في نهار رمضان.. مشكلات بسيطة تتحول إلى جرائم قتل

نجيب علي العصار

الغضب والعصبية والانفعال من أكثر السلوكيات المذمومة التي تمارس من قبل بعض الصائمين في شهر رمضان الفضيل، فلماذا حين تصفد الشياطين في رمضان تزداد المشاكل في مجتمعنا، وترى الناس متوترين في كل شارع وفي كل سوق، يتقاتلون على أتفه الأسباب، أو على كلمة عابرة، أو على أجرة الباص وتصل أوجّها قبيل أذان المغرب موعد الأفطار؟!.. ألا يدعو ذلك للتساؤل ما علاقة العصبية بالصوم في رمضان؟ وهل يمكن التغلب على هذه المشكلة؟.. لماذا يحصل هذا التناقض في سلوكيات الصائمين؟ .. هل هناك علاقة بين سرعة الغضب والصيام؟ ..هذا ما سيستعرضه التقرير التالي:

د. السامعي: الغضب لا علاقة له بالصيام بل نتاج عادات غير صحية

بداية، يقول أخصائي التغذية الدكتور بندر السامعي، العصبية في رمضان تعد من المشكلات الشائعة أثناء الصوم، وقد تنجم عن الجوع والعطش الشديد، وكذلك تغير الروتين اليومي ومواعيد النوم نظرًا للسهر حتى تناول وجبة السحور والاستيقاظ في موعد متأخر عن المعتاد، وهو ما قد يؤدي إلى تغير إيقاع الساعة البيولوجية الطبيعية لدى الصائمين، ما يتسبب ذلك أحيانا في المعاناة من العصبية في رمضان حيث أن التغير في الساعة البيولوجية يؤثر على الحالة المزاجية، كما يعوق القدرة على التعامل مع الضغوط ويزداد الشعور بالقلق والتوتر، ما ينعكس على سلوكيات الفرد بالغضب والعصبية والانفعال على أبسط الأمور.

ويؤكد السامعي، في حديثه لـ “الوحدة”، أن الغضب لا علاقة له بالصيام بل نتاج عادات غير صحية، اعتاد عليها الفرد قبل وبعد رمضان ويمنعها وقت الصيام مما يؤدي إلى حدة التوتر والانفعال، وقد تعزا العصبية في رمضان أيضا بحسب رأيه، إلى الانقطاع عن تناول المنبهات كالقهوة والشاي عند بعض الأشخاص الذين يكثرون عادة من تناولها في النهار، الأمر الذي قد يزيد من حالة الغضب والعصبية لديهم في رمضان.

نقص الماء

وبيّن أن أسباب الغضب في رمضان لا تقتصر على هذه الأسباب، بل إن هناك أسبابا أخرى، أبرزها نقص الماء خلال ساعات الصيام، الذي يكون مسؤولاً بشكل أساسي عن اضطراب وظائف خلايا الدماغ، مما يؤدي إلى زيادة العصبية والتوتر وضعف التركيز، حيث أن الماء يشكل 75% من الدماغ وله دور كبير في عمله، ويفرز الدماغ مواداً كرد فعل على نقص المياه، وغالبا تكون هذه المواد لها دور مهم في زيادة التوتر والعصبية بشكل كبير، كما أن الدماغ يعتمد على الجلوكوز في حصوله على الطاقة، وقد يؤدي نقص الجلوكوز في الدم إلى زيادة العصبية والانفعال.

أهمية التوازن الغذائي

وللتغلب على هذه المشكلة يوصى الطبيب السامعي، بعدم تفويت وجبة السحور، بالإضافة إلى عدم تناول الأطعمة المالحة أو الإفراط في تناول السكريات، واختيار الغذاء الصحي الذي يحتوي على الفيتامينات والألياف، وشرب الكثير من الماء فترة الإفطار، فضلاً عن تذكير النفس بأهمية ضبط النفس أثناء الصيام عند التعرض لمواقف مزعجة.

صلاح: ما كان ضره لو صبر وابتسم في وجه هذا الرجل!

مع بداية رمضان تقع مشاجرات وجرائم عديدة يتذرع مرتكبوها بالصيام وفقدانهم لاعصابهم، وهي سلوكيات ومثيرات سلبية والإنسان يتأثر بالتعاطي مع هذه المثيرات كل حسب إدارته لشخصيته وذاته، فمنهم من لا يبالي بهذه التوترات ويسيطر عليها ومنهم من تسيطر العصبية والغضب على سلوكه ويلحق الأذى بنفسه وبالآخرين، المواطن علي صلاح والذي يسكن في صنعاء، يحكي لـ”الوحدة”، أنه في أحد شهور رمضان قام شخص بطعن جاره في رقبته لأنه قال له: مال أمك.. وكلَّفته هذه الطعنة أكثر من مليوني ريال قيمة علاج للشخص المطعون.

وتابع صلاح حديثه بالقول: “ما كان ضره لو صبر وابتسم في وجه هذا الرجل!

ابتسموا يرحمكم الله، الصيام فرحة فلا تفسدوها بالكراهية والشتائم”.

الأشول: قضايا المشاجرات تملأ أقسام الشرطة خلال أيام  رمضان

صادق الأشول، مسؤول البحث في قسم شرطة 26 سبتمبر بالحي الشرقي في الجراف، يؤكد أن قضايا المشاجرات تزداد على مدار أيام شهر رمضان المبارك، مبينا أن ما يصل إلى القسم بمعدل قضية إلى 3 قضايا يومياً.

