هناك الكثير من الصور الذهنية المغلوطة التي رسمناها عن أحكام وضوابط الاختلاط بين الجنسين حيث يعتقد الكثير من الناس أن مخالطة المرأة للرجل في العمل والمدرسة والسوق والاجتماعات والاحتفالات بل ووسائل المواصلات لا تجوز شرعاٍ !!
«نور على نور» تناقش في مايلي من السطور العديد من القضايا المتعلقة بالمرأة المسلمة من حيث مخالطتها ومجالستها للرجال والتي انطبعت في أذهاننا عنها صورة خاطئة فأصبح الخروج عليها شذوذاٍ عن القاعدة التي تربينا عليها.. المزيد في ما يلي :
تحقيق/ عمر العمقي
لم تتمكن «سلوى» من الالتحاق بالدراسة الجامعية بسبب رفض والدها الذي يرى أن الإقدام على ذلك من المحرمات شرعاٍ فمن غير الجائز عند والد «سلوى» ذهاب ابنته إلى الجامعة التي يشاطر فيها الذكور الإناث قاعاتها الدراسية.. أما «ليلى» فقد باءت محاولاتها بالفشل بعد أن رفض زوجها الموافقة على التحاقها بالعمل رغم أنها تملك المؤهلات والقدرات التي تتناسب مع طبيعة الوظيفة المعروضة عليها.
وعلى العكس من ذلك فقد قام «فهد صالح» بتشجيع زوجته ودفعها للعمل في إحدى الجهات الحكومية رغم السخط الذي لاقاه من أفراد عائلته الذين رأوا في مثل هذا الصنيع خرقاٍ وشذوذاٍ عن القاعدة التي نشأت عليها أسرته القروية.
موروث ثقافي
كثيرة هي المواقف التي تنبئ عن الصورة الذهنية المغلوطة التي رسمناها عن الاختلاط بين الجنسين والتي توضح الفهم المغلوط عن الاختلاط بين الجنسين وتوضح الفهم المغلوط عن الحكم الشرعي لمثل هذه المواقف التي تقع فيها بين حين وآخر.
فمن المؤسف حقاٍ أنه قد انطبعت في أذهاننا صورة خاطئة عن مفهوم الاختلاط الذي أصبح الخروج عليها ينْقص من التزام الفرد وتدينه بل إنه صار مثل هذا الخروج شذوذا لا يمكن تقبله .. ومرد الأمر يرجع إلى أننا توارثنا هذه الصورة وتعمق إيماننا بها نتيجة لضعف الوعي الشرعي والديني أحياناٍ وللموروث الثقافي والاجتماعي أحياناٍ أخرى .
صور مغلوطة
لكل إنسان منا اختيار الطريقة التي يحلو له العيش بها شريطة أن لايخرج عن إطار الشرع ولكن المشكلة أن نختزل الإسلام أو الالتزام – إذا صح التعبير – في هذه الصورة وأن نعد الخروج عليها انحلالاٍ وتسيباٍ وكثيرة هي المواقف التي تؤكد ذلك.. وللدلالة على ذلك مايقوله البعض في من يتخذ من «المسبحة» وسيلة للتسبيح وما ينكره البعض من حلق اللحية ولبس البنطلون وسفر المرأة بدون محرم .. وغير ذلك من القضايا مع أن القاعدة الشرعية تقول:
«لا إنكار في المختلف فيه إنما الإنكار في المجمع عليه»..
الاختلاط
لست أدري إن كان لدى أحدكم دليل قاطع يمنع اختلاط الرجال بالنساء في المناسبات والحفلات والأفراح.. لقد بحثت كثيراٍ في السيرة النبوية عن مثل هذا النص فلم أجد سوى خروج الرجال والنساء والأطفال ابتهاجاٍ واحتفالاٍ بمقدم خير البشرية محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر الصديق إلى المدينة المنورة يوم الهجرة النبوية الشريفة .
حتى لايفهمني البعض بصورة خاطئة .. إن اختلاط الرجال بالنساء في المحافل العامة والخاصة أمر جائز ولاحرج في ذلك.. بدليل أن النساء والأطفال كانوا يقومون باستقبال وتوديع الرسول وأصحابه المشاركين في الغزوات الإسلامية.
هنالك الكثير من المسلمين يرون في اختلاط الرجال بالنساء في الحفلات والمناسبات أمراٍ غير جائز مع أن الصواب هو جواز ذلك مادام الجميع ملتزما بما أمر الله به.
لهذا لست أدري.. من أين جاءت مثل هذه الصورة التي انطبعت في أذهاننا¿.. بأن اختلاط الرجال بالنساء ليس من الإسلام وأن مثل هذا الأمر بدعة منكرة ويتنافى مع تعاليم ديننا الحنيف¿!
قضايا مختلفة
هناك الكثير من القضايا التي نتعامل معها بطريقة خاطئة بإعتبارها من الإسلام مع أن ديننا الإسلامي بريء منها براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام فمثلاٍ النظر إلى المخطوبة أمر غير جائز عند الكثير من الأسر مع أن الأحاديث النبوية تشير إلى جواز ذلك صراحة.
كيف سيكون الحال إذن لو أن أحدنا قرر التحدث إلى خطيبته عبر الهاتف بهدف التعرف عليها وما إلى ذلك¿.. ربما أن القيامة ستقوم حينئذُ!!
