ما نعرفه عن مهندس فكرة تهجير سكان غزة

بينما لا يزال الجدل يحتدم بشأن مقترح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالسيطرة على غزة وتهجير سكانها، كشفت تقارير عن هوية الرجل الذي أوحى له بتلك الفكرة، وهو أستاذ الاقتصاد الإسرائيلي، جوزيف بيلزمان، الذي أعدّ هذه الخطة في ورقة بحثية ونقلها لفريق ترامب في وقت مبكر من شهر يوليو/تموز 2024.

وكان ترامب قد اقترح، الثلاثاء، سيطرة الولايات المتحدة على غزة بعد أن اقترح في وقت سابق تهجير الفلسطينيين في القطاع بشكل دائم.

وقال ترامب خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو: “ستتولى الولايات المتحدة السيطرة على قطاع غزة، وسنقوم بعملنا هناك أيضاً. سنتولى المسؤولية عن تفكيك جميع القنابل غير المنفجرة الخطيرة والأسلحة الأخرى في الموقع وتسوية الموقع بالأرض والتخلص من المباني المدمرة وتسويتها وإيجاد تنميةٍ اقتصاديةٍ من شأنها أن توفر عدداً غير محدودٍ من الوظائف والمساكن لسكان المنطقة”.

وأشار تقرير نشرته صحيفة تايمز أوف إسرائيل إلى أنه قد تم الكشف عن تفاصيل خطة بيلزمان لأول مرة خلال مقابلة أجراها مع الدكتور كوبي باردا، المؤرخ الإسرائيلي، في بودكاست  “أمريكا بيبي” في أغسطس/آب 2024.

ويذكر أن بيلزمان قد شغل عدة مناصب في جامعات ومؤسسات إسرائيلية، من بينها جامعة بن جوريون في النقب كباحث أول (1995-1996). وعن توجهاته السياسية، قال بيلزمان خلال المقابلة التي أجراها في بودكاست  “أمريكا بيبي”، إنه كان ماركسياً في شبابه، ومع مرور الوقت بات يتبنى أراءاً يمينية.

ما هي مواقف بيلزمان بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة وحماس؟

تبنّى بيلزمان في خطته توجهات وآراء مماثلة لتلك التي يرددها الاحتلال الإسرائيلي، خاصة ما يتعلق منها بحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وقال إنه “لا جدوى من التعاون مع حكم حماس الباقي في القطاع”، داعياً إلى “تصفية جميع عناصرها”.

وشملت خطته أيضاً تدمير شبكة الأنفاق التابعة لحماس. وقال: “كجزء من إعادة هيكلة غزة وضمان القضاء التام على شبكة حماس السرية المسلحة، يتعين حفر منطقة غزة بالكامل”.

وخلافاً لما خلصت إليه أعلى الهيئات القضائية الدولية، ومن بينها محكمتي الجنايات الدولية والعدل الدولية، من أن جيش الاحتلال ارتكب جرائم حرب في غزة، زعم بيلزمان أن الهجوم الإسرائيلي على القطاع كان متوافقاً مع قواعد القانون الدولي.

وردّد بيلزمان الدعايات الإسرائيلية التي زعمت أن حماس انتهكت القواعد الدولية للحرب باستخدام المستشفيات ومرافق الأونروا والمدارس وسيارات الإسعاف والمنازل الخاصة لأغراض عسكرية.

وقال: “بموجب قواعد الصراع الدولية، يحق لإسرائيل تدمير كل هذه المؤسسات”.

ماذا نعرف عن خطة بيلزمان؟

حملت ورقة بيلزمان البحثية بشأن غزة عنوان: “خطة اقتصادية لإعادة بناء غزة: نهج البناء والتشغيل والنقل”، ونشرت لأول مرة في مجلة “جلوبال وورلد جورنال” في أكتوبر/تشرين الأول 2024.

وأفاد بيلزمان أن اقتراحه الذي يدعو إلى تهجير الفلسطينيين ودعوة المستثمرين الدوليين إلى بناء منتجعات فاخرة ” وصل إلى فريق ترامب لأنهم كانوا أول من اهتم به، وليس فريق بايدن”.

وقال بيلزمان: “لقد طلب مني فريق ترامب التفكير خارج الصندوق حول ما يجب أن نفعله بعد الحرب، حيث لم يكن أحد يتحدث حقاً عن ذلك”.

ما هي أهم ملامح خطة بيلزمان؟

تهجير الفلسطينيين: قال بيلزمان خلال لقائه في بودكاست “أمريكا بيبي”: “إن الشيء الذي يجب أن نبدأ به هو حفر المكان بالكامل. ثم يتعين علينا أن نحدد ما يجب فعله بالسكان المحليين، ويجب أن ننقلهم من مكان إلى آخر. يجب أن يتم التخلص من كل شيء…”.

وتابع أن الولايات المتحدة تستطيع أن تضغط على مصر لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين من غزة. وقال إن “مصر دولة مفلسة. ونحن نعلم أنها مفلسة حقاً”، في إشارة إلى الدعم المالي الذي يمكن أن تقدمه واشنطن لمصر مقابل استقبال اللاجئين الفلسطينيين.

التدمير الكامل: وفقاً لبيلزمان، وبسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، التي اندلعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصبح الدمار في القطاع واسع النطاق لدرجة أنه لا يمكن إصلاحه أو إعادة إعماره.

