Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

د.هشام الشميري: أركان العمل القضائي التي يترتب على تخلفها جزاء الإنعدام

لم يكتفي المشرع اليمني بإيراد بعض تطبيقات الإنعدام في مواد متفرقة نص فيها القانون صراحةً على الانعدام، بل تبنئ المشرع إلى جانب معيار النص التشريعي معيار عام للانعدام في غير حالات الانعدام التي نص عليها القانون صراحة والتي يقع على القاضي استخلاصها من ذلك المعيار العام الذي يستخلصه الفقه والقضاء بالنظر إلى النظام القانوني بأجمعه؛ وذلك لأنه يتعذر على أي تشريع إستقصاء وحصر كل حالات الانعدام وإيرادها على سبيل الحصر، حيث أن تنوع حالات الانعدام وتناثرها في شتئ جوانب القواعد الإجرائية يجعل من الصعوبة بمكان استيعاب المشرع جميع حالات الانعدام وإيرادها على سبيل الحصر.
وبإستقراء نصوص قانون المرافعات نجد أن المعيار العام للانعدام يتمثل بالعيب الجسيم الذي يصيب العمل القضائي في ركن من أركانه الأساسية اللازمة لوجوده التي يؤدي انتفائها إلى فقدان العمل وجوده وصفته، فقد عرف المشرع اليمني في المادة (55) مرافعات الانعدام بأنه: (جزاء يلحق العمل القضائي المشوب بعيب جسيم يجرده من وجوده القانوني ومن جميع آثاره القانونية)، ووفقاً للقواعد العامة للعمل القانوني باعتبار العمل القضائي عملاً قانونياً فإن العيب الجسيم الذي يجرد العمل القضائي من وجوده القانوني المُراد به العيب الذي يصيب ركن من الأركان الأساسية اللازمة لوجوده. كما أن المشرع اليمني في المادة (56) مرافعات قد أورد معيار عام لانعدام الحكم القضائي بما نصت عليه من أنه: (… ويعتبر منعدماً إذا فقد أحد أركانه المنصوص عليها في المادة (217))، وبذلك يكون المشرع قد حدد صراحةً ماهية العيب الجسيم الذي يجرد العمل القضائى من وجوده القانوني بأنه العيب الذي يفقد العمل ركن من أركانه الأساسية اللازمة لوجوده. وبناءً على ذلك فإن المعيار العام للانعدام الذي يستخلص من النصوص القانونية سالفة الذكر يتمثل بالعيب الجسيم الذي يصيب العمل القضائي في ركن من أركانه الأساسية اللازمة لوجوده التي يؤدي انتفاء أحدها إلى فقدان العمل وجوده القانوني.
والملاحظ خلال الفترة الأخيرة صدور أحكام قضائية من المحكمة العليا تضمنت التقرير بأن أركان الحكم الواردة في المادة (217) مرافعات التي رتبت المادة (56) على تخلفها الإنعدام تقتصر فقط على أركان الحكم الشكلية الثلاثة “الولاية والخصومة والشكل” ولا تشمل أركان الحكم الموضوعية “الإرادة والمحل والسبب”، وقضاء المحكمة العليا هذا في رأينا محل نظر كونه لا يتوافق مع ما يستخلص من نصوص قانون المرافعات وفقاً لقواعد التفسير من أن معيار انعدام الحكم الذي وضعه المشرع في المادة (56) مرافعات المتمثل بتخلف ركن من أركان الحكم الواردة في المادة (217) مرافعات لا يتناول فحسب أركان الحكم الشكلية الثلاثة “الولاية والخصومة والشكل” بل يتناول أيضاً أركان الحكم الموضوعية “الإرادة والمحل والسبب” التي تعد من المفترضات اللازمة لوجود الحكم، وسندنا في ذلك التفسير الذي نراه الآتي:
