معرض الشهيد القائد بالحديدة.. شاهد على الحقيقة
جدرانه ليست مجرد لوحات، بل نوافذ مفتوحة على مراحل تاريخية شكلت وعي أمة، وقاعاته ليست مجرد مساحات، بل محطات تأخذ الزائر في رحلة داخل فكر ومشروع الشهيد القائد، هنا لا يأتي الزوار لمجرد مشاهدة الصور والمجسمات، بل ليعيشوا تجربة تنقلهم بين محطات الكفاح والإيمان، ليتعرفوا على فكر تجاوز الحدود، وجمع الأحرار من عدة أماكن.
ما إن تطأ قدمك بوابة المعرض، حتى تشعر أنك تدخل عالماً مختلفاً، ينبض بالحقيقة، الجدران تحكي حكايات، والممرات تأخذك عبر مسارات صنعتها الإرادة واليقين، القادمون من كل المحافظات ومن دول أجنبية، يقفون هنا، أمام إرث فكري وروحي يربطهم بقضية تجاوزت حدود الجغرافيا والسياسة، لتصبح مشروعاً إنسانياً شاملاً.
من كل حدب وصوب، يصطف الزوار، يقرأون تاريخاً كُتب بالدم والصبر والإيمان واليقين، هنا صور تحكي عن البدايات، عن الصرخة الأولى التي لم تكن مجرد هتاف، بل إعلانا لميلاد وعي جديد، وهناك مجسمات تحاكي معارك الصمود، حيث واجهت فكرة صغيرة جحافل الطغيان، وتحولت إلى قوة لا تقهر.
أجنحة متعددة تعكس فكر الشهيد القائد، يتأمل المفكرون والباحثون فيها الرؤية التي استطاعت أن تستنهض أمة، يسأل أحدهم: “كيف لمشروع بدأ من قرية صغيرة أن يتحول إلى قوة عالمية؟” فيأتيه الجواب في عيون الحاضرين، في مشاهد المعرض، في الكلمات التي نقشت على الجدران: “لأنها كانت كلمة الحق، في زمن ضاع فيه الحق.”
يتجول الزوار بين مداخل وأجنحة المعرض، ويقفون أمام جناح التصنيع الحربي، حيث تعرض الأسلحة والصواريخ اليمنية محلية الصنع، تلك التي لم تكن موجودة يوم بدأ المشروع، لكنها اليوم تفرض معادلات جديدة، بين الصور والمجسمات، تتجسد الإرادة، وتتحول الأفكار إلى إنجازات غيرت مسار التاريخ اليمني.
من بين أكثر الأجنحة والزوايا تأثيراً، ذلك الذي أطلق عليه “النفق المظلم”، ممر يعكس حال الأمة واليمن قبل أن يصدح صوت الحقيقة، يعبره الزائرون وسط ظلام حالك، حتى يصلوا إلى نهايته، حيث نور المشروع القرآني الذي يرسم للأمة بوصلتها، ويفتح أعينها على واقعها.
وعند نهاية النفق، يمر الجميع بأجنحة مضيئة، حيث المجسمات التي تروي آفاق المرحلة والانتقال إلى بوابة الوعي والامتداد المستقبلي للمشروع الذي بدأ يرسم خارطة طريق لليمن للخروج من مستنقع التبعية والهيمنة، وكلما توغل الزائرون تزداد الإضاءة وتظهر الصور بألوان أكثر وضوحاً ومجسمات تعكس ولادة وعي جديد لمشروع صادق شق طريقه بنجاح.
بين أروقة معرض شهيد القرآن، تصطف اللوحات والوثائق والمجسمات، حيث يمتزج الضوء بالظل بصور وشواهد تروي رحلة من الصمود والمعرفة، وأمامها تقف نظرات الزائرين للتأمل وقراءة ما وراء كل لقطة وما تخفيه كل زاوية من معان، هناك مشاهد من زمن القهر والظلم وصور لمناطق دمرها الإجرام، وملامح تنبض بالحياة ونور الإيمان، وواقع بدأ يتشكل.
ويصف كثيرون، معرض الشهيد القائد بأنه نقطة التقاء للعقول والقلوب، ومحطة يقف أمامها الباحثون عن الحقيقة، والأحرار الذين يؤمنون أن الكلمة الصادقة، ولو حوربت، ستظل أقوى من أي سلاح، معتبرين المعرض الذي يعد الأكبر والجامع لمشروع شهيد القرآن، وأحداث اليمن وواقع الأمة والعالم، شاهداً حياً على الحقيقة والمستوى الذي وصل إليه هذا المشروع والمعادلة التي غيرت ملامح اليمن، ورسم ملامح المستقبل.
