في ظل انهيار متسارع للعملة.. عدن تنتفض في وجه الطغيان

 

عبد القادر سعد

 

عدن ثم لحج الضالع وتعز.. الغضب بلغ ذروته.. الشوارع تشتعل.. الأصوات تعلو.. والاحتجاجات تتسع يوما بعد آخر في ظل انهيار اقتصادي ومعيشي غير مسبوق وتخل كامل من سلطة المرتزقة عن مسئولياتها.

العملة تنهار بوتيرة متسارعة حيث يتهاوى الريال أمام الدولار الذي تخطى حاجز 2400 ريال للدولار فيما تجاوز السعودي 620.

ومع هذا الانهيار تتلاشى القدرة الشرائية للمواطنين، وانقطاع الخدمات يضاعف الأزمة  وخدمة الطاقة الكهربائية منعدمة والمياة نادرة فيما أسعار الغذاء والوقود تتصاعد نحو السماء.

وأكد ناشطون أن الانهيار المتسارع للعملة بمثابة إبادة جماعية بطيئة للشعب اليمني بينما المرتزقة يتاجرون بقضايا الوطن ويتسولون في المحافل الدولية باسم اليمن.

مزيد من الدولرة

يوضح الباحث والخبير الاقتصادي ، وحيد الفودعي، في صفحته على الفيس  أنه «مع استمرار غياب الحلول الجذرية وتفاقم الأزمات الاقتصادية، فإن انهيار العملة لن يتوقف عند هذا الحد، بل سيواصل التسارع بوتيرة أشد ضراوة، ما سيرفع الأسعار إلى مستويات خيالية تجعل الحياة شبه مستحيلة للمواطن العادي».

وقال: «السوق السوداء والمضاربات ستلتهم ما تبقى من قيمة الريال، فيما ستظل الحكومة عاجزة عن التدخل الفعلي، مكتفية بالتصريحات الجوفاء والوعود الوهمية، انهيار الثقة بالعملة المحلية سيؤدي إلى مزيد من الدولرة، وارتفاع أسعار السلع الأساسية سيقود إلى مجاعة شاملة تفتك بالفئات الأشد ضعفًا، بينما سيزداد نفوذ تجار الحروب والمضاربين الذين يستفيدون من هذا الانهيار دون أدنى محاسبة».

وأضاف الفودعي، معتبرًا «الوضع الحالي ليس سوى بداية لمسار أكثر ظلمة، وإذا استمر الحال على ما هو عليه، فإن الحديث لن يكون عن انهيار العملة فحسب، بل عن انهيار شامل لكل مقومات الحياة الاقتصادية».

كذلك، قال في «تدوينة» إن ما يحصل «ليس سوى نتيجة طبيعية لغياب دور حكومة المرتزقة وتجاهلها وعدم جديتها في وضع الحلول المناسبة، ونتيجة طبيعية أيضًا للظروف الاقتصادية المتردية التي تعيشها “الشرعية”، والتي لا يهمها سوى ملء بطونها، بغض النظر عن معاناة المواطن المسكين الذي لم يعد يجد قوت يومه.

بلطجة

ويرى الصحفي الاقتصادي نجيب العدوفي، أن “الدولة لا يمكن أن تدار من الخارج بكفاءة، وحكومة بن مبارك فقدت سيطرتها على الأرض بسبب التداخل بين الفصائل المسلحة المدعومة خارجيًا، والتي تعمل وفق أجندات مختلفة. هذا جعلها عاجزة عن إدارة شؤون المواطنين، بينما تستفيد بعض القيادات من البقاء في الخارج والعيش برفاهية، دون تحمل تبعات الانهيار الداخلي.

ويوضح العدوفي :إذا كانت هذه الفصائل تفرض سيطرتها كأمر واقع، فمن واجبها أن تتحمل مسؤولية توفير الخدمات وحماية المواطنين، بدلاً من ممارسة البلطجة وتعطيل مؤسسات الدولة.. أما أن تستمر في فرض نفوذها دون أي التزامات، فهذا يزيد من معاناة الناس ويعمّق الأزمة.