١- إن التفسير الذي نراه يجد سنده من ذات نص المادة (217) من قانون المرافعات التي يستشف من عباراتها ودلالتها أن المشرع إلى جانب أركان الحكم الشكلية التي قررها صراحةً قرر ضمناً أركانه الموضوعية، فقد عرف المشرع في المادة (217) مرافعات الحكم بأنه:(قرار مكتوب صادر في خصومة معينة من ذي ولاية قضائية شرعية وقانونية)، ويستفاد من صريح عبارات نص هذه المادة أن المشرع قرر صراحةً أركان الحكم الشكلية الثلاثة”الولاية والخصومة والشكل”، حيث يستفاد ركن الشكل”الكتابة” من عبارة(قرار مكتوب) ويستفاد ركن الخصومة من عبارة (صادر في خصومة) ويستفاد ركن الولاية من عبارة(من ذي ولاية). ويستفاد أيضاً من دلالة نص هذه المادة أن المشرع اليمني قرر فيها ضمناً أركان الحكم الموضوعية الثلاثة “الارادة والمحل والسبب”؛ وذلك لان المشرع في هذه المادة جعل من أركان الحكم تضمنه قرار فاصل في خصومة معينة، والمراد بذلك أن يكون الحكم متضمناً منطوق وذلك المنطوق الذي يتضمن القرار الفاصل في الخصومة هو المحل الذي يرد عليه الحكم القضائي وهذا يفترض وجود محل الحكم الذي يرد عليه وهو ما يلزم توافر ركن المحل الذي يُعد أحد أركان الحكم الموضوعية اللازمة لوجوده، كما إن هذا المنطوق الذي يتضمن القرار الفاصل في الخصومة لا يكون كذلك ما لم يفصل بالخصومة على سبيل الحسم والإلزام وهذا يفترض وجود إرادة مصدر الحكم التي تُعد جوهر الحكم والتي تتجسد في منطوقة الذي يحدد نتيجة قانونية بالنسبة لوقائع الدعوى وهو ما يلزم توافر ركن الارادة الذي يُعد أحد أركان الحكم الموضوعية اللازمة لوجوده، وكذلك أن الخصومة التي يفصل فيها المنطوق وإن كانت تُعد بذاتها ركناً شكلياً إلا أنها تُعد هي سبب الحكم الذي يصدر بناءً على وجود خصومة يستند عليها تبرر صدوره فالحكم يصدر نتيجة وجود خصومة يستند عليها تبرر صدوره وهذا يفترض وجود السبب الذي يستند عليه الحكم وهو ما يلزم توافر ركن السبب الذي يُعد أحد أركان الحكم الموضوعية اللازمة لوجوده.
٢- باستقراء نصوص قانون المرافعات اليمني نجد أن بعض تطبيقات أو حالات الانعدام التي نص عليها المشرع صراحة متعلقة بركن من الأركان الموضوعية للحكم، ومن ذلك ما قرره المشرع اليمني في المادتين (15،12) مرافعات من انعدام الحكم إذا قضى منطوقة بطلبات سبق حسمها بحكم قضائي أو حكم تحكيم قائم صدر من ذي ولاية قضائية؛ ويرجع ذلك الانعدام إلى أن الحكم الذي سبق صدوره يزيل النزاع ما يجعل مباشرة العمل القضائي بشأن ذلك النزع الذي سبق حسمه وارداً على غير محل قانوني ومن ثم يكون ذلك العمل منعدماً لانتفاء محله الذي يعد ركناً أساسياً لازماً لوجوده القانوني.
كما أن المشرع في المادة (441) مرافعات قد رتب على الحكم باستحقاق العقار المحجوز عليه للغير انعدام إجراءات التنفيذ بما نصت عليه من أنه:(ترفع دعوى الاستحقاق سواء قبل بيع العقار أو بعده…ويترتب على الحكم باستحقاق العقار للمدعي انعدام إجراءات التنفيذ)، ويرجع الإنعدام الذي قرره المشرع في هذا النص القانوني إلى أن الحكم باستحقاق العقار المحجوز عليه للغير يجعل إجراءات التنفيذ المتعلقة بذلك العقار واردة على غير محل قانوني ومن ثم تكون تلك الإجراءات منعدمة لورودها على غير محل قانوني، حيث أن إجراءات التنفيذ تكون منعدمة إذا تمت على محل غير موجود أو إذا وردت على غير محل قانوني كما هو الحال فيما قضت به المحكمة العليا في حكمها الصادر من الدائرة المدنية برقم (118) لسنة 1433ه وتاريخ 4/ 6/ 2012م من إنعدام إجراءات التنفيذ على مال سبق استهلاكه في تنفيذ حكم قضائي أخر بموجب إجراءات تنفيذ لم يسبق الحكم ببطلانها.
