أثر على حجم الإنتاج المحلي وبالتالي قل الإنتاج واضمحل تدفق الأسماك إلى الأسواق المحلية مما أدى إلى ارتفاع أسعارها.
ويرون ان الكساد الذي أصاب الأسواق العالمية وعلى الأخص أسواق أوروبا والصين وانحسار الطلب على الأسماك اليمنية يعد كذلك سبباٍ في ارتفاع أسعارها.
برامج مستقبلية
وتشير التقارير الصادرة عن الاتحاد التعاوني السمكي أن هناك 122 مركزاٍ للصيد تابعة للاتحاد منتشرة في كل من المهرة وحضرموت وشبوة وأبين وعدن ولحج وتعز والحديدة وحجة وسقطرى وأن أكثر من 60% من هذه المراكز لا تتوفر فيها ساحات للحراج ومعامل الثلج مما يجعل عملية تداول الأسماك صعبة ويؤثر على جودة الأسماك كما أن تواجد الثلج بداخل السيارات العازلة التابعة للمشترين ليس بالقدر الكافي بما يحافظ على جودة الأسماك وإيصالها طازجة للمستهلك كما أن عدداٍ كبيراٍ من مراكز الانزال لا تتوفر فيها الشروط الصحية لتداول الأسماك وإيصالها إلى المستهلك طازجة.
ويؤكد تقرير الاتحاد على ضرورة تحسين وتعزيز دور هذه المراكز حتى تلبي حاجة المستهلك المحلي والتصدير إلى الخارج من خلال توفير معامل الثلج ووحدة التبريد والتجميد وتوفير حاويات أو صناديق لحفظ الثلج وكذلك إيجاد صناديق تداول الأسماك.. ويقول التقرير أن هناك ضرورة أيضاٍ إلى تحديد الميازين لمعرفة وزن الإنتاج وتوفير الماء العذب والطاقة الكهربائية بشكل مستمر وكذلك الحمامات والمغاسيل ومعالجة المياه العادمة وإقامة السنة بحرية ومراسُ لقوارب الصيادين.
وقد أعطى القانون الحق للجمعيات التعاونية السمكية بتسويق إنتاجها داخلياٍ وخارجياٍ ووضع الاتحاد برامج لمشاريع مستقبلية لتطوير النشاط التسويقي لتسهيل عمليات التسويق السمكي بالشروط الفنية والصحية وذلك لاستيعاب إنتاج الصيادين في الجمعيات السمكية وما بعد المزاد العلني لحفظه وضمان إيصاله طازجاٍ إلى المستهلك في الأسواق المحلية وتصدير الفائض عن حاجة السوق المحلية.. وقام الاتحاد بإعداد التصورات الأولية لإنشاء مراكز إعداد الصادرات في حضرموت وعدن والحديدة بالإضافة إلى المركز التسويقي في محافظة المهرة الذي سيساهم في حفظ وخزن الأسماك أثناء موسم الوفرة وبيعه في موسم الندرة وهذا المركز لو تم له النجاح فسوف يساهم في فتح أسواق نموذجية لبيع الأسماك الطازجة للمستهلك في العاصمة والمدن والرئيسية.
تقارير: مراكز الإنزال لا تتوفر فيها الشروط الصحية لتداول الأسماك
كما سيسهم في استقرار أسعار الأسماك بالمنافسة مع القطاعات الأخرى «العام والخاص» وكسر الاحتكار في الأسواق خاصة إذا ساهمت الحكومة والسلطات المحلية في دعم الجمعيات التعاونية السمكية وتهيئة الظروف المناسبة للدخول في المنافسة لاسيما وأن التعاونيات لا تهدف إلى الربح الكبير.
أبرز المشاكل
وأوضحت التقارير الصادرة عن الجمعيه اليمنية لمصدري الأسماك جملة من المعوقات الطارئة على الإنتاج السمكي والصادرات اليمنية حيث مثلت مشكلة القراصنة الصوماليين أبرز العوائق التي طرأت على الإنتاج السمكي المحلي لما ينتج عنها من مخاطر كبيرة على الصيادين اليمنيين وما يترتب عنها من رد فعل وحذر شديد من قبل الصيادين الأمر الذي أثر على حجم الإنتاج المحلي وإذا استمرت هذه الظاهرة فستؤثر على حجم الصادرات إلى الخارج.
ويرى التقرير أنه لابد من تجسيد شراكة حقيقية بين المكونات الأساسية الثلاثة العاملة في القطاع السمكي المتمثلة في وزارة الثروة السمكية وشركات القطاع الخاص ممثلة بالجمعية اليمنية لمصدري الأسماك والجمعيات السمكية ممثلة بالاتحاد التعاوني السمكي من خلال وضع آلية تجسد هذه الشراكة من خلال دراسة التشريعات التي تخدم كل مكونات النشاط في القطاع السمكي والمساهمة في وضع الرؤى الشاملة في خدمة وتطوير هذا القطاع بما يجعله مساهماٍ فاعلاٍ في رفد الاقتصاد الوطني لبلادنا.
تطبيق المقترحات المطروحة من الوزارة سيحل مسألة التأمين الغذائي للسكان
تحديات
وتناول تقرير الجمعية عدداٍ من التحديات الأساسية التي تجابه الصادرات السمكية اليمنية وتدني الإنتاج السمكي والمتمثلة في ضعف الاصطياد التقليدي من حيث الوسائل المستخدمة وضعف جودة الإنتاج وعدم تشجيع القطاع الخاص في الاستثمار في وسائل الاصطياد التقليدي والصناعي بالإضافة إلى ضعف التشريعات الخاصة بتنظيم الاصطياد التقليدي والصناعي وارتفاع أسعار المواد الخام مقارنة بالدول المنافسة مثل عمان وسريلانكا واندونيسيا وضعف التشريعات الخاصة بضوابط التصدير وضعف المهنية في النشاط التصديري.