ويضيف :غياب ما يسمى حكومة “الشرعية” عن المشهد الاقتصادي جعل شبكات المضاربة تتحكم بسوق الصرف، مما أدى إلى تدهور مستمر للريال اليمني بشكل يومي، الأمر الذي ينعكس سلبًا على حياة المواطنين، حيث ترتفع الأسعار بشكل جنوني، وتتآكل القدرة الشرائية، ويزداد الفقر والمعاناة.

ويؤكد: المشكلة الأكبر أن المواطن هو الذي يدفع الثمن، بينما القوى المتصارعة تُحمّل بعضها المسؤولية دون تقديم حلول حقيقية.

عجز

بدوره، يسخر الخبير الاقتصادي رشيد الحداد من بيان البنك المركزي في عدن بشأن انهيار العملة، مضمون البيان كشف مدى حالة التخبط والارتباك والعجز الذي يعانيه البنك ، إذ أسقطت إدارة البنك كل فشلها على الخصوم ، متجاهلة أن إدارتها العبثية هي من أوصلت الوضع إلى الانهيار حد الكارثية ، وأي مواطن عادي يعاني تداعيات فشل حكومة المرتزقة وفسادها وفشل إدارة البنك في إدارة السياسية النقدية في تلك المحافظات سيسخر مما جاء في البيان .

الوضع الحالي ليس سوى بداية لمسار أكثر ظلمة وانهيار شامل لكل مقومات الحياة الاقتصادية

و يتساءل كاتبا على صفحته في “الفيسبوك” : هل الحوثيون صادروا وتقاسموا الإيرادات في المحافظات الجنوبية، وهل عطلوا مصافي عدن ومارسوا أنواع الفساد في ملف الكهرباء وهل لهم يد في فساد البعثات والسفارات وهل يتقاضون مرتباتهم بالدولار، ويتقاسمون الإيرادات النفطية وغير النفطية ، وهل هم من أقدموا على استغلال وظائف البنك المركزي لطباعة ٥.٣ تريليون ريال ، وهل حكومتهم تقيم في الخارج ورئيس حكومتهم يشتري فلل فارهة ورئيس المجلس إلرئاسي يقيم في حي السفارات بالرياض ومعدل النفقات اليومية لمكتبه تصل عشرات الآلاف من الدولارات ، وهل وزراؤهم يشاركون في مختلف الفعاليات الدولية بهدف هبر أكبر قدر من بدلات السفر؟!!!

ويضيف: أليس الأحرى بالبنك في عدن -وإن وصل إلى حالة العجز الكامل عن وقف انهيار العملة- أن يحمل الحكومة المسؤولية لعدم قدرتها على استعادة الإيرادات وإدارة الموارد ، وأن يكشف المستور وأن يوقف تغطية نفقات تلك الحكومة في الخارج ، وأن يكشف خفايا المضاربة بالعملة ومن يقف وراءها ودوره فيها كونه يقوم بإلمضاربة بالعملة على المزادات العلنية لبيع الدولار باسعار توازي أسعار بيع وشراء السوق السوداء.

وتابع : أما إسقاط الفشل والفساد والعجز عن حماية سعر صرف العملة المطبوعة من الانهيار  على الحوثيين فهو هروب مكشوف لإدارة البنك من تحمل المسؤولية ومن قول الحقيقة وتستر واضح على هوامير الفساد والعابثين بالاقتصاد الوطني في تلك المحافظات.

احتجاجات وقمع

إلى ذلك،  طالبت  منظمات مدنية وسياسية قوات المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات بالإفراج الفوري عن المعتقلين على خلفية الاحتجاجات المنددة بتردي الخدمات في عدن .

ودعت -في بياناتها- قوات الانتقالي إلى التوقف عن مداهمة البيوت واحترام حرماتها، والسماح للناس بالتظاهر باعتباره حقا دستوريا للمواطن ليعبر عن عدم رضاه عن الأداء السيئ للشرعية بكل مكوناتها.