٣- بإستقراء نصوص قانون المرافعات اليمني نجد أن المشرع قد اعتبر الحسم القضائي عنصراً لازماً لوجود الحكم القضائي، حيث أن منطوق الحكم القضائي باعتباره هو وسيلة التعبير عن الإرادة الظاهرة للقاضي والقانون فإنه يتعين للوجود القانوني للحكم فضلاً عن وجود ذلك المنطوق أن تكون هذه الإرادة قطعية وذلك بأن يأتي المنطوق والأسباب المكملة له جازماً حاسماً للنزاع بصورة جازمة وقاطعة وناجزه غير معلقاً على وقائع تالية لصدوره أو وارداً على سبيل التخيير وإلا كان الحكم منعدماً لانتفاء ركن الارادة اللازم لوجوده القانوني، ويتجلى ذلك من خلال ما نصت عليه المادة (12) مرافعات من أنه: (لا يجوز للقاضي أن يفتح نزاعاً حُسم بحكم قائم)، فقد أكدت هذه المادة على عنصر الحسم بلفظ(حُسم)، ويدل مفهوم مخالفة هذا النص على أنه يجوز للقاضي أن يفتح نزاعاً سبق صدور حكم فيه إذا لم يكن ذلك الحكم حاسماً للنزاع، لأن النص القانوني جعل حسم النزاع شرط للقول بحجية الحكم التي تمنع الخوض في الخصومة مجدداً وأن تخلف هذا الحسم يحول دون تمتع الحكم بالحجية، ما يعني أن الحكم الذي أفتقد إلى عنصر الحسم يعد حكماً منعدماً لا جود له لان الحكم المنعدم هو الذي لا يكتسب الحجية. ويتجلى ذلك أيضاً من خلال ما نصت عليه المادة (237) من قانون المرافعات من أن:(الأحكام تقرر ثبوت الحقوق أو عدم ثبوتها وتنشئ المراكز القانونية أو تزيلها أو تغيرها…)، فقد أكدت هذه المادة على عنصر الحسم بما أكدته من أن الوظيفة الأساسية للحكم القضائي هي تقرير ثبوت الحقوق من عدمه وإنشاء المراكز القانونية أو تعديلها أو إزالتها، وهذا لا يتحقق إلا إذا كان الحكم قطعياً حاسماً للنزاع محل الخصومة.
٤- باستقراء نصوص قانون المرافعات نجد أن المشرع في المادتين (77، 234) مرافعات قد قصر حجية الأمر المقضي به المقررة للأحكام القضائية على المنطوق المتضمن قرار المحكمة الفاصل في الخصومة الذي يعتبر المحل الذي يرد عليه الحكم والذي تخرج به الدعوى من حوزة المحكمة ويستنفذ ولايتها بشأنها، ومقتضى ذلك أن الحكم إذا جاء خالياً من المنطوق لا يحوز أي حجية ولا يستنفذ ولاية المحكمة ما يعني أن ذلك الحكم يُعد منعدماً؛ لأن الحكم المنعدم هو الذي لا يحوز حجية الأمر المقضي به ولا يستنفذ ولاية المحكمة.
٥- إن التفسير الذي نراه يتفق مع الغاية التي قصد المشرع تحقيقها من وراء تقرير جزاء الانعدام بنص قانوني، بحيث يجب أن يستجيب ذلك الجزاء لهدف النظام الإجرائي الذي يعمل به وهو ضمان احترام القاعدة الإجرائية وحسن سير المنظومة الإجرائية على نحو صحيح بعيداً عن المخالفات الجسيمة التي تجرد العمل من وجوده القانوني عند تخلف ركن من أركانه الأساسية اللازمة لوجوده، وهذه الغاية متحققة سواءً عند تخلف الأركان الشكلية للعمل القضائي أو عند تخلف الأركان الموضوعية للعمل القضائي؛ وذلك لاتحاد العلة المتمثلة بالعيب الجسيم الذي يفقد العمل صفته ويمنعه من تحقيق وظيفته كعمل إجرائي، فالأركان الموضوعية مثلها مثل الأركان الشكلية تعد من مقتضيات وجود العمل الإجرائي التي تدخل في تكوينه اللازمة لأداء وظيفته القانونية والتي يترتب على انتفاء أحدها تعييب كيان العمل وفقدانه وجوده القانوني وصفته كعمل إجرائي الذي ينزل به من مرتبة الأعمال القانونية إلى مرتبة الأعمال المادية نظراً لفقده أحد مقومات وجوده. وهذا يتفق مع ما ذهب إليه جمهور الفقه الإجرائي من أن العمل الإجرائي وفقاً للقواعد العامة باعتباره عملاً قانونياً له مقتضيات وأركان وجود مكونة للعمل ذاته لأزمة لوجوده بعضها مقتضيات موضوعية وبعضها مقتضيات شكلية، فلابد أن تتوافر في العمل الإجرائي مقتضيات وأركان وجوده الموضوعية المتعلقة بمضمون العمل واللازمة لوجوده والمتمثلة في إرادة الشخص القائم بالعمل والمحل الذي يرد عليه العمل والسبب الذي يبرر اتخاذه.
