الإمارات تكرّس احتلالها لجزيرة سقطرى عبر انشاء قواعد عسكرية ومخططات توسعية
خالد الصايدي
تمضي الإمارات في تنفيذ مخططاتها الاستعمارية في جزيرة سقطرى، حيث باتت المسؤول الأول عن الأنشطة العسكرية والتوسعية، رغم محاولاتها تقديمها في قوالب إنسانية أو اقتصادية.
وفي ظل غياب أي تنسيق مع ما تُسمى بـ”حكومة الشرعية”ودون حتى علمها، تعمل الإمارات على بناء قواعد ومنشآت عسكرية سرية بعيدًا عن الأنظار، ومن أبرز تلك المشاريع قرب انتهائها من إنشاء مدرج عسكري طويل في جزيرة عبد الكوري.
ورغم الغموض الذي يحيط بأهداف هذا المشروع، تتوالى التقارير الدولية التي تكشف أبعاده، وسط تأكيدات لمحللين سياسيين بأن هذه الانشاءات تتم وفق تنسيق اماراتي اسرائيلي، وان الوجود الإسرائيلي في الجزيرة لم يعد سريًا، بل انتقل إلى مرحلة الإعلان العلني، في مؤشر على تنامي النفوذ الإسرائيلي في سقطرى بدعم إماراتي.
مشروع سري
أوشك مهبط طائرات سري اماراتي في إحدى جزر أرخبيل سقطرى من الاكتمال، حسب صور الأقمار الصناعية التي حللتها وكالة “أسوشيتد برس” الشهر الماضي.
حيث يمكن_بحسب الوكالة_ أن يوفر مهبط الطائرات في جزيرة عبد الكوري منطقة هبوط رئيسية للعمليات العسكرية التي تقوم بدوريات في هذا الممر المائي، وذكر تقرير الوكالة أن مدرج الهبوط بني من قبل الإمارات، والذي ياتي في محاولة الامارات ومنذ فترة طويلة بتوسيع نفوذها العسكري في المنطقة، وتكريس احتلالها غير القانوني للجزيرة ذات الموقع الاستراتيجي في اليمن.
أبو ظبي تفرض الحكم الذاتي على سقطرى كخطوة أولى نحو تغيير شامل يخدم أجنداتها التوسعية
معلومات وكالة اسوشيتد برس أكدها ايضا موقع “إنسيد أوفر” الإيطالي حيث كشف الموقع عن تفاصيل جديدة بشأن أعمال البناء التي تجري في جزيرة عبد الكوري، حيث يتم إنشاء مدرج هبوط طائرات طويل يبلغ طوله حوالي 3 كيلومترات، واعتبر ذلك جزءا من النفوذ الإماراتي على حساب السعودية في اليمن.
الموقع ذكر في تقرير له، إنه لوحظت أعمال البناء في البداية في يناير 2022، لكنها توقفت ثم استؤنفت مؤخرًا، وأنه بحلول 23 ديسمبر 2024، تم الانتهاء من 1800 متر من المدرج، مطلية بمؤشرات المسافة وعلامات تشبه “مفاتيح البيانو” عند الطرف الجنوبي، كما تم تبليط ساحة الانتظار.
تعاون إماراتي-إسرائيلي
ونظراً إلى الأهمية الإستراتيجية لأرخبيل سقطرى، سعت الإمارات وبتنسيق مع كيان العدو، إلى السيطرة عليه لضمه إلى موانئها وقواعدها العسكرية المستحدثة في خليج عدن والبحر الأحمر والقرن الأفريقي، بما يحقّق لها إحكام السيطرة العسكرية والاقتصادية والملاحية من شمال بحر العرب حتى خليج عدن، وصولاً إلى البحر الأحمر فخليج السويس، السيطرة تمثلت في إقامة انشاءات وقواعد عسكرية في الجزيرة لمراقبة الملاحة في المحيط الهندي والبحر الاحمر، وزادت وتيرة الانشاءات هذه بعد أحداث عملية طوفان الأقصى.
ووفقًا لمصادر غربية، فإن إسرائيل تقدم تقنيات استخباراتية متطورة لمساعدة الإمارات في عمليات المراقبة البحرية والجوية، في وقت تعمل فيه أبوظبي على إقامة محطات رادار ومنظومات دفاع جوي لحماية هذه المنشآت.
قاعدة عسكرية
ولم تعد هذه التحركات والتنسيقات الإماراتية الاسرائيلية مجرد شائعات أو تقارير إعلامية، بل أصبحت واقعًا معترفًا به دوليًا. تقرير أصدره المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI) أكد أن جزيرة سقطرى أصبحت قاعدة عسكرية إماراتية-“إسرائيلية” مشتركة منذ عام ٢٠٢٠م، حيث نُشرت أجهزة استشعار إسرائيلية الصنع في جزيرة عبدالكوري لمواجهة الصواريخ والطائرات المُسيّرة التابعة لقوات صنعاء.
وعلى ذات الصعيد ذكر مقال نشره موقع «جي فوروم» للجالية اليهودية الناطقة بالفرنسية، أن الإمارات وإسرائيل خطّطتا لإنشاء قاعدة في جزيرة سقطرى، وأكد موقع «إنتليجينس أونلاين» الاستخباري الفرنسي وصول ضباط من الاستخبارات الإماراتية والإسرائيلية إلى الجزيرة، في نهاية اغسطس 2020م. وأوضح حينها أن ما يسمى «المجلس الانتقالي الجنوبي» تعرّض لضغوط من الإمارات للموافقة على إنشاء قاعدة استخبارات إماراتية -إسرائيلية.
تمدد صهيوني
وفي ظل تزايد التحالفات بين الإمارات وكيان الاحتلال الإسرائيلي، تتكشف أبعاد مخطط استراتيجي يستهدف السيطرة على الجزر والمنافذ البحرية اليمنية، حيث يؤكد الباحث السياسي سند راجح الصيادي في تصريح لصحيفة الوحدة أن “العلاقة بين الإمارات والكيان الصهيوني في جزيرة سقطرى لم تعد مجرد تعاون استخباراتي، بل أصبحت امتدادًا لمشروع توسعي يسعى للهيمنة على المواقع الاستراتيجية في اليمن”.
وأشار الصيادي إلى أنه “لم يعد غريبًا أو مجازفًا القول إن الشراكة بين كيان الاحتلال والإمارات هي تحالف وثيق، حيث تعمل الأخيرة كأداة إقليمية لتنفيذ الأحلام الصهيونية التوسعية”. وأضاف أن الإعلام الإسرائيلي سبق أن كشف في عام 2020 عن وجود شراكة استخباراتية وأمنية بين الجانبين في سقطرى، لكن “الأمر يتجاوز مجرد تحالفات سرية، إذ أصبح الوجود الصهيوني المباشر في سقطرى وميون وعبد الكوري أكثر وضوحًا، ولم يعد مقتصرًا على العمل السري، بل انتقل إلى مرحلة الإعلان العلني”.
وأكد الصيادي أن صنعاء تراقب هذه التحركات منذ وقت مبكر، مشددًا على أن ما يجري ينسجم تمامًا مع الأجندة الصهيوأمريكية الرامية إلى “السيطرة على الجزر الاستراتيجية والمنافذ البحرية اليمنية”.
وحول المستجدات الأخيرة، أوضح الصيادي أن “وتيرة هذا التحرك تسارعت بعد معركة طوفان الأقصى، حيث نجحت اليمن في فرض معادلة جديدة في البحار والمحيطات المتاخمة لها، عبر دعمها لغزة، وإثبات قدرتها على إفشال التحركات العسكرية الأمريكية والبريطانية، رغم الفوارق في العدة والعتاد”.
تمهيد لإسرائيل
وعلى الرغم إعلانها الانسحاب من سقطرى عام 2019، لا تزال الإمارات تعزز نفوذها العسكري والاستخباراتي في الأرخبيل، حيث تروج إعلاميًا لخروجها، بينما تؤكد التقارير الميدانية أنها أعادت هيكلة وجودها عبر بناء قواعد ومنشآت عسكرية بالتعاون مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، مستخدمة غطاء الاستثمارات المدنية والمساعدات الإنسانية.
يؤكد الباحث والمحلل السياسي سند الصيادي في سياق تصريحاته للوحدة أن “الإمارات تقدم نفسها كغرفة عمليات متقدمة للمشروع الصهيوني في المنطقة، واليمن تحديدًا”، مشيرًا إلى أن الإمارات، منذ بدء العدوان السعودي الأمريكي، اعتمدت على أدوات محلية في المحافظات الجنوبية والغربية الخاضعة للاحتلال، لتمرير مشاريعها التوسعية، سواء بمعرفة تلك الأدوات أو دون علمها، وأضاف أن “تحركات الإمارات المنفردة، التي تتحدى الإرادة الشعبية والثوابت الوطنية، أثارت حتى اعتراض بعض القوى المحلية المرتهنة لها”.
