بدت معركة (طوفان الأقصى) بصورة ملحمة استثنائية، وصفت بأنها صناعة (مغامرين) ووصفت بأنها دمرت فلسطين القضية والشعب والقدرات المتاحة.. لكن كل ما قيل عنها لم يكن أكثر من أكثر من رد فعل من صدمة غير معهودة، وحدث استثنائي لم يكن يخطر ببال أحد، حدث صادما للعدو لدرجة الانهيار، صادما للقريب لدرجة الخوف والرعب.. إنها (إسرائيل) ومن يجروا على أن يفعل بها ما فعل بها (السنوار) والقسام والمقاومة في السابع من أكتوبر 2023م.. ذلك الحدث الجلل الذي زلزل أركان دولة الاحتلال وجيشها وأجهزتها الاستخبارية، كما زلزل وأرعب حلفاء الكيان الذين تقاطروا للتعبير عن تضامنهم مع كيانهم اللقيط، فيما العرب والمسلمين أنظمة وشعوب ونخب وفعاليات اصابهم الرعب والخوف والصدمة والاندهاش من الحدث وصناعه وجراءتهم الغير معهودة والغير مسبوقة في تاريخ الصراع والقضية.. نعم مقاومين هم ولكن هذه المرة لم يقوموا بعملية فدائية نوعية، لم يخطفوا طائرة؟ ولم يستولوا على سفينة من عرض البحر، لم يغتالوا مسؤولا من كيان الاحتلال، ولم يفجروا سيارة مفخخة في مقهى أو في شارع مزدحم بالمستوطنين…؟!
أنهم أقدموا على حدث تجاوز إغراق (المدمرة إيلات) أو تدمير الحفار، أو عملية ميونيخ، ان طوفان الأقصى تستحق وبجدارة أن تتماهي مع اسمها.. نعم هي (طوفان) طوفان كانت كمن القى ليس حجرة بل صخرة في المياه الراكدة..؟!
قرون وعقود والفلسطيني يعاني يناضل يقاوم يحاور ويفاوض من أجل وطن يتنقل من مستعمر الي اخر إلا أن وصل لقبضة مستعمر استيطاني، مستعمر لم يأتي هذه المرة تحت ( راية الصليب) بل جاء حاملا (توراة موسى، ومزامير داوود، وشمعدان الهيكل، ونجمة داوود) دون أن يكون له علاقة بكل هؤلاء، لكنه استخدمهم لأنه يسعى للسيطرة والاستيطان على أرض النبوءة ليس لأنها ( وطن قومي) بل لأنها وطن الثروات والمواد الخام وأرض الحضارات التي تتحكم بطرق التجارة الدولية وتتحكم بمصير العالم أن توحدت، إليها تنتمي كل أديان السماء واليها ينتمي كل الأنبياء والمرسلين، وفيها وضع الله بصماته، ولأنها كذلك فأن إبقائها خارج دائرة السيطرة ستبقي مصدر خطر على العالم الذي لا يساوي شيئا بدون خيراتها وثرواتها وجغرافيتها وقيمها أيضا..!
إذا ماذا صنع (السنوار)؟ صنع ملحمة سيدونها التاريخ في أنصع صفحاته، وصنع نهاية لمعاناة شعب ووطن.. غبي من يتوهم أن ما يجري في فلسطين (شرا) رغم الموت والدمار والقهر والحسرات، ورغم الأنين والجراحات وعويل الثكالى وبشاعة اللحظة.. بالعكس طوفان الأقصى أوجدت فلسطين وقربت من نهاية معاناتها وانعتاقها من شرنقة الاستعمار الاستيطاني الذي يلملم أدواته رغم كل مظاهر التوحش التي يبديها في محاولة من هذا الكيان التعبير عن قوته وصموده وجبروته وانه صاحب الحق في المكان مجسدا فلسفة رموزه بأن (القوة فوق الحق) لكن القوة انهارت في لحظة إرادة أو مغامرة أو حتي ( جنون) كما قيل بحق (السنوار) من قبل أحد (الحكام العقلاء)..؟!
أن (السنوار) أوجد أعظم ملحمة تاريخية زلزلت عرش الاحتلال وافقدته القدرة على التفكير وحين صحي من الصدمة وجدا هذا الكيان نفسه يفكر في أزمة وجودية أزمة هوية وبدأ مستوطنيه يبحثون في أغراضهم القديمة عن هويات ووثائق تثبت انتمائهم لأوطانهم القديمة التي جلبوا منها (لأرض الميعاد) و(الميعاد) أصبح بنظرهم يعني (الموت)..؟!
طوفان الأقصى جرعت العدو ورعاته ولأول مرة في التاريخ هزائم مركبة، هزائم من الصعب أن يتحرروا منها او يتخلصوا من آثارها إلا بالرحيل من أرض خذلتهم كما خذلتهم قوتهم، ويكفي أن أحلام (النبي يوشع) المزعوم الحامي لبنى إسرائيل والذي قيل انه يتجسد بشخص نتنياهو الذي انتهت بعهده أسطورة كيانه وخارت قواه وبدت الأزمة الوجودية تنعش مفاصله كالسرطان.. هزم الكيان وجوديا وحضاريا وامنيا وعسكريا واجتماعيا وانتصر المغامر السنوار بأن وضع شعبه على ضفاف الحرية والاستقلال والدولة والقدس.