وطرحت الجمعية في تقريرها خطة شاملة للنهوض بالقطاع السمكي في بلادنا من خلال تطوير وسائل الاصطياد التقليدي وعلى الأخص قوارب الصيد لتتمكن من المحافظة على الجودة وتوسيع قاعدة النشاط للعمل في البحر ومد المشتغلين بوسائل صيد متطورة من خلال صناديق إقراض ميسر كصندوق تشجيع الانتاج الزراعي والسمكي بالإضافة إلى الإرشاد والتدريب للصياد التقليدي من خلال برامج خاصة تعد لهذا الغرض كما أن هناك أهمية لوضع تشريعات ملزمة للاصطياد التقليدي للحفاظ على الجودة كأخذ الصناديق العازلة والثلج وغيرها من المتطلبات وتشجيع الاستثمار من خلال إيجاد شراكة حقيقية بين الصيادين والقطاع الخاص والإشراف المباشر وفق المعايير العلمية الصحيحة من قبل هيئة الأبحاث على كافة أساليب وأنشطة الاصطياد بالإضافة إلى تطوير مواقع الإنزال والإشراف الفعال والمباشر من قبل وزارة الثروة السمكية وإعادة دراسة التشريعات المنظمة لعمل الاصطياد التقليدي والصناعي.
أهم الأولويات
فيما تقول التقارير الرسمية الصادرة عن وزارة الثروة السمكية ان مسألة التأمين الغذائي من الأسماك وتوفيره إلى كافة المواطنين بجودة عالية وبسعر مناسب على مدار السنة وتأمين توفر الأسماك محلياٍ قبل تصديره إلى الخارج يعد من أهم الأولويات التي تقوم بها الوزارة وبدرجة أساسية على اعتبار أن زيادة الصادرات على حساب حاجة السكان أمر غير مرغوب فيه وقد قدمت الوزارة عدداٍ من الحلول والمقترحات إلى الجهات المختصة وإذا تم تطبيقها فإنها ستؤدي إلى حل مسألة التأمين الغذائي للسكان وتتمثل هذه الحلول حسب التقرير في أهمية تنظيم عملية البيع في مراكز الإنزال في مواقع محددة تتوفر فيها الشروط الصحية المطلوبة ومنع التصدير للأسماك المرغوبة للاستهلاك وبالذات أثناء فترة الرياح الموسمية وندرة توفرها في الأسواق بالإضافة إلى ضرورة إشراف مكاتب الوزارة بالمحافظات على مواقع الإنزال للأسماك والحراج للحد من المغالاة في الأسعار وتعدد الوسطاء والمحرجين وأن تقوم الدولة بتقديم الدعم اللازم والتسهيلات للصيادين في ما يحتاجون إليه من معدات ووسائل نقل وذلك بهدف تخفيض التكلفة وزيادة الإنتاج.
كما يرى التقرير أن هناك ضرورة لإعادة تأهيل الأسواق المركزية في بعض المحافظات وتأجيرها على الشركات العاملة في الإنتاج السمكي وتوفير المنتجات السمكية بأنواعها المختلفة بجودة عالية وأسعار مناسبة تخدم المستهلك اليمني وضرورة الالتزام بشروط التصدير الموضحة في اللوائح ومنع تصدير الأسماك خلال فترة ندرة توفر الأسماك وعدم تصدير المنتجات السمكية التي يتم إغلاق مواسم الاصطياد والتصدير لها إضافة إلى تعزيز المنافذ البرية بكوادر ذات كفاءة عالية قادرة على فحص ومراقبة جودة الأسماك وأن يكون لها الصفة الضبطية لمنع وإتلاف أي كمية من الأسماك غير الجيدة والتي لا تصلح للاستهلاك الآدمي.
كلمة
القطاع السمكي يعتبر أحد أهم القطاعات الاقتصادية الواعدة ويعد من الثروات المتجددة بالنسبة لليمن لأسباب أهمها توفير الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي وتوفير عملة صعبة من عائدات التصدير الذي يعتبر الثاني بعد النفط والأول بالنسبة للصادرات غير النفطية وكذا توفير فرص عمل لأكثر من 70.000 أسرة والتخفيف من الفقر وتتمتع اليمن بتوفر أكثر من 350 نوعاٍ من الأسماك والأحياء البحرية المستغل منها حتى الآن 50 صنفاٍ كما تتمتع الجزر اليمنية بتنوع بيئي وحيوي وتوفر مخزون سمكي على مدار العام كما أن الإمكانيات الإنتاجية وفقاٍ للمؤشرات والدراسات تفوق 500 ألف طن المستغل منها إلى حد الآن يتراوح بين 256.300 طن عام 2004م وانخفض إلى 179.916 عام 2007 ليصل إلى 127.000 طن عام 2008م.. فهل تدرك الجهات المختصة أهمية هذا القطاع الاقتصادي الحيوي¿ وما مدى التوجهات نحو تشجيع الاستثمار في هذا المجال¿ وهل سيلمس المواطن إجراءات عاجلة وسليمة من قبل الجهات المعنية لتسهيل وصولها إليه وتأمينها صحياٍ وبأسعار مناسبة..
غلاء الأسماك بين القرصنة والكساد العالمي
التصنيفات: تحقيقات