أتذكر انه عندما كان يكتب ” المحرر السياسي ” في صحيفة حزبية عريقة ومعتقة يكون لتلك المادة المكتوبة وقع غير عادي ليس لأن المحرر السياسي هو من يكتب ذلك المفتتح.. ولكن لمضامينه والرسائل التي يوصلها والمواقف السياسية التي يطرحها والتي – بلا شك – لا تتعارض أو تنفك عن مواقف الحزب أو الجهة التي تصدر عنها الصحيفة كما أن ما يكتبه ” المحرر السياسي ” في الغالب يعكس تلك المواقف التي لا تْقال في جلسات الحوار أو في موقعة سياسية ما .
أما في الجانب المهني فان كلمة ” المحرر السياسي ” عادة ما تلتزم بالمهنية والاحترافية وقبل ذلك بأخلاقيات المهنة وعادة لا تعكس طيشاٍ سياسياٍ أو ” نزقاٍ ” أو حماقة من أي نوع لان الذي يكتبها – في الغالب – شخص متمكن من الكتابة وأدواتها واثق من نفسه لا تقوده غريزته أو عدوانيته تجاه الآخر نحو كيل التهم جزافاٍ أو إلقاء السباب والشتائم على العواهن وبالتالي كسب مزيد من ” الأعداء ” وفقدان المزيد من الأصدقاء !!
وخلال مسيرتي المهنية المتواضعة عاصرت وشاهدت أشكالاٍ وأصنافاٍ من الساسة والكتاب عن قرب وعرفت طبائعهم وأمزجتهم في الحياة اليومية بتعاملهم مع الآخرين وفي الكتابة إلا أني لم اشهد أسوأ من ” المحررين السياسيين ” في الوقت الراهن هذا عوضاٍ عن تدني أداء الصحف في المحتوى السياسي وافتقارها إلى أبسط قواعد المهنة والأخلاق بحيث أن كثيراٍ من ” زعامات ” الصحف ” المخضرمة ” تطوعها ” زعامات ” الأحزاب وتقودها إلى مصير خرق معايير المهنة وتجاوز أخلاقياتها وبالتالي التغرير بالجماهير المتلقية وان كانت محدودة !
ولعل من سخرية القدر بنا أن بعض الصحف المستقلة باتت لها افتتاحيات ومحررون سياسيون أسوة بالصحف الحزبية وبظني أن ليس لذلك داع سياسي أو مبرر مهني لكون ذلك يتناقض مع الاستقلالية التي تنعدم فيها المواقف السياسية وتنحاز فقط للناس أولاٍ وأخيراٍ .. لكن المرء قد يعذر أو يتفهم التجاوز المهني للمبتدئين غير انه لا يغفره مطلقاٍ.. للمحترفين !!
لكن الحالات الأسوأ تتمثل في أن يحتل السياسيون موقع الصحافيين وبالتالي يتحكمون في مقاليد السياسة والصحافة معا وإن كان احدهم بارعا في السياسة وسلب ألباب الناس بمفرداته عند الحديث في الجلسات العامة فإنه ـ دون مجاملة ـ يبدو كمن يتعلم الحروف الأبجدية ويحاول أن يكتب على ” السبورة ” عند خوضه مجالا غير مجاله وفي الأخير يرمي بالوبال على أهل الصحافة !