عاصم السادة
- منذ أن وطأ الاحتلال الاماراتي والسعودي بأقدامه المحافظات الجنوبية وهو يستبيح مقدراتها ويرتع ويعيث فساداً بثرواتها ويعمد على تجريفها بكل خبث غير مكترث بمن استقدمه إليها بغرض حمايته، وذلك لإدراك المحتل مدى ضعف وهشاشة أولئك النفر من اليمنيين الذين اعتادوا على بيع الأوطان مقابل حفنة من الأموال والمناصب “الديكورية” مسلوبة القرار والإرادة والسيادة.
تمر المحافظات الجنوبية المحتلة بمرحلة بالغة في السوء أكان معيشياً أو أمنياً أو اقتصادياً، نتيجة السياسات الفاشلة المتبعة وغياب الرؤى الوطنية والارتهان المطلق للاحتلال السعودي والاماراتي الذي هو سبب رئيسي لكل الكوارث الحاصلة اليوم في تلك المناطق المحتلة، بالإضافة إلى فساد منظومة “الارتزاق” التي حولت مؤسسات الدولة إلى قطاعات خاصة لصالحها، ومنح “المحتلين الجدد” الضوء الأخضر لنهب مقدرات جنوب الوطن النفطية والبحرية والطبيعية والمعدنية، الأمر الذي فاقم من معاناة المواطنين في تلك المحافظات حيث أصبح الشارع الجنوبي محتقناً ومتذمراً من واقعه البائس.
اليوم، نعرض لكم حلقة واحدة من جملة حلقات النهب والتجريف الممنهج لثروات المحافظات الجنوبية المحتلة من قبل الإمارات في محافظة حضرموت، إذ قامت بالسيطرة على مناجم الذهب في المحافظة خلال السنوات الأخيرة، وبالتحديد منذ مايو 2019، وبدأت بنقل وتهريب كميات كبيرة من الأحجار والمعادن الثمينة من مديرية “حجر” نحو أبو ظبي، عبر ميناء الضبة وعبر مطار الريان، اللذين تسيطر عليهما بشكل مباشر.
نهب ممنهج
تستخدم الإمارات مطار الريان كذلك لتنقلات العاملين في شركاتها العاملة في مجال التنقيب ونقل كميات محدودة مستخرجة من المناجم، فيما الاعتماد الأكبر يتم عبر ميناء الضبة لنقل الكميات الكبيرة من المواد الغنية بالذهب والمعادن الأخرى، وفق ما أكدته مصادر محلية في محافظة حضرموت لـ”الوحدة”، مشيرة إلى أن النهب الممنهج منذ سنوات لثروات حضرموت يتم بالتنسيق والشراكة مع “المجلس الانتقالي”، وبتنفيذ مباشر من “النخبة الحضرمية” المدعومين اماراتياً. ويضيف: “لا يزال مستمرًا وبوتيرة عالية، والهدف إفراغ حضرموت الغنية من ثرواتها، شأنها شأن بقية المحافظات المحتلة الخاضعة للنفوذ الخارجي”.
عملية تهريب الذهب المُستخرج من حضرموت نحو أبو ظبي تتم عبر ميناء الضبة ومطار الريان
ومنذ شهرين، تعيش حضرموت على صفيح ساخن، للمطالبة بحقوق أهلها، والمحافظة على ثرواتها المهدورة والمنهوبة من قِبل الإمارات ومليشياتها، حيث خرجت عشرات الاحتجاجات الغاضبة الرافضة للعبث المُمارس على هذه المحافظة الكبيرة، وقاد ما يسمى بـ”حلف قبائل حضرموت” احتجاجات لمنع خروج أي شحنات نفط أو معادن أو ذهب إلى خارج المحافظة، كما أفاد ناشطون سياسيون في محافظة حضرموت لـ”الوحدة”، لافتين إلى أن مليشيات “الانتقالي” و”النخبة الحضرمية” واجهت تلك الاحتجاجات بالقمع والضرب والاعتقال.
تواطؤ حكومة “بن مبارك”
لم يكن ذلك النهب والتهريب للثروات المعدنية ليحدث لولا تواطؤ حكومة “بن مبارك” التي منحت الشركات الإماراتية وغيرها من شركات دول العالم الكبرى ضوءا أخضر لأخذ ما تشتهيه من ثروات حضرموت بل وسهلت لها المهمة وقدمت المساعدة في إعطائها تراخيص عبور للشحنات من جهات ليس لها علاقة بمحتوى المواد المحملة وكمية الذهب والمعادن المهربة، في حيلة منها للتمويه وإبعاد الشبهة المباشرة عنها.
ورغم الاستنفار والتحشيد للميليشيات التي دفعت بهم الإمارات لإنجاح عملية التهريب المعادن الثمينة، غير أن أبناء محافظة حضرموت لم يستسلموا لذلك فأنشأوا نقاط عسكرية غرب المكلا لمنع خروج ثروات المحافظة، بحسب ما أوضحت مصادر محلية في حضرموت، مؤكدة إفشال محاولة تهريب كميات من الذهب والأحجار الكريمة، كانت تحمل تصريح مواد جبس من الشركة الوطنية للإسمنت.
