أثارت عمليات القرصنة والسطو المسلح قبالة السواحل الصومالية وخليج عدن قلقاٍ متزايداٍ لدول المنطقة خصوصاٍ مع ارتفاع اعدادها وما ترتب على ذلك من زيادة كبيرة في عدد القوات الدولية التابعة للدول الكبرى تحت مبرر حماية مصالح تلك الدول وتأمين حركة التجارة الدولية من أعمال القرصنة !!
وهذا التواجد الكبير للقوات الدولية في واحد من أهم الممرات العالمية وفي هذا الوقت بالتحديد يثير القلق ويدعو للخوف إزاء الاخطار المحتملة التي يمكن أن تتعرض لها المنطقة !!
ويبدو أن هناك ثمة أجندة خفية تقف وراء قرار مجلس الأمن بهذا الخصوص خصوصاٍ إذا ما علمنا أن أعمال القرصنة موجودة في اكثر من منطقة بحرية في العالم ولم يتعامل معها مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي بنفس الطريقة التي تم التعامل فيها مع ما يجري في خليج عدن والقرن الأفريقي!!
وهناك خشية ومخاوف عدة من أن تتغير وتتحول مهمة القوات الأجنبية من ملاحقة القراصنة إلى تهديد للأمن القومي للبلدان المطلة على هذه الممرات الدولية .. ربما إلى ملاحقة »الارهاب« في هذه الدول !!
عموماٍ أن تواجد القوات الأجنبية من شأنه مضاعفة المشاكل لما يمثله من انتهاك لسيادة كل دولة مطلة على البحر الأحمر .. ومنها بلادنا.
التقرير التالي يسلط الاضواء أكثر على هذه القضية من خلال استعراض للأوراق التي أعدتها لجنة الدفاع والأمن والخارجية والسياسية بمجلس الشورى ..
عرض/عبد العليم الهاشمي
بينما قدرت مكاسب القراصنة من جراء عملياتهم خلال العام 2008م بحوالى 30 مليون دولار هي مبالغ الفدية التي دفعتها شركات الملاحة حتى أكتوبر 2008م وذلك طبقاٍ للتقرير الذي أعدته اللجنة المشتركة من لجان السياسة والخارجية والدفاع والأمن بمجلس الشورى.
في عام 2003م سجلت ثلاث عمليات قرصنة قبالة السواحل الصومالية وصلت إلى 35 عملية في عام 2005م كما بلغت في عام 2007م 31 عملية ويعتبر عام 2008م أكبر الأعوام التي شهدتها عمليات القراصنة منذ عام 2003م والتي بلغت فيها العمليات إلى 85 عملية قرصنة في تلك المناطق الساحلية للصومال وخليج عدن .
البداية
ولم يكن عام 2003م بداية عمليات القرصنة وإنما تعود بدايتها إلى عام 1995م حيث اتخذت آنذاك شكل حوادث متفرقة تتم في فترات زمنية متباعدة بالقرب من سواحل مدينة »كسمايو« الصومالية إلى أن وصلت خليج عدن وباب المندب في بلادنا .
وظهور القرصنة ونموها المتزايد في هذه المنطقة ليس وليد اللحظة وإنما هو مدروس سلفاٍ من قوى خفية فالبحر الأحمر له أهمية إستراتيجية فهو يربط القارتين افريقيا وأوروبا وبين الهند وجنوب غرب آسيا وشرق أفريقيا وتمر عبره ما يقارب عشرين الف سفينة ناهيك عن السفن والقطع الحربية وتمر عبره أيضاٍ أكثر وأكبر شحنات النفط إلى أوروبا من دول الخليج كونه أقصر طريق بحري بعد افتتاح قناة السويس عام 1869م ويجمع معظم الاستراتيجيين على أنه ممر مهم للملاحة الدولية يشقيها الاقتصادي والعسكري .
كما أن خليج عدن يتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الاحمر وقناة السويس وهو أحد أهم طرق الملاحة البحرية عالمياٍ حيث يشكل طريقاٍ رئيسياٍ للتجارة بين أوروبا وآسيا ويكاد يكون الطريق الوحيد بين روسيا والدول المطلة على البحر الأسود إلى غرب أفريقيا وجنوب شرق آسيا .
الاضرار
وبحسب الدراسة التي أعدتها اللجنة المشتركة في مجلس الشورى في بلادنا »لجنة السياسة والخارجية والدفاع والأمن« هناك تأثيرات اقتصادية وأمنية للقرصنة أبرزها :ازدياد سعر التكلفة واستغراق فترة زمنية أكبر في نقل البضائع وكذا ارتفاع اسعار النفط !
