ابن النيل
ربما كان من الطبيعي أن يحظى خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى مسلمي العالم من قلب جامعة القاهرة.. بكل ما لمسناه قبل وبعد إلقائه إياه.. من اهتمام إعلامي مستحق .غير أن خطاباٍ سياسياٍ كهذا على أهميته.. من المفترض قراءته على نحو لا يحتمل الذهاب بنا إلى أبعد مما أراد صاحبه .ويقيني أن أوباما لم يأت إلى العاصمة المصرية.. ليعلن على مسامع ملاييننا ما يشكل خروجاٍ على ثوابت السياسة الأميركية المتعارف عليها جمهورياٍ وديمقراطياٍ وعلى كافة الصعد والمستويات وإن ارتأى في ما انتهجته إدارة سلفه من سياسات خارجية على وجه الخصوص ما يتعارض مع مصالح بلاده جملة وتفصيلاٍ وهنا تكمن فحوى التغيير الذي ارتضاه عنواناٍ لحملته الانتخابية التي سبقت تسلمه مفاتيح البيت الأبيض الأميركي .ثم إن الرجل – في اعتقادي على الأقل ومنذ اتخذ قراره بخوض غمار معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية ممثلاٍ لحزبه الديمقراطي – إنما لم يكن يستهدف تسميته رئيساٍ للولايات المتحدة فحسب بقدر ماكان يتطلع وما يزال.. إلى محاكاة أقرانه من مؤسسيها الكبار على أمل أن ينضم إلى قائمتهم ربما لثقته اللامحدودة في كونه يتمتع بكاريزما من نوع خاص.. تؤهله لذلك.وليسمح لي من سبقوني إلى قراءة خطاب أوباما والمشار إليه بأن اختلف مع الكثيرين منهم وتحديداٍ.. هؤلاء الذين اعتبروا مهمة الرئيس الأميركي في القاهرة بمثابة زيارة رسمية لمصر ذلك أن المساحة الزمنية للقائه مع نظيره المصري.. لم تكن تتسع لمجرد استعراض عناوين الملفات المفترض مناقشتها بين الجانبين في حالة كهذه بمعنى أن الساعات القلائل التي قضاها الرجل متنقلاٍ بين أرجاء قاهرة المعز ومعالمها التاريخية.. إنما لا تعدو كونها محض «زفة» فضائية ليس إلا مع تسليمنا المبدئي بأهمية ما تضمنه خطابه الموجه الينا بالدرجة الأولى عرباٍ ومسلمين وقد جاء ساعياٍ لتجميل صورة أميركا في أذهاننا وتنقيتها قدر الإمكان.. مما كان قد زادها قبحاٍ أبان فترة ولايتي سلفه الجمهوري.وليس لنا في أجندة باراك أوباما بطبيعة الحال سوى ما يتعلق بقضية الصراع العربي الصهيوني وهي قضية ذات صلة بملف إيران النووي من جهة وبحيثيات الغزو الأميركي لبلاد الرافدين من جهة أخرى.. كما نعرف .صحيح أن أوباما أكد في خطابه هذا على ضرورة حل الدولتين وهو ما ليس جديداٍ في هذا الاتجاه مع تحفظاتنا المشروعة على مجمل ماتراه أميركا سبيلاٍ للحل في شأن كهذا إلا أنه أشار في الوقت ذاته إلى أن إدارته ليس بمقدورها أن تفرض مشيئتها على الآخرين بالمقابل وإن كان قد استبق قوله هذا.. بتأكيده صراحة على حقيقة أن علاقة بلاده بكيان العدو غير قابلة للانكسار ومع ذلك فقد أدار قادة ذات الكيان ظهورهم لما جاء على لسانه في هذا الخصوص.وفي سياق حديثه عن اضطهاد اليهود وعن شرعية ومشروعية أن يكون لهم وطنهم القومي وإقراره الضمني بيهودية كيانهم العنصري المصطنع كان لابد من أن يبدي أوباما صريح أسفه على ضحايا صواريخ المقاومة الفلسطينية من بني صهيون بينما لم يشأ أن يتوقف للحظة واحدة أمام آلاف الشهداء والجرحى من ضحايا الحرب على قطاع غزة المحاصر حتى ولو كان ذلك على سبيل المجاملة البحتة..