واضافت المصادر، أن قوات تابعة لمليشيا الانتقالي حاولت الضغط للإفراج عن الشحنة والمُحمَّلة على أربع شاحنات كبيرة، وقد كانت في طريقها إلى محافظة عدن.
وأشارت المصادر أن الكمية التي تم اكتشافها كبيرة جدا تم نهبها من وادي المسيني ووادي مدن الواقعان غرب المكلا.
واعتبر مراقبون ذلك بمثابة نهب لمناجم الذهب في مناطق مختلفة بمحافظة حضرموت التي يخضع جزء كبير منها لسيطرة القوات الإماراتية أو مليشيا محلية كونتها وتديرها والمعروفة باسم “النخبة الحضرمية”.
احتجاز المحافظات الشرقية لصالح الإمارات
دخلت دول تحالف العدوان بقيادة المملكة العربية والسعودية إلى جنوب اليمن تحت ذريعة دعم ما يسمى “الشرعية” حيث قامت الإمارات بإنشاء أحزمتها الأمنية في المحافظات الجنوبية وأحكمت السيطرة عليها، وبدأت بتشكيل مليشيات مسلحة تابعة لها تدعمها لتنفيذ سلسلة من الاغتيالات والاعتقالات ضد كل من يرفض تواجدها وسياساتها في مناطقهم وفتحت سجون وشنت حملات اعتقالات واسعة على الكثير من المعارضين للاحتلال الإماراتي والسعودي، ومارست صنوفا قاسية من التعذيب والتنكيل بحقهم، وصادرت ممتلكاتهم وتعرض آخرون لمضايقات شديدة مما أضطر البعض للهروب خارج الوطن، بينما فرضت رقابة مشددة على آراء الصحفيين والناشطين لتكميم أفواههم، ولا يزال الوضع كما هو عليه قائم على ذات النسق والأساليب القمعية والوحشية بحق أبناء المحافظات الجنوبية المحتلة حتى اللحظة.
أبناء حضرموت يطالبون بحماية ثروات المحافظة المهدورة والمنهوبة من قِبل الإمارات
يقول الناشط السياسي عادل الحسني أن دخول الإمارات إلى اليمن لم يكن دعمًا لما يسمى “الشرعية”، ولا صلة له بأي هدف من أهداف التحالف الذين لم يتبقَ منه سواها والسعودية، مضيفاً، أنه سرعان ما اتجه الاهتمام الإماراتي إلى غير مقاصد التدخل، وهرولت نحو السواحل والموانئ، وحجزت المحافظات الشرقية لصالحها، بما فيها من ثروات من نفط وذهب ومعادن أخرى.
لم يكن الاهتمام الإماراتي في حضرموت حديثًا، فقد بدأ نشاط شركة “ثاني دبي” سنة 2003، وتعمل لأكثر من 21 سنة بالتنقيب في أكبر ثاني منجم في اليمن، والموجود في وادي مدن، بالغرب من المكلا، وفق ما ذكر الحسني، مشيراً إلى أنه تم إلغاء ترخيص هذه الشركة سنة 2011، وأوقفت الشركة نشاطها، حتى عادت سنة 2017 وبحماية من قِبل “المجلس الانتقالي” الذي أنشأته الإمارات نفسها.
31.6 مليون طن احتياطي الذهب
يعتبر قطاع الثروة المعدنية والصناعات الاستخراجية من أهم القطاعات الواعدة في اليمن إذ تظهر الدراسات الجيولوجية الرسمية توفُّر العديد من المعادن والخامات الطبيعية المختلفة والتي ما زال أغلبها مدفوناً في باطن الأرض ولم يتم استغلالها. وقدرت أبحاث استكشافية رسمية حديثة احتياطي هذا الخام النفيس بنحو 100 مليون طن منتشرة في 24 موقعا استكشافياً وهذا على خلاف ما أعلنته هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية في عام 2013 بأن احتياطي الذهب يبلغ نحو 31.6 مليون طن.
وحسب نتائج الاستكشافات التعدينية فإن ما يزيد على 80% من مساحة اليمن تتواجد تحتها صخور رسوبية تكونت في بيئات جيولوجية متنوعة والتي من شأنها أن تؤدي إلى إمكانية تشكيل تجمعات كبيرة وهائلة من الرواسب والمعادن الصناعية والثروات المعدنية.
احتياطي المعادن والخامات الطبيعية تقدر بـ 100 مليون طن منتشرة في 24 موقعاً استكشافياً في اليمن
وتشير الدراسات ونتائج البحث والتنقيب التي قامت بها هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية إلى تواجد معادن مهمة في اليمن منها الذهب والرصاص والزنك والنحاس والفضة، بالإضافة إلى وجود المعادن والصخور الصناعية بكميات كبيرة إذ يتواجد معظمها في مناطق مأهولة مع وجود البنى التحتية التي تسهل عملية الاستثمار والاستغلال لها.
ويأتي الذهب في مقدمة هذه الثروات الاقتصادية الواعدة حيث يتواجد بنسب كبيرة تصل لنحو 20 غراماً من الذهب في الطن الواحد من الصخور الحاوية لهذا الخام وارتفاع معدلات التواجد في مناطق بمحافظة حجة شمال اليمن، وفق ما أوضحته دراسات وابحاث هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية.