خالد الصايدي:
على مر العصور، شهد اليمن العديد من المحطات التاريخية التي شكلت مساراً جديداً في تاريخه المعاصر، من بين تلك المحطات البارزة، تبرز ثورة 21 سبتمبر التي توصف بأنها واحدة من أهم الثورات الشعبية في التاريخ اليمني الحديث، قادت هذه الثورة إلى إسقاط الوصاية الخارجية وإفشال مخططات تقسيم اليمن، متحدية بذلك قوى الهيمنة الإقليمية والدولية. سياسيون وأكاديميون في هذا الاستطلاع سلطوا الضوء على الإنجازات والتحديات التي واجهتها الثورة على مدى عقد كامل وأبرز نجاحاتها وإنجازاتها..
يصف لطف الجرموزي عضو مجلس الشورى، ثورة 21 سبتمبر بأنها ثورة شعبية خالصة وأبرز محطة في التاريخ المعاصر.
ويضيف “ثورة 21 سبتمبر أسقطت الوصاية التي كانت مفروضة على اليمن لعقود من الزمن وقضت على مشروع تقسيم وتمزيق اليمن إلى ست دول، فبعد إنهاء الوصاية على اليمن والتقسيم، واجهت البلاد عدة تحديات رئيسة أبرزها أن القوى السياسية التي كانت تمثل امتدادا وأدوات لقوى الهيمنة الإقليمية والدولية، استمرت في محاولة التأثير على المجتمع، بتشويه القوى الوطنية التي حركت المجتمع اليمني وساندت الثورة الشعبية في محاولة يائسة لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء.
وتابع الجرموزي: كانت تلك القوى السياسية تعمل بوتيرة عالية مساندة ومؤيدة للعدوان السعودي الإماراتي على اليمن الذي بدأ في مارس 2015م، مستهدفا للبنية التحتية والخدمية في معظم المناطق في كافة المحافظات اليمنية، أدى ذلك العدوان والحصار إلى تدمير البنى التحتية وخلق معاناة كبيرة في مختلف المجالات، ومن تلك التحديات أيضا دعم الجماعات المتطرفة في بعض المناطق في محاولة لخلق عدم استقرار في مناطق انتصار الثورة.
وأردف الجرموزي: “واجهت الثورة هذه التحديات بأن عملت على توحيد القوى الوطنية، والعمل على خلق بيئة وحراك شعبي واسع في المواجهة والصمود في وجه العدوان والحصار للعام العاشر على التوالي، بدءا بتشكيل لجان شعبية وبناء قوات عسكرية للدفاع عن اليمن وسيادته واستقلاله”.
وأشار الجرموزي إلى أن الثورة بمختلف الوسائل والأساليب ساهمت بنشر الوعي بأهمية الحفاظ على تلك المكتسبات (السيادة والاستقلال)، وإبراز قضايا الشعب اليمني ومعاناته وفضح جرائم العدوان بحقه وتقديم ما أمكن من خدمات للمجتمع والحفاظ على مؤسسات الدولة وإدارة الحياة وتخفيف المعاناة وفق الإمكانات المتاحة.
وعن اليمن بعد عشر سنوات من الثورة يؤكد الجرموزي بأن البلد يشهد مجموعة من الإنجازات والنجاحات، ففي ظل القيادة الحكيمة ووحدة القوى السياسية الوطنية تمكن اليمن من الدفاع والحفاظ على السيادة اليمنية ورفض الوصاية الخارجية، وهو ما يعد تأسيسا ليمن جديد سيكون له حضور فاعل مستقبلا، فقد أصبح مؤهلا لبناء علاقات ندية مع المحيط الإقليمي وتوسيع دائرة تحالفاته مع دول ومكونات محور المقاومة والممانعة لمشاريع الهيمنة والنفوذ الأمريكية الغربية في المنطقة.
ولفت إلى أن من إنجازات الثورة أن اليمن أصبح يمتلك القدرة على تطوير قدراته العسكرية وتطوير أسلحة الردع الحديثة ما مكنه من صد العديد من الهجمات، واستعادة مساحات ومناطق شاسعة كانت تحت سيطرة دول تحالف العدوان ومرتزقتهم، وكذلك أداء دور فاعل في مساندة الشعب الفلسطيني عقب معركة طوفان الأقصى والعدوان على غزة والضفة الغربية.
وعلى الصعيد الأمني يرى الجرموزي أن الثورة أعادت بناء المؤسسات الأمنية وحققت استقرارا أمنيا مشهودا في المحافظات والمناطق المحررة، وعززت جهود مكافحة الإرهاب وجماعاته، صنائع الإرهاب الأمريكي (القاعدة وداعش)، في المناطق التي كانت بؤرا نشطة للإرهاب، وكذا كشف العديد من الخلايا التجسسية والتنظيمات ذات الصلة.
حديقة خلفية
أما عارف العامري مسؤول العلاقات في الأحزاب السياسية المناهضة للعدوان فقد لخص وضع اليمن قبل الثورة بقوله: “منذ عقود مضت واليمن يعيش حالة من اللاستقرار، أدت الى نشوب حروب أهلية وتكوين جبهات مدعومة من أنظمة إقليمية ودولية، وأن النظام السابق كان هزيلا غير ذي جدوى في إيجاد حلول تنموية بحسب موارد البلاد الطبيعية والثروات النفطية والزراعية والبحرية وغيرها..”.
ويضيف العامري أن اليمن رغم موقعه الجيوسياسي وسيطرته على منافذ تجارية وممرات مائية هامة، الا أن كل ذلك وغيره كان مغيبا عن المجتمع اليمني كونه يبحث فقط عن توفير لقمة العيش الكريم، كما أن الوصاية الإقليمية والدولية على القرار السيادي والسياسي جعلت من اليمن حديقة خلفية لأنظمة إقليمية، سيطرت على كافة مقدرات البلاد وثروات أبنائه.