الصيادي :الوجود الصهيوني في سقطرى تجاوز مرحلة السرية إلى الإعلان المباشر
وأوضح الصيادي أن هذا الواقع يثير قلقًا غربيًا، في ظل استمرار استغلال الوجود الإماراتي لتعزيز الانتشار العسكري للقوى المعادية، وهو ما يستدعي تحركًا وطنيًا عاجلًا لمواجهته. وأضاف: “المعركة مع العدو مستمرة بأشكال مختلفة، واستكمال معركة التحرر الوطني وفرض السيادة على كافة التراب والجزر والمياه الوطنية بات مطلبًا شعبيًا واسعًا، خصوصًا لدى أبناء المحافظات المحتلة الذين يعانون تحت عبث الاحتلال وهمجيته”.
مخطط لحكم ذاتي
وفي ظل تصاعد محاولات الإمارات فرض نفوذها على جزيرة سقطرى، تتزايد التحذيرات من خطورة هذا المشروع على السيادة اليمنية.
في هذا السياق يؤكد الناشط السياسي الجنوبي سمير غالب المسني في تصريح لصحيفة الوحدة أن “الإمارات عبر وكلائها المحليين، تسعى إلى تغيير ديموغرافية الجزيرة تمهيدًا لإعلانها كإمارة ثامنة”، مشيرًا إلى أن “إعلان الحكم الذاتي في الأرخبيل هو بمثابة إعلان حرب سيدخل المنطقة في صراع إقليمي ودولي له تداعيات وخيمة على سيادة واستقرار اليمن”.
وأضاف المسني أن القوى السياسية في المحافظات الجنوبية لم تدرك خطورة هذا المخطط لأسباب متعددة، أبرزها “تغييب المفاهيم والثوابت الوطنية، ووصول بعض القوى السياسية إلى مراحل متقدمة من العمالة، مما أدى إلى تغيير في الوعي الوطني وتحول الإسفاف الفكري إلى أساس التعامل مع القضايا المصيرية”.
المسني :
الإمارات تمهد لضم سقطرى رسميًا عبر فرض الحكم الذاتي وتغيير الهوية السكانية للجزيرة
وأشار المسني إلى أن “سقطرى وباقي الجزر اليمنية باتت مستوطنات خاضعة للنفوذ الإماراتي، وجزيرة عبدالكوري خير دليل على ذلك”، لافتًا إلى أن إعلان بعض المكونات المدعومة إماراتيًا الحكم الذاتي في الأرخبيل يأتي “تماهيًا مع استراتيجية توسعية تهدف إلى بسط الهيمنة الإماراتية وتعزيز وجودها في المنطقة”.
وحذر المسني من أن هذا التوجه يشكل تهديدًا مباشرًا لسيادة اليمن، مؤكدًا أن القوى الوطنية “تطالب حكومة صنعاء بسرعة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بوقف هذا العبث في الجزر”، داعيًا إلى “تفويض القيادة الثورية والسياسية لدعم القوى الوطنية في الأرخبيل، واتخاذ التدابير اللازمة لاستعادة السيادة اليمنية بكل الوسائل المتاحة”.
تفاقم معاناة سكان سقطرى
وأدت سيطرة الإمارات ومرتزقتها على جزيرة سقطرى ونهبهم لثرواتها إلى تدهور الأوضاع المعيشية للسكان، حيث فرضت شركة “أدنوك” الإماراتية التي تستحوذ على قطاع النفط جرعة سعرية جديدة.
وقررت شركة “أدنوك” مطلع هذا الاسبوع رفع أسعار البترول والديزل ليصل سعر (20 لترًا) إلى 40 ألف ريال يمني، بينما ارتفع سعر أسطوانة الغاز الكبيرة إلى 51 ألف ريال، والصغيرة إلى 25,500 ريال، في ظل غياب أي خيارات أخرى بسبب منع الشركات اليمنية من العمل في القطاع النفطي.
وأثار القرار موجة غضب واسعة، حيث دعا ناشطون وسكان الجزيرة إلى الاحتشاد أمام محطات الشركة الإماراتية للاحتجاج على هذه الزيادات التي وصفوها بـ”الابتزازية”، محذرين من استمرار تدهور الأوضاع المعيشية نتيجة الاحتكار الإماراتي.
واتهم المحتجون السلطة المحلية بالتواطؤ مع “أدنوك” والسماح لها بالتحكم الكامل في سوق المحروقات، الأمر الذي أدى إلى استغلال المواطنين وفرض أسعار تفوق قدرتهم الشرائية.
وأكد المتظاهرون أن التحرك الشعبي أصبح ضروريًا لكسر هذا الاحتكار، داعين جميع أبناء سقطرى إلى التكاتف للضغط على السلطات المحلية لاتخاذ موقف جاد يحمي حقوق المواطنين ويوقف استغلال الشركات الأجنبية لموارد الجزيرة.
Comments are closed.