وأضافت “ما يجري في عدن من مظاهرات نتيجة انهيار العملة والخدمات وعدم قدرة المواطن على تحمل نتائجها، وقد ساءت حالة الناس وانتشرت المجاعات في ظل صمت مطبق من قبل المجلس الرئاسي والحكومة”.

وأكدت أن تلك الأوضاع أخرجت المواطنين للشارع للمطالبة بتحسين المعيشة والخدمات، معبرًا عن أسفه لقيام القوات الأمنية بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء لقمع المواطنين واعتقال عدد من الشباب ومداهمة البيوت.

وشهدت عدن المحتلة وعدد من المدن الأيام الماضية احتجاجات غاضبة تنديدا بتدهور العملة الوطنية وانعدام الخدمات، وفي مقدمتها الكهرباء.

جحيم الإيجارات

في ظل الانهيار المتواصل للعملة المحلية، لم يعد الإيجار مبلغًا ثابتًا كما كان في السابق، حيث يطالب معظم ملاك العقارات بدفع الإيجار بالريال اليمني ولكن وفق سعر الصرف اليومي للدولار أو الريال السعودي، مما يعني أن المستأجر يدفع مبلغًا متزايدًا كل شهر مع كل انخفاض جديد للريال.

وأكد مواطنون في عدن أنهم وقعوا في دوامة لا تنتهي، حيث كان إيجار شقة متواضعة قبل أشهر 100 ألف ريال يمني، لكنه اليوم تجاوز 150 ألف ريال بسبب تراجع قيمة العملة المحلية، دون أن يكون هناك أي زيادة في رواتبهم أو مصادر دخلهم.

يرى ملاك العقارات أن انهيار الريال اليمني هو السبب الرئيسي وراء اضطرارهم لتعديل أسعار الإيجارات بشكل دوري، حيث لم تعد المبالغ المدفوعة بالعملة المحلية توازي قيمة الإيجار الفعلي، خاصة مع ارتفاع تكاليف المعيشة والصيانة.

في المقابل، يقول المستأجرون إنهم باتوا ضحايا مباشرة للأزمة الاقتصادية، حيث أصبحوا مطالبين بدفع مبالغ أكبر كل شهر دون أي تدخل من الجهات المختصة لوضع حد لهذه الزيادة المستمرة، ما جعل الكثير منهم غير قادرين على البقاء في مساكنهم واضطروا للبحث عن بدائل أقل تكلفة، رغم ندرتها.

جحيم الإيجارات في عدن يرهق المستأجرين كل شهر

فيما يؤكد خبراء اقتصاديون أن غياب الجهات الحكومية عن تنظيم سوق العقارات ساهم في تفاقم المشكلة، حيث أصبح المستأجرون يدفعون ثمن انهيار العملة وحدهم، في وقت ترفض فيه غالبية الملاك تثبيت الإيجارات بمبلغ محدد، مفضلين ربطها بسعر الصرف المتغير.

ومع استمرار انهيار الريال اليمني، وغياب أي حلول، يبقى المستأجرون في عدن بين خيارين أحلاهما مرّ: إما دفع مبالغ متزايدة كل شهر للبقاء في منازلهم، أو البحث عن مساكن أقل تكلفة في ظل أزمة سكنية خانقة.

ويبقى السؤال: إلى متى سيظل المستأجرون في عدن يدفعون ثمن انهيار العملة، في ظل غياب أي حلول تحميهم من جحيم الإيجارات المتصاعدة؟

ركود وانكماش

تشهد الأسواق التجارية في العاصمة عدن ومحافظات الجنوب حالة من الركود والانكماش مع اقتراب شهر رمضان المبارك، في مشهد يعكس بوضوح التحديات الاقتصادية التي تواجه المواطنين.

وعلى عكس السنوات الماضية، حيث كانت الأسواق تعج بالمتسوقين استعدادًا للشهر الفضيل، تبدو اليوم المحال التجارية شبه خالية، ما يعكس تراجع القدرة الشرائية وسط أزمة معيشية خانقة.