ولفت العامري إلى أنه مع بداية ثورة الحادي عشر من فبراير 2011م كان الحراك الثوري مشتعلا وغير قابل للحلول الجذرية المتكاملة وأن بعض القوى ركبت موجة الثورة حتى وصلت إلى اقتسام السلطة والثروة، رامية عرض الحائط بمطالب الشعب وهو الأمر الذي لم يتوافق مع مطالب الشعب وخاصة المكونات والقوى الرافضة للوصاية فجاءت ثورة 21 سبتمبر لتصحيح كل ذلك.
ويؤكد العامري أن ثورة 21 سبتمبر أسقطت مفاهيم المجتمع المغلوطة وزادت من ثقافته الإيمانية وعقيدته الجهادية، كما أنها انتزعت السيادة الوطنية وأخرجت الأمة اليمنية من عنق زجاجة الوصاية والتي جاءت محمولةً على قرارات مجلس الأمن وما يسمى بـ”الفصل السابع” الذي كان الغرضُ منه حمايةُ نظام المبادرة الخليجية ومعاقبة أية قوة سياسية تقوض هذا النظام الذي يريدُ الخارجُ من خلاله وعبره تمزيق اليمن وتجزئته ونشر الفوضى والحروب فيه.
ويعدد العامري إنجازات الثورة ومنها إسقاط منظومة الفساد ومراكز القوى المتنفذة والعميلة للغرب، وتصحيح المنظومة السياسية في اليمن، وفقاً لرؤية وطنية يمنية حديثة، كما أنها نقلت اليمن من موقع استباحة واستلاب القرار، إلى موقع التأثير في مجريات الأحداث في المنطقة والعالم، وأفشلت مشروع تقسيم اليمن إلى أقاليم متناحرة وحافظت على ما تبقى من مؤسسات الدولة، ومنعت انهيارها وشللها، وفرضت الأمن والاستقرار السياسي.
ويتابع العامري أن اليمن خلال عشر سنوات استطاع شطب مفهوم الهيمنة الخارجية المفروضة على الدول الفقيرة، وخلق مفهوم “السيادة تُفرض فرضاً”، و”الكرامة تُنتزع انتزاعاً”، و”الحرية تُسحب سحباً من أعناق المتسلط الظالم”، وكسرت مفهوم أن الجيش الضعيف غير المجهز بقدرات وبأسلحة متطورة سيخسر الحرب، وكل جيش لديه إمكانيات وقدرات عسكرية ومالية ضخمة سيربح الحرب”، وخلقت مفهوم: “أن الحرب يربحها فقط من يثبت بإيمانه بالله وبولائه لوطنه ولشعبه وبالتزامه بمبادئ الحق والقانون والكرامة والحرية والعنفوان”.
مؤامرات وأحقاد
أما الكاتب والمحلل السياسي عبد الرقيب البليط فيرى أن الوصايات لم تكتف بتدخلها في الأمور السياسية والعسكرية والاقتصادية بل مارست كل المؤامرات ونشوب الصراعات السياسية والعسكرية والتخريبية والتدميرية وبث الأحقاد والعنصرية والمذهبية والطبقية والطائفية والدينية وكل الأساليب الإجرامية والعدوانية المزعزعة لأمن واستقرار اليمن وشعبها، بسبب الأطماع الاحتلالية والاستعمارية ونهب الثروات المختلفة، ولأن اليمن يحتل موقعاً جغرافياً استراتيجياً مهماً كونه يمتلك أهم منفذ بحري وهو مضيق باب المندب في البحر الأحمر والذي تمر عبره السفن التجارية العالمية وخليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي الذي تتواجد فيه جزيرة سقطرى ويربط اليمن بدول آسيا كما يمتلك أطول ساحل بحري وثروات طبيعية ومعدنية وسمكية وغيرها من الثروات المختلفة.
ويؤكد عبد الرقيب البليط أن ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر عام 2014م أتت لتفشل كل تلك المخططات التآمرية والاحتلالية والاستعمارية والعدوانية وتنهي تلك الوصايات والتي كانت الأداة المستخدمة في ما يسمى الربيع العبري تحت مسمى التغيير ثم قاموا بشن العدوان الظالم والحصار الجائر على اليمن وشعبها مستخدمين ما تسمى بالشرعية الزائفة كغطاء وشرعنة لعدوانهم والحصار ونهب الثروات المختلفة وارتكاب أبشع المجازر البشعة والإبادات والقتل والإجرام والخراب والتدمير لكل المنشآت المدنية والخاصة والعامة والمستشفيات والمدارس والجامعات والمساجد والجسور والطرقات والآبار والمزارع والمطارات والموانئ.
ويضيف البليط: “ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر كانت لهم بالمرصاد، وعملت على إعادة بناء الجيش والقوات المسلحة اليمنية بكل تشكيلاتها المتعددة والتي حققت نجاحاً كبيراً وانتصارات عظيمة وساحقة على تحالف العدوان وعملائهم في كل الجبهات القتالية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والشعبية بمختلف الجبهات المختلفة داخلياً وخارجياً وألحقت بهم الهزائم النكراء وكبدت قواتهم وأسلحتهم وأساطيلهم البحرية الحربية خسائر فادحة واستهدفت المنشآت النفطية والاقتصادية والعسكرية والمطارات والموانئ والأهداف المهمة والحساسة في عمق العدوان السعواماراتي وأجبرتهم على طلب الهدنة والقبول بالتفاوض والحوار بعد اعترافهم بالهزيمة النكراء التي تلقوها من اليمنيين الأسود الأبطال وعلى مدى تسعة أعوام.