علوان الجيلاني: من أدلّة بدايات قهوة البن
إذا كانت التنميطات الناتجة عن اصطفافات اليمنيين سياسياً تصيب مثاقفاتهم في مقتل؛ لأنها تشوش التلقي، وتشوه الوعي، فإن مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وإخوانه زادت الطين بلّة؛ لأنّه سهل للجهلة وأشباه المثقفين وذوي التحيّزات والهوى الإدلاء بالرأي في كل شيء؛ ولأنهم لا يستطيعون التفريق بين ما هو علم وما هو ارتجال القصد منه المحانكة، فإن من الصعب على من يتعب ويجتهد ويبحث أن يتحملهم.
على العموم؛ كانت هناك مجموعة تعليقات على منشوري الفائت تطالب بالأدلّة على كون الشاذلي هو أول من نشر البن في اليمن؛ وهذه إجابة مختصرة ربما تكون مفيدة لمن يحبون المعرفة ويقدرون تعب البحث وضرورات الصبر عليه.
أولاً: لا يوجد ذكر لقهوة البن في أي مصدر تاريخي يمني أو عربي قبل القرن التاسع الهجري.
ثانياً: كل من استعملوها وأشاعوها ونشروها وتعاملوا معها إبداعياً وعلمياً (فقهياً) منذ مطلع القرن التاسع الهجري كانوا من شيوخ التصوف أو من الفقهاء الصوفية.
ثالثاً: كل من تثاقفوا حولها إبداعياً وفقهياً وشاركوا في الفتاوى حولها خلال القرنين التاسع والعاشر الهجريين كانوا صوفية.
رابعاً: النطاق الجغرافي الأول الذي انتشرت فيه القهوة داخل اليمن وجوارها كان كله صوفياً، فقد بدأت من المخا ثم تحركت جنوباً إلى عدن، وتحركت شرقا إلى تعز، وتحركت شمالاً إلى زبيد وسائر تهامة حتى مكة المكرمة،
خامساً: كل من اشتركوا في نشرها وتغنوا بها إبداعياً وتثاقفوا حولها نقاشا وتأليفاً وفتاوى فقهية كانوا من ذلك النطاق، أو كانوا جميعاً من الصوفية، باستثناء بعض الفقهاء الذين حرموها، وكانوا من النطاق الجغرافي نفسه.
سادساً: بعد منتصف القرن العاشر الهجري بدأت تنتقل القهوة إلى جهات أخرى في اليمن وإلى الشام ومصر وتركيا والعراق وانتقلت معها الفتاوى والتأليفات والمثاقفات إلى تلك الجهات.
سابعاً: هذه أسماء وصفات أوائل الشيوخ الصوفية الذين ظهرت القهوة على أيديهم:
-الصوفي الشهير علي بن عمر الشاذلي صاحب المخا المتوفى سنة 828هـ هو مبتكر القهوة وناشرها في اليمن. وإليه نسبت القهوة فسميت بـ(الشاذلية).
-الصوفي الشهير سعيد الذبحاني أصلاً (الحجرية / تعز) الشاذلي طريقة، العدني موطنا المتوفى سنة 875هـ، اشتهر بشربها كثيراً ولأنه كان شاذلي الطريقة ظن بعض المؤرخين أنها منسوبة إليه.
-الصوفي الشهير أبوبكر العيدروس الحضرمي أصلاً الشاذلي طريقة العدني موطناً المتوفي ستة 914هـ، اشتهر بها كثيراً في النصف الثاني من القرن التاسع الهجري، وذكرها كثيراً في شعره؛ ولأنه كان شاذلي الطريقة فقد ظن بعض المؤرخين أنه هو مبتكرها.
-الصوفي الشهير عبد الهادي السودي التهامي أصلاً، التعزي موطناً، المتوفي سنة 932هـ كان من أشهر المولعين بها. وقد تغنى بها في شعره.
-الصوفي الشهير عبد الرحمن العلوي الزبيدي المتوفى سنة 954هـ، وهو ممن اشتهروا بشرب القهوة، وقد تلقى سنة 944هـ رسالة تسأل عن أول من اشتهروا في اليمن بشرب القهوة فذكرهم بنفس الترتيب الذي أوردناه.
ثامناً: العلماء الذين كانوا أول من تناولها في مؤلفاتهم.
-العلامة أحمد بن عمر المزجد المذحجي الزبيدي مفتى زبيد المتوفى سنة 930هـ، هو أول من ألف كتاباً في حلّ القهوة، وهو أيضاً أول من شرب القهوة بالحليب.
-العلامة أحمد بن الطيب الطنبداوي الزبيدي المتوفى سنة 948هـ، له كتاب في حل القهوة
-العلامة عبد الرحمن بن عبد الكريم بن زياد المقصري الغيثي الزبيدي المتوفى سنة 975هـ، له كتاب الجواب المحرر حول القهوة قام بتأليفه سنة 949هـ
-عبدالله بن عمر بامخرمة الشحري المتوفي سنة 972هـ، له رسالة في القهوة
-محمد بن عبد القادر اليمني المتوفى سنة 1015هـ، له رسالة في القهوة
-الصوفي علوان بن عطية المتوفى سنة 936هـ له السر المكنون في فضائل القهوه والبن
-العلامة ابن حجر الهيثمي المكي المتوفى سنة 974هـ له بحث في القهوة.
تاسعاً: بعد القرن العاشر الهجري كُتبت عشرات المؤلفات في جميع أنحاء اليمن والعالم العربي وتركيا وأوروبا والهند عن القهوة.
عاشراً: من الطريف أن المخا كانت أشهر ميناء لتصدير البن، وأن البن أخذ اسمه عالمياً من اسم تلك المدينة وكأن ذلك كانت تكريماً لها ولصاحبها الشاذلي.
أخيراً أريد التنبيه إلى أن معظم الكتابات اليمنية التي أصلت للقهوة أو تناولتها بشكل ما بما في ذلك مؤلفات كبار الأدباء وحتى الرسائل الجامعية، كانت تعاني من فجوات معرفية عزّزت نزعة الارتجال والاستسهال، وهي نزعة متأصلة عند اليمنيين، وساهمت الصراعات اليمنية في تعميق تلك الفجوات حتى تحولت إلى تنميطات مفجعة، وصار من يبحث بجدّ ويتعب ويدأب كأنه يحرث في أرض لا قدرة لها على الانبات.
*من صفحته على فيسبوك
Comments are closed.