ويقول الأشول في حديثه لـ”الوحدة”: “إن هذه القضايا التي تقع بسبب الغضب والمشادات الكلامية بعضها يتم حسمها بعد تهدئة النفوس، وإجراء الصلح بين طرفيها ويتم إخلاء المتشاجرين.

شجارات قاتلة

وفي ذات السياق، حاول معد التقرير الحصول على إحصائية من أقسام الشرطة في أمانة العاصمة عن نسبة الشجارات في شهر رمضان، فلم يتمكن سوى من رصد حالة شجار إثر مشادة كلامية وقعت بين مواطنين في محافظة إب، انتهت بقتل شخصين، وفقا لما نشره موقع الإعلام الإمني التابع لوزارة الداخلية بصنعاء وبحسب الموقع، فإن شرطة مديرية بعدان بمحافظة أب، تمكنت في نهار 8 رمضان من القبض على المتهم زياد عدنان علي الخياط (35) عاما، الذي إطلق أعيرة نارية أدت إلى مقتل المواطنين عبدالله الجرعي، وفتحي الخياط في ذات المديرية، ما يؤكد حدوث شجارات بين المواطنين تخلف ضحايا في شهر الرحمة والإحسان.

أقدار حيدر تقدم نصائح لصوم خالٍ من الانفعالات والغضب

من جانبها، قالت الأخصائية النفسية، أقدار أحمد حيدر، لـ “الوحدة”، أن العصبية في نهار رمضان يمكن التحكم بها من خلال عدة استراتيجيات هي: تنظيم النوم: فقلة النوم تزيد من التوتر، ويفضل الحرص على عدد ساعات كافٍ، وتقليل المنبهات: الكافيين والنيكوتين يزيدان من التوتر، ونصحت بالتدرج في تقليلها قبل رمضان، وكذا تنظيم السكر في الدم: تناول وجبة سحور متوازنة تحتوي على بروتينات وألياف يخفف من تقلبات المزاج، بالإضافة إلى تمارين التنفس والاسترخاء: مثل التنفس العميق والتأمل تساعد في ضبط الانفعالات.

الغضب والجوع

ولفتت الطبيبة أقدار، إلى أن التعامل مع العصبية والغضب يكون من خلال إدراك السبب، ومحاولة تهدئة النفس، وتجنب المثيرات، والانشغال بذكر الله.

وتابعت: السلوك متوقع ولكنه قابل للتحكم، إذ ترى أن التغيرات الجسدية كالجوع والعطش تؤثر في المزاج، لكن بالإمكان السيطرة عليه من خلال تعديل العادات اليومية.

تقوية الإرادة

وأشارت إلى أن للصوم فوائد جمة في تقوية الإرادة التي تعتبر نقطة ضعف في كل مرضى النفس، باعتبار الصوم تقربا إلى الله يمنح أملاً في الثواب ويساعد على التخلص من المشاعر السلبية المصاحبة للمرض النفسي، لافتة إلى أن الصبر الذي يتطلبه الامتناع عن تناول الطعام والشراب والممارسات الأخرى خلال النهار يسهم في مضاعفة قدرة المريض على الاحتمال مما يقوي مواجهته ومقاومته للأعراض المرضية.

أما عن المرضى النفسيين فقالت، إن للصيام آثارا إيجابية على جميع المرضى النفسيين، ناصحة أولئك المرضى بالصيام في رمضان لأنه يؤدي إلى تحسن حالتهم النفسية.

 ضبط النفس

وأضافت الأخصائية أقدار، أن للصوم أثرا إيجابيا على الصائمين في تحسين القدرة على ضبط النفس، فرمضان فرصة للتدريب على التحكم بالعواطف والانفعالات، كما أن الصوم هو تقرب إلى الله يؤدي إلى زيادة المشاعر الإيجابية والشعور بالروحانية، والرضا الداخلي مما يعزز الصحة النفسية للصائم.

وذكرت أن من آثار الصوم الإيجابية أيضا تعزيز التواصل الاجتماعي، من خلال التقاء الأهل والأصدقاء في الأجواء الرمضانية، بما يسهم ويخفف من مشاعر الوحدة والاكتئاب.

كما خلصت إلى القول بأن الصيام يعزز الوعي الغذائي والنوم الصحي، مما ينعكس إيجابًا على الحالة المزاجية.

عبد الغني: الشتم والسب والمشاجرة يتنافى مع الصيام ولا يبطلانه

ومن الناحية الشرعية والدينية، يقول الباحث محمد عبد الغني مصطفى، أن الغضب في نهار رمضان ينتج عنه سلوكيات لا يقرها شرع ولا عقل، كالشتم والسب والمشاجرة، لافتا إلى أن هذا الأمر يتنافى مع الصيام، في قوله تعالى: {لعلكم تتقون}.

ويؤكد في حديثه لـ”الوحدة” أن الصائم إذا غضب وتشاجر مع بعض الناس فصومه صحيح ويترتب على ذلك نقص في الأجر، وليس بطلان الصيام.

دافع للتقوى

ويشير إلى أن الصيام دافع للتقوى، حاثا على الجود والبذل والمواساة، فهو حقا معين الأخلاق وروافد الرحمة، من صام حقا شفت روحه، ورق قلبه، وصلحت نفسه، ولانت عريكته؛ قال النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-: “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”.

معان عظيمة

ويضيف: “الصوم له معانٍ عظيمة من الصبر والتـراحم والتسامح الاتصاف بالحلم والبعد عن الغضب والمشاجرة مع الناس بل يحلم عمن جهل عليه ولا يرد على السِّباب بمثله امتثالا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: “وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم”. متفق عليه. واللفظ للبخاري.

Comments are closed.

اهم الاخبار