وقال بيلزمان: “عليك أن تدمر المكان بأكمله، وعليك أن تبدأ من الصفر. ثم لديك اقتصاد يتألف في الواقع من ثلاثة قطاعات: لديك السياحة، ولديك الزراعة، ثم لديك التكنولوجيا الفائقة”.

نموذج بناء-تشغيل-نقل (BOT): تعتمد الخطة التي قدمها بيلزمان، الذي عمل سابقاً مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مجال التنمية الاقتصادية في الصين، على نموذج البناء والتشغيل والنقل (BOT)، وهو نموذج تم تطبيقه في الدول النامية. ووفقاً لهذا النموذج، تدخل شركات ومنظمات القطاع الخاص في شراكات استثمارية مع كيانات حكومية، وتحصل على عقد إيجار عقاري من الحكومة لمدة تتراوح بين 50 و100 عام.

وبناء على هذا النموذج، تقوم جهة خاصة بإنشاء المشروع وتشغيله لعدة عقود، وبعد ذلك تنتقل الملكية إلى هيئة عامة. وخلال فترة التشغيل، يُسمح للجهة الخاصة بتحصيل رسوم مقابل استخدام البنية الأساسية.

الطاقة الشمسية والنقل الحديث: تتضمن خطة بيلزمان أيضاً أن يتم تشغيل قطاع غزة بالكامل بالطاقة الشمسية، وأن يتم إنشاء نظام نقل خفيف يشمل خط سكك حديدية، إضافة إلى مطار وموانئ بحرية. وأن يكون القطاع مستقلاً عن إسرائيل فيما يتصل باحتياجاته من الطاقة.

التكلفة: بحسب خطة بيلزمان، فإن “تكلفة إعادة إعمار غزة على نطاق واسع سوف تتراوح بين تريليون إلى تريليوني دولار، وسوف يستغرق استكمالها من خمس إلى عشر سنوات”.

وحدات سكنية على الطراز الصيني: تنص الخطة على إقامة مطاعم وفنادق ووسائل راحة فاخرة أخرى على الجانب الغربي من القطاع المطل على البحر، و”وحدات سكنية على الطراز الصيني تتألف من 30 طابقاً” على الجانب الشرقي، بينما يتم إنشاء مناطق زراعية في وسط القطاع.

الحكومة الالكترونية والنقد: أشارت الخطة إلى أن التصور المقترح لحكم غزة هو الحكومة الإلكترونية، أي الحكومة التي تستخدم الوسائل التكنولوجية. وسيتم تبادل الأموال بين السكان والشركات حصرياً من خلال شبكة تبادل عبر الإنترنت، مما يستبعد الحاجة إلى النقود الورقية أو بطاقات الائتمان أو المساعدات الأجنبية. ولن يتمتع القطاع بأي سلطة نقدية، وسوف “تخضع جميع تدفقات رأس المال لرقابة خارجية”.

التعليم والمناهج الدراسية: اقترح بيلزمان أن يشرف خبراء يعينهم المساهمون الأجانب على نظام تعليمي يقوم على إزالة ما وصفه بالـ”التطرف”، “مع إشراف خارجي لضمان تنمية السكان المهرة”.

واقترح بيلزمان استيراد المناهج الدراسية ــ من مرحلة رياض الأطفال إلى الجامعة ــ من النماذج التعليمية في الإمارات أو السعودية.

الأمن: شملت الخطة إسناد مهمة الأمن إلى “شركاء يتقاسمون المصلحة المشتركة في إبعاد حماس وشركائها من أي دور”، ويتولى هؤلاء الشركاء مهمة “نزع السلاح في غزة بشكل دائم”.

وبحسب بيلزمان، فإن حماس ليس لديها حقوق ملكية في غزة، بموجب اتفاقيات أوسلو لعام 1993، والتي يقول إنها تركت كما هي عندما انسحبت إسرائيل من غزة في عام 2005.

كيف كانت ردود الأفعال الإسرائيلية على مقترح ترامب؟

رغم الاحتفاء الواسع في إسرائيل بخطة ترامب لتهجير الفلسطينيين في غزة، فإن الشكوك حول واقعيتها تزايدت، ولا سيما من المؤسسة الأمنية التي أوعز لها وزير الجيش يسرائيل كاتس بإعداد خطة تتيح لسكان غزة الخروج طوعاً.

وتصطدم خطة ترامب لتهجير سكان غزة برفض فلسطيني وإقليمي ودولي واسع، فلم تلقَ تأييداً إلا من أوساط إسرائيلية، وسط تشكيكات بين أوساط أخرى بجدوى تطبيقها.

واكتفى اليمين الإسرائيلي، بمختلف توجهاته، بالاحتفاء بخطة ترامب، لكن ردود أفعال سياسية وأمنية بارزة تباينت بشأن ماهيتها، مشككة في وجودها أو قابليتها للتطبيق:

وقال زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، إنه لم يفهم تفاصيل ما أسماها “قنبلة ترامب بشأن غزة”، لكنه أشار إلى أن ذلك يعبر عن التزامه تجاه إسرائيل.

بينما أفاد رئيس الوزراء السابق، إيهود باراك، بأنه لا يؤيد الحديث عن الأوهام، ويبدو أنها محاولة لهز الحكام العرب لإجبارهم على تقديم طريقة عملية للتدخل فيما يحدث في غزة.

 

المصدر:” بوست عربي”

 

Comments are closed.