نايف علي رحمة
تمضي بلادنا – وبخطى واثقة – قدماٍ نحو الوصول إلى اللامركزية التي تبنتها القيادة السياسية في وقت سابق بفتحها أبواب الديمقراطية والتعددية السياسية وحرية التعبير عن الرأي.. إلا أن الوقت آنذاك لم يكن مناسباٍ لاستيعاب المفهوم الديمقراطي جملة وتفصيلاٍ خاصة في ظل حداثة هذا المفهوم على عقلية الشعب اليمني الذي عاش في الماضي تحت نير الحكم الإمامي المستبد أو في إطار نظام شمولي لا يعرف أكثر من نظام الحزب الواحد وبغرض استيعاب كل المفردات الديمقراطية لتأسيس نظام ديمقراطي متكامل فإن القيادة السياسية قد تعاملت مع هذا الأمر بحكمة بالغة حتى يتم تحقيق الهدف المنشود وتدرجت مع هذه المسألة بطريقة تضمن لها النجاح وتؤدي في نهاية المطاف إلى استيعابها في أوساط المجتمع اليمني.
في بداية الأمر تم فتح الباب أمام التعددية الحزبية المنظمة التي احتوت كل التوجهات والأطياف داخل المجتمع اليمني في إطار منظم وقانوني يتم من خلاله المشاركة في العملية السياسية انطلاقاٍ من أهداف معلنة وبرنامج سياسي يكون الحكم فيه هو الشعب الذي يحدد نوعية من يمثله وكيفية تمثيله له وذلك من خلال انتخابات برلمانية شفافة أفرزت السلطة التشريعية للشعب التي تسن القوانين وتراقب سير أداء العمل للسلطة التنفيذية وتعمل على تعديل وتطوير القانون الذي يخدم الشعب ويلبي احتياجاته.
وبعد نجاح التجربة البرلمانية في بلادنا جرى فتح الأفق أمام حرية التعبير عن الرأي وذلك عن طريق إصدار قانون الصحافة والمطبوعات الذي أتاح المجال للمفكرين والكتاب والصحفيين القيام بمهمة السلطة الرابعة عن طريق النقد البناء والهادف الذي يصب في خدمة المجتمع ويقوم بمتابعة أداء الحكومة وكشف بعض الحقائق حول الكثير من القضايا ذات الاهتمام.
ثم تدرجت عجلة الديمقراطية شيئاٍ فشيئاٍ مروراٍ بانتخابات المجالس المحلية والانتخاب المباشر لرئيس الجمهورية ومحافظي المحافظات أولاٍ ومديري المديريات تالياٍ لتكون المركزية في اتخاذ القرار قد تلاشت واختفت من واقع المجتمع اليمني وليكون المواطن هو مركز إصدار القرار ومدار تعيين السلطات في الأول والأخير وهذه النتيجة هي التي دأبت القيادة السياسية ممثلة بفخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية على تحقيقها والوصول إليها منذ الانطلاقة الأولى للنظام الديمقراطي في بداية التسعينيات..
ومما لا شك فيه أن هذه التجربة الرائدة في بلادنا هي النموذج الأول من نوعه في المنطقة العربية الذي حظي بالاحترام والتقدير والإعجاب من قبل المجتمع الدولي ككل وذلك على أساس كونه نتاجاٍ داخلياٍ بامتياز من قبل القيادة والشعب اليمني ولم يأت عن طريق الإملاءات والإرادات الدولية أو الإقليمية كما حدث في بعض البلدان وهو الأمر الذي يجعلنا – كيمنيين – نشعر بالاعتزاز والفخر كوننا أصحاب إرادة وقرار ونستطيع استيعاب كل المتغيرات السياسية في العالم ونأخذ منها كل ما يتوافق مع عاداتنا وتقاليدنا وهويتنا العربية والإسلامية..