عبد المجيد التركي
مقبرة الرحمة..
هكذا هو اسمها..
تبعد عن بيتي خمس دقائق
يحيط بها الكلاب وبراميل قمامة وسيارات عاطلة..
سورها مليء بالحكم والشعارات
وصور مرشحي مجلس النواب الذين أصبحوا بداخلها.
***
التسعيرة مكتوبة على باب المقبرة..
قبور الأطفال رخيصة لأنهم أحباب الله،
هناك تخفيضات للفقراء
لا يزال العرض سارياً حتى نفاد الفقراء.
***
حفار القبور يعرف ضحايا الحوادث المرورية
والمنتحرين الذين يقول أهلهم إنهم ماتوا ساجدين،
يعرف ضحايا الكورونا الذين دفنهم سراً..
هذا الحفار يدوِّن أسماء الموتى:
المرحومة أم الأستاذ إبراهيم الفلاني،
قبر المرحومة حرم الحاج علي بن سعيد الفلاني..
يحزُّ في نفسه أن يعشن ويمتن مجهولات؛
يغار عليهن أولادهن وأزواجهن
رغم أن عظامهن صارت تراباً صالحاً لصناعة تنور كبير.
***
غرفة الحراسة التي بداخل المقبرة
يعيش فيها الحفار بكل معاوله ونظرياته عن فكرة الموت،
والموتى هم أصدقاؤه الوحيدون..
كل مساء يستضيف واحداً منهم في مخيلته
وفي الصباح يجد نصف كوب شاي بارد
وأعقاب سجائر في البقعة التي جلس فيها الضيف.
***
كان مولعاً بالقات والأغاني
وأفلام الزومبي والمستذئبين،
يحتاج أن يتأكد أنه ليس بشرياً فانياً..
بالأمس وجدوه مشنوقاً في غرفته،
حفار القبور الجديد ينفض يديه من التراب
ويستلقي في فراش زميله
وهو يردد: “كل من عليها فان”.