٦- باستقراء أحكام المحكمة العليا نجد أن الكثير منها قد جاءت مقررة بعض حالات الانعدام التي ترجع لانتفاء الأركان الموضوعية للحكم، ونذكر من تلك الاحكام حكمها الصادر من الدائرة التجارية في الطعن رقم (٢٦٤١٠) لسنة ١٤٢٧ه جلسة ٢٠٠٦/٦/٤م الذي جاء في أسبابه مانصه:(حيث أن أسباب الحكم وحيثياته ركن أخر من أركان الحكم لا يغني عن المنطوق فالتسبيب ولازمه أن يفضي إلى القضاء بالمنطوق الصريح الخالي من الغموض والجهالة وإن كان مبنياً عليه ومرتبطاً به فكلاهما لازم ومكمل به غير أنه لا يقوم للحكم كيان صحيح لأحدهما دون الأخر)، وحكمها الصادر من الدائرة المدنية برقم (118) لسنة 1433هـ جلسة 4/ 6/ 2012م الذي قضى بانعدام إجراءات التنفيذ التي تمت على مال سبق استهلاكه في تنفيذ حكم قضائي أخر بموجب إجراءات تنفيذ لم يسبق الحكم ببطلانها كأن ترد إجراءات التنفيذ على ذات الشيء الذي سبق استهلاكه في تنفيذ حكم قضائي أخر أو على شيء لا يقبل الانقسام أو التجزؤ، وحكمها الصادر من الدائرة المدنية في الطعن رقم (25282) لسنة1426ه جلسة 5/ 7/ 2006م المنشور في مجموعة القواعد القضائية والقانونية العدد الثامن ص 138 الذي جاء في اسبابه مانصه:(أن القرار التنفيذي الصادر بناءً على حكم لا يُعد سنداً تنفيذياً كونه غير منهٍ للخصومة وغير فاصل للنزاع يتعين نقضه وإلغائه هو وكل ما ترتب عليه وكل ما اتخذت من إجراءات التنفيذ لوروده على غير محل لعدم توافر السند التنفيذي)، وحكمها الصادر من الدائرة المدنية في الطعن المدني رقم (30195) لسنة 1428ه جلسة 28/ 5/ 2008م والطعن المدني رقم (30833) لسنة 1428ه جلسة 6/ 7/ 2008م المنشورين في مجموعة القواعد القضائية والقانونية العدد الثالث عشر ص(110،239) الذي جاء في أسبابهما ما نصه:(أن تعليق الحكم على يمين المدعى عليه أو على استيفاء أي دليل من أدلة الإثبات يعد عيباً جوهرياً يحول دون تحقيق الحكم وظيفته الأساسية في تقرير ثبوت الحقوق من عدمه، وبالتالي فلا تكون له أي حجية لأن الأحكام التي تحوز حجية الأمر المقضي به هي الأحكام القطعية الفاصلة في الموضوع وفقاً لأحكام المواد (217،233،234،237) مرافعات، الأمر المستوجب معه نقض الحكمين الابتدائي والاستئنافي المؤيد له وإرجاع ملف القضية إلى محكمة أول درجة لإعادة النظر فيها مجدداً بحكم ناجز حاسم).
والله ولي الهداية والتوفيق،،،،
Share

التصنيفات: أقــلام,عاجل

Share