تناغم مهيب، يحمل بين تفاصيله قصة مشروع لم يكن مجرد فكرة، بل تحول إلى واقع، وإلى نهج يخط مسارات المستقبل، شواهد حية تحكي عن مسيرة قرآنية وفكرية وروحية وإنسانية رسمت ملامح زمن لم يطو، بل يستمر أثره في العقول والقلوب، الصور ليست صامتة، بل تتحدث إلى من يتأملها، تسرد القصة التي غابت عن كثيرين، وتعيد رسم المشهد من جديد لمن يريد أن يرى الأمور من زاوية مختلفة.
لم يكن الزائرون وحدهم من أبناء المكان، بل وفدوا من مختلف المحافظات، وناشطون من استراليا وبنما وتشيلي، وجوه تحمل ملامح مختلفة، لكن نظراتهم جميعاً تبحث عن إجابة، عن فهم أعمق لما تحمله جدران المعرض من معان، بعضهم يدوّن ملاحظات، وآخرون يلتقطون المشاهد بالعدسات، كأنهم يخشون أن يفقدوا لحظة واحدة من هذا الامتداد البصري والذهني الذي انغمسوا فيه.
المعرض يحاكي الوضع الجيوسياسي، ومراحل المواجهة الكبرى مع قوى الاستكبار، وتفاصيل الحرب الاقتصادية، والعدوان السافر على اليمن، والصمود اليماني المنقطع النظير، وكيف شكلت هذه المرحلة نقطة تحول في معركة الوعي وكسر رهان ومؤامرات الأعداء، الخرائط والوثائق والنصوص والرسوم والبيانات، تحمل بين طياتها تفسيرها لأحداث لا تزال مشتعلة حتى اليوم، وتضع الزائر أمام رؤية أوضح للصراع القائم، بعيداً عن زيف الروايات الإعلامية الموجهة.
وفي نهاية الجولة، يقف الزائرون أمام أجنحة مترابطة، تجسد ما وصل إليه اليمن من مكانة ونجاح لمشروع شهيد القرآن، حيث مشاهد من التضامن الشعبي اليمني الداعم لفلسطين، وصور ومجسمات الردع للعدو الصهيوني وتوثيق العمليات العسكرية المساندة لغزة، والتحولات التي رسخت اليمن كقوة يحسب لها العدو ألف حساب.
توالي الزيارات إلى معرض الشهيد القائد، لا يقتصر على ذكرى استشهاده، بل على مدار العام، ما يعكس الارتباط الوثيق بمشروعه والتمسك بمبادئه التي لم تكن مجرد خطاب ديني، بل رؤية متجذرة أصبحت اليوم مصدر إلهام للأجيال في اليمن وخارجه، وجزءاً من تيار عالمي يتنامى في مواجهة قوى الاستعمار والاستكبار.
يمثل تنظيم هذا المعرض في قاعة الشهيد القائد بمدينة الحديدة، رمزية كبيرة، لمحافظة تحولت إلى رمز للصمود والانتصار، وتواصل دورها في معركة الوعي، ومجالات الفكر والثقافة، وتحتضن اليوم حدثاً يعيد قراءة التاريخ، ويؤكد أن الشعوب التي تحافظ على هويتها تظل عصية على محاولات الطمس والتشويه.
ويعكس الزخم الذي يشهده المعرض، رسائل قوية على مستويات عدة، أولها أن فكر الشهيد القائد ومشروعه القرآني العميق أصبح جزءاً من الهوية الدينية والوطنية اليمنية، وأن محاولات تغييب الوعي وتشويه أعلام الأمة ورموز الفكر والمقاومة لم تفلح، بل زادت من تمسك الشعب بمبادئه، وزاد من رقعة انتشار هذا المشروع محلياً وخارجياً.
كما أن هذا الإقبال يوجه رسالة واضحة لأعداء اليمن مفادها أن اليمنيين رغم كل التحديات، ماضون في طريقهم، مستندين إلى هذا المشروع وإلى إرث نضالي لا يمكن اقتلاعه، أما الرسالة الثالثة، فهي موجهة للعالم، وتؤكد أن القضية اليمنية ليست مجرد أزمة سياسية أو صراع عسكري، بل معركة وعي تزداد تأثيراً يوماً بعد آخر.
إن معرض الشهيد القائد، لا يعد محطة لاستذكار شخصية تاريخية فحسب، بل تجسيد لحالة وعي تتجدد، ورسالة واضحة بأن الفكر المقاوم المستند إلى منهجية القرآن لا يمكن أن يمحى، بل يبقى حياً في نفوس الأحرار، وبين زخم الحضور وتفاعل الجماهير، يتجلى أن الشعوب التي تكرم قادتها وتحفظ تاريخها، هي الشعوب التي تستطيع رسم مستقبلها بكرامة وعزة، بعيداً عن الهيمنة والاستبداد.
سبأ-جميل القشم





Comments are closed.