يقول السيد مترو بولوس رئيس المنظمة الدولية للملاحة البحرية لمجلس الأمن الدولي »إن المسافة في رحلة عادية من ميناء رأس تنورة النفطي في السعودية إلى مضيق جبل طارق ستتضاعف تقريباٍ وتستغرق ١٢ يوماٍ إضافياٍ وهو ما سيؤخر سد النقص في مخزونات النفط الاوروبية والاميركية وأن كل رحلة حول أفريقيا ستطلب ٠٥٧ طناٍ إضافياٍ من الوقود وتؤدي إلى انبعاث 2335 طناٍ من غاز ثاني أكسيد الكربون مضيفاٍ بأن أسعار الشحن البحري قد تتزايد مبدئياٍ إلى أكثر من الضعفين لتستقر في وقت لاحق عند مستوى أعلى بزيادة تتراوح بين 25 -%30
وأشار تقرير معهد »شايتم هاوس« الصادر في لندن في أكتوبر 2008م إلى أن قناة السويس قد تتعرض للإغلاق في حالة استمرار القرصنة البحرية جنوب البحر الأحمر نتيجة لزيادة قيمة التأمين على السفن المارة عبر خليج عدن إلى قناة السويس مما أدى إلى تقلص عائدات قناة السويس خلال أكتوبر الماضي إلى 467 . 5 مليون دولار والذي يعتبر أقل عائد شهري خلال ستة أشهر حققته حركة الملاحة في القناة .
كما أن الدول الأخرى المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن خسارتها ناتجة عن تكاليف أجور النقل »زيادة قيمة النولون« على السفن التجارية التي تمر عبر »الرجاء الصالح« نتيجة بعد المسافة .
كما أن زيادة قيمة »النولون« بالنسبة للسفن التي تستمر بالمرور عبر خليج عدن وقناة السويس وبالتالي زيادة التأمين بسبب مخاطر القرصنة وفي الحالتين فإن زيادة »النولون« تعكس نفسها على زيادة قيمة البضائع وبالتالي سلباٍ على اقتصاد البلدان.
الصيادون في خطر
وبحسب الدراسة تشير البيانات إلى أن القرصنة تؤدي إلى مخاطر على 65 . 798 صياداٍ يمتلكون 16 ألف قارب صيد توفر 2890 فرصة عمل جديدة سنوياٍ وقد وصل الأمر إلى اختطاف سفينة صيد كبيرة طالب مختطفوها بفدية مقدارها ثلاثمائة ألف دولار.
وتؤدي أعمال القرصنة إلى ارتفاع أسعار الأسماك نتيجة لتحميل تكاليف الفدية المدفوعة بالإضافة إلى تكاليف التأمين على الملاحة .
وعلى الصعيد الأمني فإن عجز الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن عن اتخاذ إجراءات لمكافحة القرصنة أعطى فرصة للدول الأخرى لإرسال سفن حربية لحماية الملاحة البحرية الدولية .
قرصنة مفتعلة !!
وتشير الدراسة إلى أن عمليات القرصنة مفتعلة من قبل دول استعمارية كبرى تهدف إلى السيطرة على المنطقة البحرية كما يمكن القول بأن هؤلاء القراصنة ليسوا مجموعة صغيرة من الإرهابيين الذين يعملون لصالح أنفسهم فالبعض منهم يعملون لصالح جهات هدفها التأثير على المنطقة واستهداف طريق سير التجارة العالمية .
وقد قامت تلك الدول بضجة إعلامية كبيرة لإبراز عمليات القرصنة بأنها تهدد استقرار التجارة الدولية وأوجدت حراكاٍ دولياٍ تمثل بصياح الدول من ذلك وبالتالي قامت تلك الدول الراعية للقراصنة بالاتجاه إلى الأمم المتحدة بهدف استصدار قرارات دولية لمكافحة القرصنة في السواحل الصومالية وخليج عدن وفق غطاء شرعي لوجودها وإعطاء الحق لقواتها في مطاردة القراصنة
وأصدر مجلس الامن الدولي القرار رقم »1838« في جلسته رقم »5987« في ٧ تشرين الاول 2008م رغم تضارب المصالح ولم يكن هناك موقفاٍ عربياٍ واضحاٍ من القرار والتواجد الأجنبي في المنطقة .