المرأة والبرامج الدينية
ذات مرة استمعت لعدد من الدعاة وهم ينكرون على الداعية الاستاذ عمرو خالد قيامه باستضافة جمهور من الشباب والشابات في برامجه التلفزيونية التي لاقت إقبالاٍ كبيراٍ من المشاهدين..المهم أن هؤلاء قاموا بشن حملة إعلامية شديدة القساوة على تلك البرامج الدينية التي كان ولايزال يحضرها الكثير من الفتيات بلباسهن التقليدي والعصري على حد سواء ..مع أن السيرة النبوية تؤكد حضور الصحابيات إلى المسجد النبوي لأداء الصلوات المفروضة خلف النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام التي لم تخل من الوعظ النبوي عقب الصلاة.
ليس هناك أدنى وجه للمقارنة ولكن وللاستشهاد فقط أيهما الأفضل للمرأة حضور حفلة غنائية خاصة أو برنامج ديني قد يؤثر في نفسها ويدفعها نحو الالتزام بدينها..
مواقف من حياة الصحابة
لاشك أن مجتمع القدوة بحق الذي لا يختلف عليه اثنان هو صدر الدولة الإسلامية في عهدها الأول حيث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ولاشك أننا بحاجة إلى مدارسة السيرة مراراٍ وتكراراٍ لنتعلم كيف كان يحيا هذا الجيل بالإسلام ¿.
هنالك العديد من المواقف التي تزيح تلك الثقافات التي نؤمن بها دونما حجة أو دليل شرعي على صحتها و تشير إلى أحكام وضوابط يالاختلاط بين الجنسين.. ومن ذلك قصة ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث «جاء رجل إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام .. فقال : إني مجهود – جائع من التعب والإرهاق – فأرسل النبي إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء ثم أرسل إلى أخرى فقالت : مثل ذلك حتى قلن كلهن مثل ذلك.. فقال النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه : من يضيف هذا الليلة رحمه الله ¿.. فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله فانطلق به إلى بيته فقال لامرأته: هل عندك شيء ¿.. فقالت:لا إلا قوت صبياني قال : فعلليهم بشيء فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنا نأكل فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه.
قال : فقعدوا وأكل الضيف فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال «لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة» رواه مسلم .
والشاهد الذي أريد الوقوف عنده هو جلوس زوجة هذا الصحابي مع هذا الضيف على مائدة الطعام الذي لم تربطها به قرابة أو مصاهرة بل لم تكن تعرفه من قبل ومع هذا لم يمنعهما دينهما من جلوسها معه على مائدة واحدة.
صدق سلمان
قصة أخرى رواها البخاري في صحيحه وهي قصة سلمان الفارسي مع زوجة أبي الدرداء حيث آخا النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان الفارسي وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها : ما شأنك ¿ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماٍ فقال : كل قال : فإني صائم قال سلمان : ما أنا بآكل حتى تأكل قال :فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يصلي «القيام» قال سلمان: نم يا أبا الدرداء فنام (…) فلما كان آخر الليل قال سلمان : قم الآن فصليا فقال له سلمان : إن لربك عليك حقاٍولنفسك عليك حقاٍ ولأهلك عليك حقاٍ فاعط كل ذي حق حقه.. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي عليه الصلاة والسلام:صدق سلمان .
والشاهد هنا هو حوار سلمان الفارسي مع أم الدرداء رضي الله عنهما فقد رأها على هيئة لا تليق بامرأة متزوجة فأفصحت له عن أدق الخصوصيات التي تكون بين الأزواج بطريقة مهذبة وعبارات ليس فيها مايخدش الحياء وفهم سلمان الرسالة ثم كان ماكان ولم بلغ الرسول عليه الصلاة والسلام أقر الرسول ما فعله سلمان ولم يقل له : كيف وأنت من صحابتي تتحدث في مثل هذه الأمور الخاصة¿.. ولم ينكر أبو الدرداء على زوجته حديثها مع صاحبه فما دام المرء لم يخرج عن سياج الأخلاق والفضيلة التي خطها لنا الإسلام فليس هناك ما يدعو للخوف والقلق.
الحكم الشرعي
يقول الشيخ عصام الشعار عن الاختلاط بين الجنسين في الأفراح والحفلات والاجتماعات وخروج المرأة إلى السوق وتعاملها مع البائع واستخدامها لوسائل المواصلات العامة.. يقول «إن اختلاط الرجال بالنساء في المحافل العامة والخاصة أمر جائز ولاحرج في ذلك المهم ألا نتكلف الأمر ونسعى اليه فإذا وجدت حاجة تدعو إلى تواجد الأخوات مع الإخوة في أي محفل ـ دون تكلف ـ فلا حرج في ذلك والواجب هو مراعاة أخلاق الإسلام وآدابه عندئذُ .
شروط وضوابط
وعن تلك الآداب يقول الداعية عصام الشعار :« يجب على الأخوات المسلمات الالتزام باللباس الشرعي الساتر لجميع البدن عدا الوجه والكفين شريطة أن يكون واسعاٍ فضفاضاٍ وأن يكون سميكاٍ»..
ويضيف أن على الذكور والإناث غض البصر لغير حاجة وأن يكون الحديث بين الرجل والمرأة جاداٍ أو كما سماه الله تعالى:«وقلن قولاٍ معروفاٍ» كما على المرأة تجنب كل ألوان الإثارة سواء بالقول أو الفعل وكذلك الحال بالنسبة للرجل .
لغة الرجال
ونوه الشعار إلى أن إفراد مكان خاص للنساء عن الرجال هو الأفضل والأحسن وليس ذلك لحرج شرعي وإنما كلنا يعلم أن للرجال لغة في ما بينهم وللنساء أحاديثهن الخاصة وحتى يجد الجميع راحته في المجلس فإن تيسر إفراد كل في مكان فهذا خير وإلا فالأمر فيه سعة.
شرعية مشاركة المرأة للرجل في العمل ومختلف الفعاليات
التصنيفات: نور على نور