تراجع القدرة الشرائية يؤكد تجار وأصحاب محال تجارية أن التراجع الحاد في الإقبال على التسوق يعود إلى ارتفاع الأسعار المستمر وانخفاض دخل المواطنين، ما جعل الكثيرين غير قادرين على شراء احتياجاتهم كما في السابق.

ومع تدهور الوضع الاقتصادي، باتت الأسر الجنوبية أكثر حرصًا في الإنفاق، مقتصرة على الضروريات الأساسية، وسط غياب أي مؤشرات على تحسن الأوضاع في المدى القريب.

كانت الأسواق تشهد حركة نشطة قبل رمضان، حيث تتسابق العائلات على شراء المواد الغذائية والمستلزمات الرمضانية، إلا أن الحال اختلف هذا العام، إذ يسود المشهد الحذر والترقب بدلًا من النشاط المعتاد.

ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية، أصبح الاستعداد للشهر الفضيل لدى العديد من المواطنين محصورًا في الحد الأدنى، مع غياب القدرة على تأمين الاحتياجات.

و يرى مراقبون اقتصاديون أن استمرار تدهور العملة المحلية وارتفاع أسعار المواد الغذائية، إلى جانب تدني مستويات الدخل، أدى إلى حالة من الركود الحاد في الأسواق.

الانهيار الاقتصادي يقتل حركة أسواق عدن مع اقتراب الشهر الفضيل

فشل.. واستياء

يواجه الاقتصاد في المحافظات المحتلة انهيارا متسارعا، حيث فقد الريال اليمني جزءا كبيرا من قيمته أمام العملات الأجنبية، مما انعكس سلبا على حياة المواطنين، فارتفعت الأسعار وتفاقمت معاناة الناس، وسط غياب أي تحرك لحل الأزمة.

هذا الوضع دفع الكثيرين إلى التعبير عن غضبهم واستيائهم من خلال منصات التواصل الاجتماعي، حيث تساءلوا عن مصير البلاد في ظل هذا التدهور المستمر صحيفة “الوحدة” رصدت بعض هذه المنشورات

حيث ذهبت تناولات البعض الى أن حكومة بن مبارك فشلت في إدارة الأزمة، مما أدى إلى انهيار العملة المحلية بشكل كارثي وهذا مايؤكده عبدالله السيلي في تغريده له على منصة اكس: “ما يحدث حاليًا هو كارثة بحق الإنسان في الجنوب، حيث تجاوز سعر الريال السعودي 600 ريال يمني، بينما تخطى الدولار حاجز 2300 ريال! الحكومة ورئيس مجلس القيادة الرئاسي فشلوا في إدارة الأزمة”

وفي سياق متصل، يرى البعض أن السبب الرئيسي لهذا التدهور هو سوء الإدارة المالية ونهب الإيرادات، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية.

عادل الحسني كتب :”الحكومة الفاشلة تستنزف خزينة الدولة بمليارات الريالات شهريًا دون إيرادات حقيقية. ومع استمرار هذا النهج، تتهاوى العملة إلى أدنى مستوياتها، فقد كسر الدولار حاجز 2300 ريال، أي عشرة أضعاف ما كان عليه قبل 2015، البنك المركزي مشلول القرار، والإيرادات تُنهب بشكل ممنهج، بينما يتحمل المواطن وحده عبء هذا الانهيار.”

وبينما يعاني المواطن من تدني قيمة الريال اليمني وارتفاع الأسعار، يبقى المسؤولون في مأمن من هذه الأزمة، حيث يتقاضون رواتبهم بالدولار، يعبر أبو فراس البريهي عن هذا التناقض بالقول:

“المسؤولون يستلمون رواتبهم بالدولار، فلا يعنيهم إن زاد سعر الصرف أو نقص. أما الموظف البسيط، فيعيش بمعاناة لا تنتهي، إذ لم يعد راتبه يكفي ليومين من الشهر بسبب الغلاء الفاحش.”

 

 

Comments are closed.