عسكرة
وبعد ذلك قام حلف الناتو في منتصف شهر أكتوبر 2008م بنشر سبع سفن حربية تابعة للدول الأعضاء ما اعتبر استكمالاٍ لإدارة بوش لتأمين التواجد العسكري الأميركي في أفريقيا خاصة بعد تأسيس القيادة المركزية للجيش الاميركي في أفريقيا »أفريكوم« القاعدة العسكرية بجيبوتي التي تضم حوالي ٠٠٨١ جندي أميركي لمكافحة الإرهاب في الدول الإفريقية ناهيك عن التواجد الاميركي والبريطاني والفرنسي في قواعد مختلفة من دول الخليج العربي .
وبعد ذلك صادق الاتحاد الاوروبي في 20 نوفمبر 2008م على إرسال أسطول مكون من سبع سفن حربية مدعمة بطائرات هليكوبتر للاستطلاع البحري قبالة السواحل الصومالية في ديسمبر 2008م .
ولفتت الدراسة إلى أن الباحثين يتفقون على أن أهداف القوة الاجنبية هي تأمين استمرار تدفق النفط والغاز من الدول المنتجة في المنطقة إليها وتأمين طرق الملاحة العالمية في المنطقة لصالحها وتحقيق النفوذ الاقتصادي واستغلال الموارد والثروات الطبيعية والوصول إلى الأسواق العالمية بيسر وسهولة وتكريس الوجود الامني العسكري وتسهيل حركته في سبيل تحقيق الرؤى السياسية والخطط الاقتصادية .
ويبدو أن ثمة أجندة خفية تقف وراء قرار مجلس الأمن الدولي لأن أعمال القرصنة موجودة في أكثر من منطقة بحرية من العالم ولم يتعامل معها مجلس الأمن والاتحاد الاوروبي بنفس ما تعامل به مع خليج عدن والقرن الافريقي .
وهناك خشية من أن تتغير مهمة القوات الأجنبية من ملاحقة القراصنة إلى تهديد الامن القومي للبلدان المطلة على هذه الممرات الدولية ربما إلى ملاحقة الإرهاب داخل تلك البلدان كما أن الوجود الأجنبي سيضاعف من المشاكل وسينتهك سيادة كل دولة من الدول المطلة على البحر الاحمر.
غزو جديد
إن المشهد داخل منطقة البحر العربي وخليج عدن والبحر الأحمر ينذر الإقليم بمخاطر جمة على دول المنطقة عامة وعلى بلادنا بصفة خاصة مما يستدعي درجة عالية من اليقظة وقراءة المواقف والحسابات الدولية بتمعن لتفادي أي سيناريوهات محتملة وطرح جميع تلك السيناريوهات التي قد تلحق بالمنطقة مجتمعة أو بالدول منفردة بهدف تفاديها وقطع خطوطها قبل أن تتشكل .
ويتضح أن عملية القرصنة صاحبها ضجة إعلامية وتضخيم دورها وقدرتها وما تلى ذلك من تحركات نشطة على مسرح العمليات وعلى صعيد الأمم المتحدة ومجلس الأمن رغم أن هناك شبه اجماع من قبل المحللين السياسيين والمتابعين لمسار الأحداث في المنطقة أن عمليات القرصنة تكاد تكون محصورة في إقليم محدد من الصومال وهو إقلم »بونت لاند«
ومن خلال ذلك يمكن المقارنة بين إمكانيات الاساطيل الموجودة في المنطقة وبين حيز جغرافي معلوم هو نطاق كمون القراصنة .. ومن ذلك ندرك الأهداف الخفية وراء تلك الظاهرة الإجرامية وتعتبر القرصنة حالة عبثية مصطنعة بإرادة خارجية تستهدف بقاء طاحونة الصراع في الصومال المشتت للجهد العربي والإسلامي وقد صنعت في هذه الظرف كرسالة سياسية مدلولها »تدويل أمن البحر الاحمر« والذي يحمل في طياته تداعيات على الأمن القومي العربي ليس أقلها حرمان الدول العربية من السيطرة على حركة الملاحة في هذا الممر المائي الذي تطل عليه دول عربية عدا »إسرائىل واريتريا« بل قد تكتسب أطراف دولية أخرى حقوقاٍ في المنطقة استناداٍ لقرارات مجلس الأمن التي خولتها استخدام القوة في مواجهة القرصنة والتي قد تستخدم للضغوط على الدول العربية في حالة تضارب المصالح مع تلك الأطراف الدولية.