القضاء ووضعه الحالي بحاجة إلى تلمس المعوقات ومعرفة أسباب الإخفاقات وفق رؤية صحيحة وصادقة، للوصول إلى الحلول والمعالجات الناجعة.
وتناول موضوع التخصص القضائي يترتب على فهمه وتطبيقه ملامسة الحل.
● لعل تدخل القضاء في جميع مجالات الحياة يتطلب مواكبة التطورات والمستجدات، ويستلزم سن التشريعات لمواجهة ذلك، وهذا جعل المواد القانونية تتضخم وتتفرع وتتشعب؛ فالمواجهة التشريعية تشمل جميع المجالات المدنية والاجتماعية والاقتصادية والتجارية والجزائية..، وتبعا لذلك تعددت مجالات التخصص القضائي.
وهذه المجالات تنظمها نصوص قانونية، يستلزم فهمها توفر شروح وهذه الشروحات تتعدد وتختلف فيها وجهات النظر وتتباين في الفهم والتفسير والتأويل.
وإذا كان الفقيه أو القاضي قديما يطّلع ويلم بشتى العلوم، فذلك لمحدودية المادة العلمية وعدم تشعب مجالات الحياة.
إلا أن التطور الذي يشهده العالم، من حيث تعدد العلوم وتبويبها إلى فروع عدة مستقلة بذاتها، مما أدى الى صعوبة الإلمام بها والتعمق في المادة العلمية بجميع فروعها فاكتفى الدارس بالتعمق في فرع منها، ثم في جزء من الفروع باعتبار تضخم التبويب وتعدد التخصصات في المادة الواحدة ثم في كل فرع منها.
وهذا ما ينطبق على القضاء، فالتكوين القضائي يتسم بالشمولية، أي أن إعداد القاضي يستلزم تعلم كافة العلوم الشرعية والقانونية والمهنية؛ وذلك كونه يتناول جميع المجالات أو بعضها في عمله اليومي من خلال ما يرفع إليه من قضايا دون تحديد، والتي قد لا ينجح في مواجهتها، وإنما سيضطر الى معالجتها بصفة سطحية مما يؤثر في مستوى أحكامه…
وبالتالي فإن التكوين الشمولي لا يحقق الغاية والمقصد من إعداد القاضي، وذلك لمحدودية الفائدة الاستيعابية مما يتلقاه، مع قصر مدة الدراسة والتي لا تتناسب مع كمية العلوم المتطلبة لممارسة المهنة،
كذلك تشعب النزاعات وانطوائها على مسائل قانونية دقيقة تتطلب الدراسة المعمقة للمواد التي تحكمها، إضافة إلى ضرورة امتلاك القاضي معارف أخرى.
وتكوين القضاة في المعهد يتسم بمبدأ الشمولية أي التخصص الواسع.
ولعل مؤيدات هذا النهج تعود الى:
▪︎ تلافي الضعف في مخرجات التعليم الجامعي، إذا ما تمت المقارنة بالدفع الأولى والتي كانت من مخرجات -أو اغلبها- المدارس العلمية والأربطة.
▪︎ اتباع المعمول به في سياسة السلطة القضائية من حيث ضرورة إلمام القاضي بجميع انواع العلوم أي التخصص الشامل، وذلك كون القاضي يتنقل من تخصص إلى آخر، يؤيد ذلك تداخل المواد القانونية وارتباطها ببعضها، كذلك حجم النزاعات في معظم محاكم الجمهورية ونوعية القضايا والتي لا تستدعي تطبيق مبدأ التخصص القضائي.
▪︎ وإذا كان اتباع هذا النهج لمجرد العرف والتقاليد، فإن أهمية التخصص القضائي وفائدته تتمثل في الآتي:
● التعمق في مادة التخصص والإحاطة بجميع جوانبها وتفاصيلها، وإثراء المعلومات لدى القاضي.
● البحث في النصوص وتأويلها التأويل الصحيح والذي ينمي الملكة لدى القاضي ويساعد على تدقيق النظر في المسائل المطروحة والبت فيها على رؤية كاملة.
● الرفع من مستوى الأحكام والنطق بالحكم العادل.
● يُمكن القاضي من التمتع بالكفاءة المهنية في ميدان تخصصه.
● اكتساب القاضي الخبرة الواسعة في مجاله والتي تساعده في الوصول إلى الحكم الصحيح.
● تطوير العمل القضائي وإنجاز القضايا بسرعة الفصل فيها.
● توفير الضمانات للمتقاضيين وابراز الطمأنينة في نفوسهم وإحلال الأمن والاستقرار في المجتمع.
● فهم النصوص وتحليلها وتفسيرها لكي يحسن تطبيقها.
وهنا تتضح الحقيقة والمتمثلة في أن التكوين التخصصي يساهم في إنجاز القضايا وتحقيق العدالة، كما يزيل اللبس عن مفهوم التقصير وإلقاء اللوم على السلطة القضائية.
● وما نقصده هو أن يتم التدرج في تبني التخصص القضائي، من خلال التعود على ذلك اثناء الدراسة بالمعهد، باعتبار التكوين في المعهد يركز على تنمية المعلومات النظرية في ضوء المعطيات التطبيقية والتدرب على الأعمال بما يكسب الدارس القدرة ويؤهله على ممارسة مهامه بمجرد التعيين، والأهم هو صقل العقول وتنمية القدرات وليس مجرد الحشو فهناك فرق بين صقل العقول وحشو العقول.
وتبني التخصص في المعهد يتمثل في التهيئة والإعداد، ويمكن ذلك، من كون الدراسة في المعهد ثلاث سنوات يتم تخصيص السنة الأولى والثانيه للتكوين العام والثالثه يتم التركيز فيها على التخصص القضائي النوعي.
● هذه مجرد ملامح للموضوع وللحديث بقية…
من صفحته على الفيسبوك